دراسة تحذر: الصيد التجاري يحرم البطريق الإفريقي من الغذاء الأساسي

أعداد البطريق الإفريقي انخفضت بنسبة تقارب 80% خلال العقود الثلاثة الماضية

time reading iconدقائق القراءة - 8
حماية البطريق الإفريقي باتت قضية تتجاوز حدود العلوم البحرية - https://research-portal.st-andrews.ac.uk/en/persons/jacqueline-sarah-glencross/
حماية البطريق الإفريقي باتت قضية تتجاوز حدود العلوم البحرية - https://research-portal.st-andrews.ac.uk/en/persons/jacqueline-sarah-glencross/
القاهرة -محمد منصور

كشفت دراسة علمية، نُشرت الاثنين، عن خطر وجودي يواجه طيور البطريق الإفريقية، المهددة بالانقراض، وذلك بعد رصد حركتها في البحث عن الطعام بمناطق ينشط فيها الصيد التجاري، ما يجعلها تخوض منافسة قاسية من أجل الحصول على الغذاء.

وأوضح الباحثون أن استخدام أجهزة تتبع خفيفة الوزن وضع على ظهر البطاريق هو ما سمح بالحصول على هذه التفاصيل الدقيقة، وأن هذا النوع من البحث يمثل ثورة في فهم سلوك الحيوانات البحرية وعلاقتها بالأنشطة البشرية.

وأوضحت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة سانت أندروز، ونشرتها دورية Journal of Applied Ecology، أن البطريق الإفريقي بات أكثر ميلاً للتوجه إلى المناطق نفسها التي تعمل فيها سفن الصيد خلال فترات تراجع وفرة السردين والأنشوجة، وهما الغذاء الأساسي لهذه الطيور.

وتقدم الدراسة مقياساً جديداً وصفته بأنه الأول من نوعه تحت مسمى "شدة التداخل"، وهو مقياس لا يكتفي بتحديد مساحات التقاطع الجغرافي بين البطاريق وسفن الصيد، بل يقيس أيضاً عدد الطيور المتأثرة فعلياً بهذا التداخل، بما يسمح بتقدير أدق لحجم المخاطر البيئية.

انخفاض أعداد البطريق الإفريقي

وأظهر تحليل البيانات أن أعداد البطريق الإفريقي انخفضت بنسبة تقارب 80% خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن جزءاً كبيراً من هذا التراجع يرتبط مباشرة بالمنافسة على الغذاء بين الطيور والقطاع المحلي الذي يستخدم شباكاً ضخمة لصيد أسراب الأسماك الكبيرة.

وأكد الفريق البحثي أن الصيد المحلي يعتمد على طريقة تعرف بالشباك الدائرية، وهي طريقة تستخدم بها شباك كبيرة لتطويق أسراب السمك بصورة كاملة قبل سحبها، ما يحرم البطاريق، بشكل كبير، من موارد غذائية في المناطق الساحلية القريبة من مستعمراتها.

وذكرت الباحثة الرئيسية في الدراسة، جاكلين غلينكروس، من معهد المحيطات الاسكتلندي بجامعة سانت أندروز، أن الفريق كان يسعى إلى تطوير طريقة جديدة تسمح بتحديد عدد البطاريق التي تتأثر فعلياً بوجود سفن الصيد قرب مناطق بحثها عن الغذاء، وليس فقط رسم خريطة للتقاطع المكاني بينهما.

واستخدمت الدراسة بيانات تتبع دقيقة لطيور البطريق في جزيرتي روبن وداسن في جنوب إفريقيا، وكشفت عن زيادة حادة في التداخل خلال السنوات التي ينخفض فيها مخزون الأسماك. ففي عام 2016، وهو عام تميز بانخفاض كبير في كتلة الأسماك، تبين أن نحو 20% من البطاريق كانت تبحث عن الغذاء في المناطق نفسها التي تعمل فيها سفن الصيد النشطة.

وقارنت الدراسة هذه النتائج بسنوات أخرى شهدت وفرة أعلى في مخزون الأسماك، وأظهرت أن نسبة التداخل انخفضت حينها إلى نحو 4% فقط، ما يؤكد أن البطاريق لا تتجه إلى مناطق الصيد إلا عندما تضطرها ندرة الغذاء، فيتحول التعايش الصامت إلى منافسة قاسية.

حماية الحياة البحرية

وسلط الفريق البحثي الضوء على خطورة هذا التداخل خلال الفترات الحساسة من حياة البطريق، مثل مرحلة رعاية الصغار، حيث يكون على الأبوين قطع مسافات طويلة للحصول على الغذاء، والعودة سريعاً لإطعام الفراخ، وهو أمر يزداد صعوبة حين توجد السفن في المسار نفسه.

