
توصلت دراسة حديثة إلى ما قالت إنه أدلة كيميائية جديدة تشير إلى وجود حياة على الأرض قبل أكثر من 3.3 مليار سنة، إلى جانب دلائل جزيئية توضح أن عملية التمثيل الضوئي التي تنتج الأكسجين ظهرت قبل نحو مليار عام مما كان يعتقد سابقاً.
وأوضحت الدراسة أن الصخور القديمة تحمل داخلها إشارات باهتة، تركتها الكائنات الأولى، وأن التكنولوجيا الحديثة أصبحت قادرة على التقاط تلك العلامات رغم اندثار الجزيئات الأصلية منذ زمن بعيد.
وأكدت الدراسة التي نشرتها دورية Proceedings of the National Academy of Sciences، أن الجمع بين الكيمياء المتقدمة، والذكاء الاصطناعي أتاح لأول مرة قراءة "همسات كيميائية" سجّلها النشاط البيولوجي المبكر داخل الصخور.
وأوضحت النتائج أن الأنظمة الحاسوبية أصبحت قادرة على التعرف على بصمات جزيئية شديدة الضعف، تشير إلى وجود حياة، حتى بعد تحلل مركباتها الحيوية منذ مئات الملايين، أو مليارات السنين.
طحالب عمرها مليار سنة
عثر الباحثون على عينات نادرة من أحافير طحالب بحرية محفوظة بشكل استثنائي، جرى جمعها من منطقة يوكون في كندا.
وتمثل هذه العينات طحالب يصل عمرها إلى نحو مليار سنة، وهي من أوائل الطحالب المعروفة في السجل الأحفوري، في حقبة كان معظم أشكال الحياة فيها لا يمكن رؤيتها إلا بالمجهر.
وعمل الباحثون على دراسة تطور الحياة المعقدة المبكرة، وتأثيرها على النظم البيئية القديمة، وهو ما يجعل مساهمتها محورية في توفير عينات تساعد على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التمييز بين الإشارات البيولوجية وغير البيولوجية.
وأوضحت الدراسة، أن هذا النهج الجديد لا يقتصر على توسيع فهم العلماء للحياة الأولى على الأرض فحسب، بل يمتد أيضاً إلى البحث عن الحياة خارج الكوكب.
وتؤكد النتائج أن الأسلوب نفسه يمكن استخدامه لتحليل عينات صخرية من المريخ، أو من أجرام سماوية أخرى؛ بهدف البحث عن دلائل تشير إلى أن الحياة ربما وجدت على الكوكب يوماً ما.
ألغاز تاريخ الحياة في الصخور
أكد الباحثون أن الصخور القديمة تحمل الكثير من الألغاز المتعلقة بتاريخ الحياة، لكنها كثيراً ما تعود إلى السطح بعد مرورها بعمليات دفن وسحق وتسخين ضمن الطبقات الجيولوجية المتغيرة عبر العصور، وهو ما يطمس غالبية الأدلة الحيوية الدقيقة، موضحين أن الجمع بين التحليل الكيميائي المتقدم والتعلم الآلي ساعد في إظهار دلائل كانت مخفية تماماً، ما يفتح نافذة جديدة على الحقبات المبكرة من تاريخ الأرض.
واستعرضت الدراسة كيفية تأثير العمليات الجيولوجية على البقايا الحيوية الأولى، إذ تشير إلى أن الخلايا القديمة وتجمعات البكتيريا الدقيقة تعرضت لعمليات دفن عميقة قبل أن ترفعها الحركات التكتونية مجدداً إلى السطح، وأن هذه العمليات أتلفت معظم البصمات الحيوية المباشرة، ما جعل العثور على إشارات واضحة للحياة أمراً بالغ الصعوبة على مدى عقود طويلة.
وقدمت الدراسة دليلاً على أن توزع الشظايا الجزيئية داخل الصخور القديمة لا يزال يحتفظ بخصائص يمكن الاستدلال منها على وجود حياة، رغم اختفاء الجزيئات الرئيسية منذ وقت بعيد.
وأشارت إلى أن هذه الشظايا تكشف أن الحياة تركت آثاراً أكثر مما كان يتوقعه العلماء، وأن تلك الآثار الكيميائية رغم ضعفها تحمل سمات يمكن قراءتها عبر الأدوات الحديثة.
واستخدم فريق البحث تقنيات تحليل كيميائي عالية الدقة لتفكيك المواد العضوية وغير العضوية في الصخور إلى أجزاء جزيئية صغيرة، ثم درب منظومة ذكاء اصطناعي على التعرف على الأنماط الكيميائية المميزة للأصل البيولوجي إذ فحص العلماء أكثر من 400 عينة شملت نباتات وحيوانات وأحفوريات قديمة يصل عمرها إلى مليار سنة، إلى جانب نيازك.
وأظهرت النتائج أن النموذج الحاسوبي تمكن من التمييز بين المواد الحيوية وغير الحيوية بدقة تجاوزت 90%.
تمثيل ضوئي داخل الصخور
أوضح الباحثون أن الذكاء الاصطناعي تمكن من اكتشاف دلائل على وجود تمثيل ضوئي في صخور يعود عمرها إلى 2.5 مليار سنة على الأقل، وهو ما يوسع الإطار الزمني الذي يستطيع العلماء تتبع نشاط الحياة داخله.
وأضافوا أن الأدلة الجزيئية المؤكدة للحياة لم تكن تُرى إلا في صخور لا يتجاوز عمرها 1.7 مليار سنة، ما يعني أن الطريقة الجديدة ضاعفت تقريباً الفترة الزمنية القابلة للدراسة من ناحية البصمات الكيميائية للحياة.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، روبرت هازن، الباحث في مؤسسة كارنيجي، إن الحياة القديمة لم تترك وراءها أحافير فقط، بل تركت أيضاً "همسات كيميائية" يمكن الآن تفسيرها بثقة أكبر باستخدام التعلم الآلي. ويؤكد أن هذه القدرة الجديدة تمثل تحولاً كبيراً في مجال البيوجيوكيمياء، لأنها تسمح بقراءة التاريخ البيولوجي للمواد التي ظلت غامضة لعقود.
وأوضح هازن أن هذا التطور العلمي له تأثير عميق على فهم كيفية تطور الحياة الأولى على الأرض، خصوصاً الكائنات القادرة على التمثيل الضوئي، والتي كان دورها محورياً في تحويل الغلاف الجوي القديم إلى بيئة غنية بالأكسجين.
ويرى أن التقنية الجديدة تمنح العلماء فرصة لقراءة السجل الأحفوري بطريقة مختلفة، وفهم التغيرات التي طرأت على النظم البيئية الأولى بدقة أكبر.
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، كاتي مالوني، إن الطريقة المقترحة ربما تكون مفيدة للغاية لبعثات الفضاء المستقبلية، خاصة التي تسعى لجمع عينات من المريخ.
وأوضحت أن القدرة على الكشف عن بصمات بيولوجية دقيقة للغاية، حتى في غياب الجزيئات الأصلية، ربما تساعد العلماء في تحديد ما إذا كانت الحياة قد وُجدت يوماً على كوكب آخر، خاصة في الفترات التي لا تسمح ظروفها الجيولوجية بالحفاظ على البصمات بشكل كامل.









