"منهج العلامات".. طريقة جديدة لدراسة وعي الحيوانات مقارنة بالبشر

time reading iconدقائق القراءة - 8
من الفقاريات إلى اللافقاريات.. دراسة تبحث في علامات الوعي لدى الحيوانات مقارنة بالسلوك البشري، 20 فبراير 2025 - Science
من الفقاريات إلى اللافقاريات.. دراسة تبحث في علامات الوعي لدى الحيوانات مقارنة بالسلوك البشري، 20 فبراير 2025 - Science
القاهرة-محمد منصور

توصَّل فريق من الباحثين إلى منهج جديد لدراسة وعي الحيوانات، ما قد يوفر رؤى أعمق حول أوجه التشابه، والاختلاف بين الكائنات الحية.

وبحسب الدراسة، المنشورة في دورية "ساينس" Science، يقترح العلماء طريقة تُعرف بـ"منهج العلامات" لتقييم الوعي، من خلال مقارنة السلوكيات، والخصائص التشريحية المرتبطة بالوعي لدى البشر، مع نظيراتها في الحيوانات الأخرى. 

ويأمل الباحثون أن تسهم هذه المنهجية في الإجابة على أسئلة أساسية حول طبيعة الوعي، وتعزز فهمنا للعقل البشري.

الوعي لدى الحيوانات

يواصل العلماء استكشاف مفهوم الوعي لدى الحيوانات من خلال منهجية جديدة، قد تساهم في تسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين الكائنات الحية.

وقدَّم فريق من الباحثين نهجاً جديداً لفهم وعي الحيوانات، وهو ما قد يساعد في الإجابة على بعض الأسئلة الأساسية حول طبيعة الوعي، وبالتالي تحسين فهمنا للعقل البشري.

تعتمد هذه الطريقة على تحديد السمات السلوكية والتشريحية المرتبطة بالوعي لدى البشر، والبحث عن خصائص مماثلة لدى الحيوانات الأخرى.

ووفقاً للمؤلفين، فإن التشابه في السلوكيات بين البشر والحيوانات الأخرى- عندما يكون التفسير الأكثر ترجيحاً لهذه السلوكيات عند البشر هو الوعي- قد يُعد دليلاً على وجود تجربة واعية لدى الحيوانات أيضاً.

شارك في إعداد هذه الدراسة البروفيسورة كريستين أندروز، أستاذة الفلسفة في جامعة يورك، والبروفيسور جوناثان بيرش، أستاذ الفلسفة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والبروفيسور جيف سيبو من قسم الدراسات البيئية بجامعة نيويورك.

"إعلان نيويورك"

وتأتي هذه الدراسة بعد قرابة عام من إصدار "إعلان نيويورك حول وعي الحيوانات" (The New York Declaration on Animal Consciousness)، الذي أقرّ بوجود دليل علمي يدعم فكرة الوعي لدى جميع الفقاريات والعديد من اللافقاريات، وقد تم توقيع هذا الإعلان من قبل أكثر من 500 عالم وباحث من جميع أنحاء العالم.

يؤكد إعلان نيويورك على وجود أدلة علمية قوية تشير إلى أن العديد من الحيوانات، بما في ذلك الفقاريات واللافقاريات، تمتلك قدرات إدراكية ووعياً ذاتياً، ويهدف إلى تعزيز البحث العلمي في مجال وعي الحيوانات، ودعوة المجتمع إلى إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع هذه الكائنات، خاصة في مجالات الزراعة والبحوث، مع مراعاة رفاهيتها وحقوقها.

تشير الأبحاث الحديثة إلى وجود أدلة قوية على أن بعض اللافقاريات تتمتع بدرجة من الوعي، مما يعيد تشكيل فهمنا للإدراك في المملكة الحيوانية. 

وأظهرت دراسات متعددة سلوكيات تدل على الوعي الذاتي، والألم، والذاكرة، واللعب لدى مجموعة متنوعة من الكائنات الحية. 

أنماط سلوك اللافقاريات

على سبيل المثال، تستطيع "ثعابين العلقة" التعرف على رائحتها الخاصة، مما يشير إلى مستوى معين من الإدراك الذاتي، وأما الأخطبوطات، فقد لوحظ أنها تتجنب الألم، وتبحث عن مسكنات له، وهو ما يشير إلى أنها تعيش تجربة ذاتية للألم، وليس مجرد رد فعل انعكاسي.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر الحبَّار قدرة على تذكر أحداث معينة، مما يدل على امتلاكه لما يُعرف بالذاكرة العرضية، وهي قدرة ترتبط عادة بالثدييات العليا، كما أظهرت بعض الدراسات أن النحل ينخرط في سلوكيات اللعب، وهو ما يُفسر على أنه مؤشر على الحالات العاطفية الإيجابية. 

وحتى ذباب الفاكهة يُظهر أنماطاً سلوكية متأثرة بالعزلة الاجتماعية، وهو أمر يشبه ما يحدث لدى البشر عندما يعانون من الوحدة، وكل هذه السلوكيات تدعم فكرة أن الوعي ليس مقصوراً على الفقاريات، بل يمتد ليشمل أنواعاً متعددة من اللافقاريات.

ويرى العلماء أن فهم امتلاك اللافقاريات وعياً من نوع ما يحمل أبعاداً أخلاقية كبيرة، وقد يعيد النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الكائنات؛ إذ يميل البشر إلى التقليل من أهمية معاناة اللافقاريات مقارنة بالثدييات والطيور، رغم أن الأدلة العلمية تشير إلى أن لديها القدرة على اختبار الألم والمتعة بطرق قد تكون مشابهة.

