
كشفت دراسة حديثة أن الفيضانات في المناطق الساحلية تحدث بوتيرة أعلى بكثير مما كان يُعتَقد سابقاً، حتى في غياب الأمطار أو العواصف.
وبيّنت الدراسة أن الاعتماد الشائع على بيانات قياس المدّ البحري لتحديد عدد مرات الفيضانات ومدتها، يعاني من قصور كبير، إذ لا يعكس الواقع الذي يعيشه السكان في المناطق الساحلية.
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، ميوكي هينو، أستاذة التخطيط الحضري والإقليمي في جامعة نورث كارولاينا، إن هذا القصور في القياس لا يؤثر فقط على فهمنا للحاضر، بل يمتد تأثيره إلى التنبؤات المستقبلية التي تُبنى على هذه البيانات، ما يعني أن التقديرات الحالية قد تقلل من حجم التهديد الفعلي للفيضانات.
واستخدمت الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر كومينكيشنز" (Nature Communications) شبكة من أجهزة الاستشعار المثبتة على اليابسة، صممها الباحثون لرصد الطرق التي تغمرها المياه في ثلاث مجتمعات ساحلية أميركية هي بوفورت، وكارولاينا بيتش، وسي ليفل.
فجوة البيانات
وكشفت البيانات أن الفيضانات وقعت 26 يوماً في بوفورت، و65 يوماً في كارولاينا بيتش، و128 يوماً في سي ليفل خلال عام واحد، وهو ما يتناقض بوضوح مع التقديرات المستخلصة من أجهزة قياس المد.
وعلى سبيل المثال، في "سي ليفل" وبعد استثناء الفيضانات الناتجة عن العواصف الشديدة، سجلت أجهزة الاستشعار 122 يوماً من الفيضانات، في حين أن البيانات المستقاة من أقرب مقياس مد تشير إلى 31 يوماً فقط وفق معيار هيئة الأرصاد الجوية، و9 أيام فقط وفق معيار هيئة المحيطات والغلاف الجوي الأميركية.
ولا تكمن الإشكالية فقط في عدد الأيام التي تغمر فيها المياه الشوارع، بل أيضاً في مدة الفيضانات. فالبيانات المستمدة من مقاييس المد لا تأخذ في الحسبان بطء تصريف المياه على اليابسة، ما يعني أن المجتمعات قد تواجه تأثيرات الفيضانات لفترات أطول بكثير مما تشير إليه السجلات الرسمية.
وقال الباحثون إن هذه الفجوة في البيانات تقود إلى قرارات تخطيط غير دقيقة، واستثمارات غير كافية، وربما إلى تجاهل فعلي لمعاناة السكان الذين يواجهون فيضانات متكررة تعوق حياتهم اليومية، وتُعرّض ممتلكاتهم للخطر.
وأشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة ليست استثناء بل تأتي ضمن اتجاه علمي متنامٍ يُحذّر من محدودية أدوات القياس التقليدية في مواجهة آثار تغير المناخ.
وفي دراسة سابقة، أفاد باحثون بأن "فيضانات المد العالي" باتت تحدث بوتيرة يومية تقريباً في بعض المناطق الساحلية بالولايات المتحدة، وهو معدل تضاعف ثلاث مرات خلال العقود الثلاثة الماضية.
فيضانات "أيام الشمس"
كما أكدت العديد من الوكالات الدولية في تقارير سابقة أن متوسط عدد أيام فيضانات "أيام الشمس" تضاعف في أكثر من نصف المواقع الساحلية الأميركية بين عامَي 2000 و2020.
ولفت الباحثون إلى أن هذا التطور يتسق مع توقعات طويلة الأمد بشأن تغير المناخ، وارتفاع مستوى سطح البحر.
وحذَّرت دراسة من جامعة ميامي عام 2016 من أن الفيضانات غير العاصفية في ميامي باتت تسبب تعطيلاً متكرراً لحركة المرور والبنية التحتية، حتى في غياب أمطار أو أعاصير.
وأظهرت دراسة أخرى نُشرت في دورية "بلوس وان" (PLOS ONE) أن السكان في بعض المناطق الساحلية باتوا يضطرون لتعديل أنماط حياتهم، مثل تغيير مواعيد العمل، أو شراء سيارات مرتفعة، أو حتى التفكير في الانتقال بسبب التكرار المتزايد لهذه الفيضانات "الهادئة".
من جانبها قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، كاثرين أنارد، الأستاذة المساعدة في هندسة السواحل بجامعة ولاية كارولاينا الشمالية إن تغير المناخ، وارتفاع مستوى سطح البحر يؤديان إلى تكرار فيضانات "أيام الشمس"، أي تلك التي تحدث دون عواصف أو أمطار، وأن هذه الظاهرة تحدث أحياناً بسبب المد العالي فقط، ما يزيد من أهمية اعتماد منهجيات قياس تواكب هذا الواقع الجديد.