لماذا ينجذب البشر إلى نظريات المؤامرة؟ دراسة تجيب

time reading iconدقائق القراءة - 6
متظاهرة ضد مروجي نظريات المؤامرة في برلين بألمانيا. 9 مايو 2020 - Reuters
متظاهرة ضد مروجي نظريات المؤامرة في برلين بألمانيا. 9 مايو 2020 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

أظهرت دراسة تستند إلى كتاب في العلوم السلوكية والإنسانية أن الانجذاب إلى نظريات المؤامرة ينبع من حاجة الناس العميقة للشعور بـ"الأهمية" و"التأثير".

وفقاً للباحثين، فإن جميع البشر مدفوعون بطبيعتهم للبحث عن معنى في حياتهم، لكن هذه الرغبة اللاواعية تقود بعض الأفراد إلى تبنّي نظريات المؤامرة، وأنظمة معتقدات خطيرة.

ويتفق خبراء الدوافع البشرية على أن جميع الناس يتشاركون مجموعة الاحتياجات الأساسية نفسها، وكل ما يفعله الناس، أو يحاولون تحقيقه، أو تجنّبه يخدم هدف إشباع واحد، أو أكثر من هذه الاحتياجات الأساسية.

الحاجة إلى الأهمية والتأثير

والدراسة جزء من كتاب بعنوان "السعي وراء الأهمية"، الذي يستند إلى البحث الأكاديمي والتجارب الشخصية للمؤلفين، بما في ذلك طفولة عالم النفس البولندي البارز، آري كرجلانسكي، خلال "الهولوكوست"، والصحافي دان رافيف.

يدرس المؤلفان كيف يمكن للحاجة إلى معنى أن تحفّز الناس على القيام بأعمال ضارة، وحتى عنيفة، بما في ذلك تصديق نظريات المؤامرة.

ويسلط الكتاب الضوء على العوامل التي تجعل المجتمع الحديث "مليئاً بعدم اليقين"، بدءاً من الفوضى المالية إلى حرب أوكرانيا، وصعود الأنظمة الاستبدادية، والأزمات الصحية العالمية. لكن المؤلفين يوضحان أن "عدم اليقين وحده ليس ما يزعج الكثيرين، بل فقدان الأهمية الذي يعنيه هذا عدم اليقين".

عدم اليقين

بالنسبة لبعض الناس، يشير عدم اليقين إلى أن أسوأ السيناريوهات ممكنة أو حتى محتملة، وعلى سبيل المثال، فإن عدم الاستقرار المالي سيتركهم بلا مأوى، أو أن تزايد أعداد المهاجرين سيعني عدم وجود موارد متبقية لهم.

يوضح المؤلفان أن فقدان الأهمية، الذي عانى منه الناس حول العالم، يجعلهم عُرضة لنوع معين من السرديات، تلك التي تعترف بمخاوفهم وقلقهم وتلوم بعض الجهات، أو الكيانات على مؤامرات، وأفعال خبيثة تهدف إلى إذلالهم وتقليل شأنهم.

ويشير المؤلفان إلى أن الجانب المهم من هذه السرديات كان دعوة للتحرك ضد الطرف، أو الأطراف المسؤولة عن هذه "المكائد الشريرة".

في السنوات الأخيرة، انتشرت نظريات المؤامرة التي تحدد مجموعة متنوعة من المذنبين على أنهم "أعداء يجب مواجهتهم بعنف، ويجب إفشال خططهم الشيطانية بقوة".

يستعرض المؤلفان أمثلة لنظرية المؤامرة مثل تلك التي يروّجها ديفيد آيك، والتي تفترض أن "عرقاً من الزواحف بين الأبعاد قد اتخذ شكلاً بشرياً، ويتآمر للسيطرة على العالم، بما في ذلك 43 رئيساً أميركياً، والعائلة المالكة البريطانية"، وهي نظرية نشرها في العديد من الكتب والمحاضرات.

