
تتعرَّض نصف مُدن العالَم الكبرى على الأقلّ لخطر الزلازل الكبيرة أو المتوسطة، وتزداد المخاوف من خطر وقوع زلزال كبير في المراكز السكّانية الرئيسة مثل طوكيو ومومباي وجاكرتا ومكسيكو سيتي ومانيلا ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وساو باولو وإسطنبول وطهران وغيرها.
وفي ظلّ تحوُّل العالَم نحو نمط الحياة الحضرية بشكل متزايد (من المتوقع أن يعيش نحو ثلثَي السكّان في المدن بحلول عام 2050)، يُعَدّ التأهّب لمواجهة الزلزال تحدياً كبيراً وطويل الأمد. وهذا ما يطرح تحدياً حول الخطوات التي يجب اتخاذها لحماية المواطنين والشركات والاقتصاد من تهديد بعيد الأمد، إذ إن الزلزال قد يضرب مرة واحدة في الحياة، في حال حدوثه، تاركاً خسائر لا يمكن تعويضها.
الوضع الحالي
قال حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، إنّ الزلازل المتتالية التي حدثت في شهر يوليو الماضي، تُعَدّ من بين أقوى الزلازل التي هزت الولاية منذ عقود، إذ إنها كانت بمثابة "نداء صحوة وإنذار" للناس وللسلطة على حد سواء.
وقال نيوسوم إنّ نظام الإنذار المبكّر في ولاية كاليفورنيا، الذي يمكن أن ينبِّه الناس تلقائيّاً قبل بدء الزلزال إلى البحث عن أماكن آمنة وإغلاق المنشآت الصناعية ووقف وسائل النقل سريعة التأثر، طُبِّق بنسبة 70%. ومن المفترض أن يكون هذا النظام جاهزاً في عموم الولاية بحلول نهاية عام 2019، أمّا في أوريغون وواشنطن فسيكون جاهزاً في عام 2021.
وتُعتبر اليابان وتايوان وإيطاليا والمكسيك مِن أوائل الدول التي استخدمت أنظمة الإنذار المبكر التي تكتشف الموجات الأولى من الزلزال، وتتيح التنبيه السريع عبر وسائل البث الإعلامي والرسائل النصّية على الهواتف المحمولة. وقد أدّت التحسينات التي جرت بعد الزلزال الكارثي خلال عام 1985 في مدارس مكسيكو سيتي وبعض المباني العامة الأخرى إلى انخفاض عدد الوَفَيَات في الزلزال الذي أصاب المدينة في سبتمبر 2017.
خلفية الموضوع
تتعرّض الأرض لمئات الزلازل التي يمكن ملاحظتها يوميّاً، مع حدوث زلزال كبير بقوة 7 درجات ريختر أو أكثر يحدث في المتوسط أكثر من مرة في الشهر، حتى إنّ هناك ما يسمى بـ"نتاج الهزات الأرضية"، أو الزلازل الصغيرة الناجمة عن استخراج النفط والأنشطة البشرية الأخرى.
المدن الساحلية شديدة النشاط الزلزالي (منطقة الحزام الناري)، بما في ذلك طوكيو وجاكرتا وسان فرانسيسكو، لا تتشارك فقط في اقترابها من خطوط التصدُّع والبراكين، بل أيضًا في التربة الناعمة والمشبعة التي يمكن أن تزيد من مخاطر الزلزال.
وأبدى علماء الزلازل دهشتهم من أن زلزال العام 1985، تسبّب في وفاة أكثر من 5 آلاف شخص في مكسيكو سيتي وما حولها، على الرغم من أن مركزه كان على بُعد أكثر من 320 كيلومتراً. وبينما يعتقد العلماء أن الزلازل الكبرى لا يتزايد ترددها، فإنه من المحتمل أن تزداد احتمالية الضرر عندما تزداد المدن ارتفاعاً وكثافةً وثراءً.
وفقاً لما ذكرته، شركة إعادة التأمين العالمية "سويس ري": "يوجد 283 مليون شخص في المناطق الحضرية عُرضة لخطر الموت أو الأذى أو الإجلاء بسبب الزلازل".
الجدل القائم
تحديث المدن التي يعود تاريخها إلى مئات السنين لتتمكن من مواجهة آثار الزلازل، ليس أمراً سهلاً أو بسيط التكلفة، علماً أن فوائد عملية التحديث تكون نظرية إلى حدٍّ كبير. وفيما ترتفع التكاليف بشكل خيالي، تكون نتيجة التطوير بطيئة للغاية. وعلى سبيل المثال، تعطي مدينةة لوس أنجلوس أصحاب المباني المعرضة للخطر مهلة 25 عاماً لإجراء الإصلاحات.
وتعطي سان فرانسيسكو مبانيها الشاهقة فرصة أن تصبح أطول وأكثر كثافة، في ظلّ تشكيك في فرص أن تصمد المباني الشاهقة أمام الزلازل.
وفي الهند، تراجعت الجهود المبذولة لتحسين التصميمات الهندسية وإنفاذ قوانين البناء المهملة، فيما لم تخلُ تركيا من أجواء القلق والتوتر في ظلّ الانتقادات الموجهة إلى الحكومة بعد إلغائها بعض الإجراءات الاستعدادية لمواجهة الزلازل، التي كانت تعهدت بها بعد زلزال 1999 الذي أودى بحياة 17 ألف شخص على الأقل. أمّا في بيرو، فيوجد في العاصمة ليما عدد من المساكن المهددة، كونها بُنِيَت على سطح تربة غير مستقرّة، ويتولى معهد الدفاع الوطني المدني عمليات إخلاء السكان خشية الزلازل.
يفسّر ما تقدم ضرورة الانتقال نحو أنظمة الإنذار المبكِّر، التي يمكن أن تمنح الناس فرصة ربما لبضعة ثوان، أو ربما دقيقة أو أكثر لإخلاء المباني. كما أن التكنولوجيا قد توفِّر أنظمةً أرخص لتحذير أولئك المعرّضين للخطر.
ويستكشف الباحثون الأميركيون حالياً، كيفية توظيف أنظمة تتبع الحركة وانتشار الهواتف الذكية لإنشاء شبكة ضخمة تكشف الزلازل تلقائيّاً وتُصدِر تحذيرات شبه فورية في شأنها.
هذا المحتوى من "بلومبيرغ"