وأبرزت الدراسة أن القدرة على قياس شدة التداخل على مستوى جماعي تمنح الباحثين أداة علمية جديدة لتقييم المخاطر البيئية، وتحسين إدارة مصايد الأسماك على أساس بيئي يأخذ في الاعتبار علاقة المفترسات بفرائسها، وليس فقط احتياجات القطاع التجاري.

وشددت النتائج على أن هذا المقياس الجديد قد يساهم في وضع سياسات أكثر مرونة لحماية الحياة البحرية، مثل إنشاء مناطق بحرية محمية ديناميكية، تتغير حدودها بحسب حركة الأسماك والبطاريق وظروف البيئة البحرية في كل موسم.

وذكرت الدراسة أن البطريق الإفريقي كان محور قضية بيئية بارزة أمام القضاء في جنوب إفريقيا، بعدما طعن في غياب مناطق إغلاق للصيد تراعي الاحتياجات البيولوجية لهذا النوع قرب مستعمرات التكاثر.

وأوضحت التقارير التي تناولت القضية أن منظمات الحفاظ على البيئة وجهت انتقادات واسعة للجهات المسؤولة، معتبرة أن السماح بالصيد قرب مناطق التكاثر في أوقات حساسة يهدد فرص بقاء النوع على المدى البعيد. وانتهت القضية إلى اتفاق قضائي بين قطاع الحفظ البيئي وقطاع الصيد، يقضي بفرض إغلاقات جديدة للصيد في محيط مستعمرات البطريق، بحيث تكون تلك الإغلاقات أكثر استجابة للتغيرات البيئية، وأكثر اتساقاً مع المتطلبات البيولوجية للطيور.

واستجابت حكومة جنوب إفريقيا للاتفاق، وأعادت فرض مناطق حظر صيد أكثر اتساعاً حول جزيرة روبن، وهي إحدى المناطق التي اعتمد عليها الباحثون في تتبع حركة البطاريق ورصد تفاعلها مع سفن الصيد.

الخطر الأكبر

وتؤكد غلينكروس أن نتائج الدراسة تظهر بوضوح أن الإغلاقات السابقة كانت غير كافية، وأن المناطق غير المحمية التي سجلت معدلات عالية من "شدة التداخل" هي التي كانت تمثل الخطر الأكبر على البطاريق، وهو ما يجعل من الضروري إعادة النظر في السياسات القديمة.

وأظهرت البيانات أن البطاريق التي تضطر إلى مشاركة مناطق الغذاء مع سفن الصيد تميل إلى العودة إلى المستعمرة محملة بكمية أقل من الغذاء، ما يؤدي إلى بطء نمو الصغار، ويهدد بقاءها خلال الأسابيع الأولى من حياتها. 

وأكد الباحثون أن ما يشهده البطريق الإفريقي اليوم هو نتيجة تراكمات طويلة، بفعل تأثير تغير المناخ على توزيع الأسماك، والتوسع الكبير في نشاط الصيد، وتراجع جودة الموائل الساحلية، ما يجعل أي ضغط إضافي يمثل عامل خطر كبير.

وبينت الدراسة أن إعادة توزيع سفن الصيد أو جدولة نشاطها في بعض الفترات قد يساهم في تخفيف الضغط على البطاريق، وأن تبني سياسات تعتمد على البيانات لحظة بلحظة قد يمثل خطوة مهمة في الحفاظ على هذا النوع.

وأظهرت التحليلات كذلك أن المستعمرات الكبرى مثل جزيرة روبن تعتمد على مناطق غذاء ضيقة نسبياً في بعض المواسم، وأن أي تنافس في هذه المناطق الصغيرة قد تكون له نتائج مضاعفة على مئات الطيور دفعة واحدة.

علاقات المنافسة

وضعت الدراسة نموذجاً يمكن استخدامه لاحقاً في تقييم علاقات المنافسة بين مفترسات بحرية أخرى وسفن الصيد، مثل الفقمات والدلافين وبعض الطيور البحرية، ما قد يجعل المقياس الجديد أداة عالمية لا تقتصر على جنوب إفريقيا وحدها.

ونوه الفريق بأن الحفاظ على البطريق الإفريقي لا يقتصر على حماية نوع واحد، بل يمثل حماية لنظام بيئي كامل؛ لأن البطاريق تعد مؤشراً حساساً لحالة البيئة البحرية، وأي تغير في وفرتها يعكس خللاً أوسع في السلسلة الغذائية.

وشجعت النتائج على اعتماد إدارة تشاركية بين الباحثين والصيادين والهيئات الحكومية، تقوم على تبادل البيانات وإجراء تقييمات سريعة لحركة الأسماك، بما يسمح بتعديل مناطق الصيد عند الحاجة دون الإضرار بالقطاع أو ترك الطيور مهددة بالجوع.

تصنيفات

قصص قد تهمك