وكما يؤكد إعلان نيويورك حول وعي الحيوانات، فإن ما يهم أخلاقياً هو التجربة الذاتية للكائن الحي، وليس فقط تكوينه العصبي، أو تصنيفه البيولوجي.

يوضح الإعلان ثلاث نقاط أساسية؛ الأولى أن هناك دعماً علمياً قوياً لوعي الثدييات والطيور، والثانية أن هناك احتمالاً حقيقياً بأن جميع الفقاريات، والعديد من اللافقاريات تتمتع بالوعي، وأما الثالثة فإن مجرد وجود احتمال معقول للوعي يفرض علينا التزاماً أخلاقياً بحماية تلك الكائنات، والنظر في مصالحها ورفاهيتها.

حقوق الحيوان

يكتسب إدراج اللافقاريات في الاعتبارات الأخلاقية أهمية خاصة؛ لأن هذه الكائنات تشكل الغالبية العظمى من الحيوانات على كوكب الأرض، إلا أنها غالباً ما تُهمَل في مناقشات حقوق الحيوان، رغم أن البشر يستغلون أعداداً هائلة منها سنوياً، سواء في الصناعات الغذائية، أو الأبحاث العلمية. 

إلى جانب ذلك، تعاني اللافقاريات في البرية من ظروف قاسية، مثل المرض، والجوع، والافتراس، ووفقاً للمبادئ الأخلاقية المناهضة للتمييز بين الأنواع، فإن علينا مسؤولية مساعدتها عندما يكون ذلك ممكناً، بغض النظر عن مصدر معاناتها.

ولطالما كان موضوع وعي الحيوانات محل اهتمام الفلاسفة والعلماء على مر العصور، بدءاً من الفيلسوف جيريمي بنثام والعالم تشارلز داروين، وصولاً إلى الفيلسوف جون ستيوارت ميل، في القرن التاسع عشر، الذي أشار إلى صعوبة تقييم الوعي على نطاق واسع. ورغم التقدم العلمي الكبير، لا تزال نظرية شاملة للوعي بعيدة المنال، ولا يزال الجدل قائماً حول مدى انتشار الوعي في المملكة الحيوانية.

في دراستهم، يوضح الباحثون أن طريقتهم تعتمد على تحديد "بُعد معين للوعي"، مثل الشعور بالألم، أو رؤية الأشياء، ثم البحث عن أدلة تدعم وجود هذا البعد لدى الأنواع الأخرى. كما يدعون إلى توسيع نطاق الأبحاث لتشمل أبعاداً أخرى للوعي غير تجربة الألم، واستخدام أساليب بحث غير جراحية لتحليل سلوك الحيوانات.

ومع ذلك، يعترف الباحثون بأن العلامات الفردية قد لا تكون دليلاً كافياً بحد ذاتها لإثبات الوعي. فهم يشيرون، على سبيل المثال، إلى أن استخدام اللغة يُعدّ مؤشراً على أنواع معينة من الفكر الواعي لدى البشر، لكن النماذج اللغوية الضخمة التي تحاكي المحادثات البشرية أثبتت أن السلوك اللغوي وحده لا يُعد دليلاً قاطعاً على الوعي في الأنظمة غير البشرية.

خطوة مهمة

ورغم هذه التحديات، يشدد المؤلفون على أهمية استمرار البحث في هذا المجال، مؤكدين أن التصورات حول وعي الحيوانات قد تتغير مع تراكم الأدلة العلمية، ويختتمون دراستهم بالقول: "قد يتم استبدال فكرة أن هناك احتمالاً واقعياً لوجود الوعي لدى جميع الفقاريات والعديد من اللافقاريات بلغة أكثر تأكيداً في المستقبل، ولكن طالما أن الأدلة لا تزال محدودة ومختلطة، فمن المهم أن نحافظ على عقل منفتح، ونسعى لمعرفة المزيد".

يمثل هذا النهج الجديد خطوة مهمة في فهم طبيعة الوعي، ليس فقط لدى الحيوانات، بل أيضاً في سياق فهم الوعي البشري، مما قد يفتح آفاقاً جديدة في علم الأعصاب، والفلسفة، وعلم النفس.

وبحسب إعلان نيويورك، لا تقتصر أهمية هذه الاكتشافات على الحاضر، بل تمتد إلى المستقبل أيضاً؛ فإذا تمكن البشر يوماً ما من استعمار كواكب أخرى، فقد نحمل معنا لافقاريات صغيرة مثل الحشرات، سواء كمصدر للغذاء، أو كجزءٍ من النظام البيئي الجديد إذ سيكون علينا عندها أن نضع في الاعتبار رفاهية هذه الكائنات، ونتجنب تعريضها للمعاناة دون داعٍ.

أدلة قوية

وإذا ما نجحنا في تطوير ذكاء اصطناعي واعٍ، فإن المبادئ الأخلاقية نفسها قد تنطبق عليه؛ فالوعي، وليس نوع الكائن أو مادته البيولوجية، هو ما يحدد استحقاقه للاعتبار الأخلاقي، ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، قد نجد أنفسنا أمام كيانات جديدة تماماً تتطلب منا إعادة تقييم مفاهيمنا التقليدية حول الحقوق والرفاهية.

ويؤكد إعلان نيويورك على أن غياب اليقين المطلق، بشأن وعي اللافقاريات، لا يعني أننا يمكن أن نتجاهل إمكانيته. 

وهناك أدلة قوية تدعم وعي العديد من اللافقاريات، مما يستوجب الحذر في التعامل معها لضمان عدم التسبب في معاناتها دون داعٍ، وهذا يخلق حاجة ملحة لمزيد من الأبحاث العلمية غير المؤذية، لفهم كيفية تحسين رفاهيتها، وتقليل الأضرار التي قد تتعرض لها نتيجة للنشاط البشري.

تصنيفات

قصص قد تهمك