ويقول كرجلانسكي: "من وجهة نظر نفسية، فإن السؤال الحقيقي هو ما الذي تقدمه هذه النظريات لجماهير آيك الذي يحفزهم على أخذ هذه الادعاءات على محمل الجد؟ في الواقع، إنها تقدم الكثير. أولاً: أن تكون على دراية بحقيقة فاضحة، ومثيرة للصدمة يجعل الشخص يشعر بأنه مميز جداً، واحد من قلة مختارة على علم بالحقيقة".

أحكام البشر ودوافعهم

يكشف علم النفس أن أحكام الناس ومعتقداتهم تتأثر بشدة بدوافعهم، ولأن سرديات المؤامرة تجعل الناس يشعرون بأنهم مهمون ومميزون، وغالباً ما تقدم أملاً في مستقبل أفضل، فإنها تميل إلى أن تؤخذ على محمل الجد من قِبَل الجماهير المحرومة من الأهمية المعرَّضة لها.

يتحدَّث المؤلفان عن أنه عندما ينخفض إحساس الناس بأهميتهم بسبب ظروف الحياة السلبية، فإنهم يصبحون عُرضة للسرديات التي تعد بزيادة كرامتهم وإحساسهم بالتأثير.

ويضيف كرجلانسكي: "انتشرت سرديات المؤامرة عبر منصات التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، مدعية تحديد الجناة المزعومين المسؤولين عن نشر البؤس"، مستطرداً بالقول: "في حياتنا الخاصة، وعلى المسرح العالمي، فإن التحدي هو إيجاد طرق يمكن أن تعزز أهميتنا كمشروع مربح للجميع، بدلاً من منافسة مريرة ذات مجموع صفري".

"أكبر تهديد للمجتمع"

ويرى المؤلفان أن أكبر تهديد للمجتمع هو أن "المعرفة الذاتية عادة ما تكون شحيحة". ويحثَّان الناس على فهم دوافعهم الخاصة للمعنى، لفهم أفضل لما يحفزهم، أو ما يضر بإحساسهم بالأهمية "فغالباً ما يكون الناس غير مدركين تماماً للسبب وراء ما يفعلونه، وما هي الدوافع الأساسية التي تكمن وراء خياراتهم وقراراتهم وأفعالهم.

وعلى الرغم من هذه التحفظات، قد يكون من الأفضل مواجهة الحقيقة عن أنفسنا وتوجيهها، بدلاً من دفن رؤوسنا في الرمال"، وفق الكتاب.

ولزيادة فرص المرء في إيجاد السعادة والنجاح، يقترح الكتاب فهم احتياجات المرء الخاصة، والاستماع إلى أفراد العائلة وزملاء العمل والأقران ومراقبتهم، لأنه غالباً ما يكون من السهل تزويد ذلك الشخص بالأهمية، ثم الاستفادة من الاحترام والأهمية المعطاة في المقابل.

ووثَّقت الأبحاث النفسية الدقيقة سابقاً كيف أن معظم الناس يجهلون أسباب حتى أفعالهم الروتينية والمعتقدات.

ويقترح المؤلفان أنه لحماية أنفسنا من السعي الضار وراء الأهمية، بما في ذلك نظريات المؤامرة، يجب أن نتعلم ما الذي يحفّزنا، سواء كنا مدفوعين بالمال، أو الحب، أو القيم، أو بعض الطموحات الأخرى.

ويقول كرجلانسكي: "إذا استطعت بطريقة ما قياس مدى الأهمية بالنسبة لك، ومدى قوة رد فعلك على التحديات التي تواجه كرامتك، ومدى سوء شعورك عندما يقلل الآخرون من شأنك، وما الذي يثير غيرتك، أو تعاطفك أو إعجابك، فقد تتمكن من تحديد إرشادات لقيادة حياتك بنجاح أكبر".

تصنيفات

قصص قد تهمك