وسط تحذيرات من خسائر بيئية واقتصادية.. الاحترار يهدد بـ"ذوبان" الأنهار الجليدية

time reading iconدقائق القراءة - 7
يقع داخل نهر مورتيراتش الجليدي في سويسرا كهف جليدي ضخم في مؤشر على تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الألب - vaw.ethz.ch
يقع داخل نهر مورتيراتش الجليدي في سويسرا كهف جليدي ضخم في مؤشر على تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الألب - vaw.ethz.ch
القاهرة -محمد منصور

حذّرت دراسة علمية من أن جبال الألب تتجه نحو فقدان عدد قياسي من أنهارها الجليدية خلال العقد المقبل، في مسار متسارع يعكس عمق أزمة تغير المناخ، وقد يجعل اختفاء الجليد سمة دائمة للمنطقة بحلول نهاية القرن.

الدراسة، التي قادها باحثون من المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich)، ونشرتها دورية Nature Climate Change بعد مراجعة علمية محكمة، تُعد الأولى من نوعها التي لا تكتفي بقياس حجم أو كتلة الجليد المفقود، بل تحسب للمرة الأولى عدد الأنهار الجليدية التي ستختفي سنوياً حول العالم، وتحدد توقيت ذروة هذا الفقدان، والمدة الزمنية التي سيستغرقها اختفاء كل نهر جليدي على حدة.

وقدم الباحثون مفهوماً علمياً جديداً، أطلقوا عليه اسم "ذروة انقراض الأنهار الجليدية"، ويُقصد به اللحظة الزمنية التي يبلغ فيها عدد الأنهار الجليدية التي تختفي سنوياً أقصى مستوياته.

ذوبان الأنهار الجليدية

ووفق الدراسة، فإن هذه الذروة ستحدث في جبال الألب في وقت مبكر مقارنة ببقية مناطق العالم، وتحديداً خلال الفترة بين عامَي 2033 و2041، حيث ستشهد المنطقة اختفاء عدد من الأنهار الجليدية يفوق أي فترة زمنية أخرى في تاريخها الحديث.

أما على المستوى العالمي، فتتوقع ذروة الانقراض بعد ذلك بنحو عشر سنوات، مع معدلات فقدان سنوية قد تتراوح بين ألفي نهر جليدي في سيناريو الاحترار العالمي المحدود، وتصل إلى أربعة آلاف نهر جليدي سنوياً في حال استمرار الارتفاع الحاد في درجات الحرارة.

اعتمد الفريق البحثي على ثلاثة نماذج عالمية متقدمة للأنهار الجليدية، إضافة إلى عدة سيناريوهات مناخية، لتقدير مصير الجليد حتى عام 2100، وتظهر النتائج أن مصير الألب شديد الحساسية لأي زيادة في درجات الحرارة العالمية.

وفي حال نجاح العالم في حصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فلن يبقى في جبال الألب بحلول نهاية القرن سوى نحو 12% من الأنهار الجليدية الحالية، أي ما يقارب 430 نهراً جليدياً من أصل نحو 3 آلاف موجودة اليوم.

أما إذا ارتفعت الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، فإن نسبة البقاء ستنخفض إلى نحو 8% فقط، أي قرابة 270 نهراً جليدياً.

وفي سيناريو شديد التشاؤم، عند ارتفاع الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، فلن يبقى سوى 1% من أنهار الألب الجليدية، أي نحو 20 نهراً فقط، معظمها بقايا جليدية صغيرة ومعزولة.

الأنهار الجليدية

يُقدّر عدد الأنهار الجليدية في العالم بنحو 215 ألف نهر جليدي.

الأنهار الجليدية توجد في نحو 50 دولة حول العالم.

باكستان لديها أكبر عدد من الأنهار الجليدية خارج المناطق القطبية يُقدّر بـ7253 نهراً.

النرويج لديها أكثر من 3 آلاف نهر جليدي.

الأنهار الجليدية تتواجد في المناطق القطبية (مثل القطب الجنوبي والشمالي) والقمم الجبلية العالية حول العالم، وتحتوي مناطق مثل جبال الهيمالايا على عدد هائل منها.

"نهر سيلر" في القطب الجنوبي هو أكبر نهر جليدي من حيث المساحة، بينما "نهر خومبو" الجليدي في نيبال يُعد الأعلى.

الأنهار الجليدية تذوب بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً بفعل تغير المناخ، ما يهدد بإحداث تغيرات كبيرة في مستويات سطح البحر، ويؤثر على الموارد المائية للمجتمعات.

إذا ذابت جميع الأنهار الجليدية (باستثناء الصفائح الجليدية الكبرى في جرينلاند وأنتاركتيكا)، فسيرتفع مستوى سطح البحر العالمي بنحو نصف متر.

الأنهار الجليدية تخزن نحو 69% من المياه العذبة في العالم.

كما حذّرت الدراسة من أن أنهاراً جليدية معروفة، مثل نهر الرون الجليدي، قد تنكمش إلى أجزاء ضئيلة، أو تختفي تماماً، في حين قد يتفتت نهر أليتش الجليدي -الأكبر في جبال الألب- إلى عدة كتل جليدية صغيرة منفصلة.

جاء ذلك استكمالاً لاتجاه موثّق سابقاً، إذ أظهرت أبحاث سابقة أن أكثر من ألف نهر جليدي اختفى في سويسرا وحدها بين عامي 1973 و2016، وهو مسار لا يظهر أي مؤشرات على التباطؤ.

وأشارت النتائج إلى أن المناطق التي تضم عدداً كبيراً من الأنهار الجليدية الصغيرة، خاصة تلك الواقعة على ارتفاعات منخفضة، أو قرب خط الاستواء، ستكون الأكثر تضرراً.

وتشمل هذه المناطق، إلى جانب الألب، جبال القوقاز، وسلسلة الروكي، وأجزاء من الأنديز، وبعض السلاسل الجبلية في إفريقيا.

وبحسب المؤلف الرئيسي للدراسة، لاندر فان تريخت، فإن أكثر من نصف الأنهار الجليدية في هذه المناطق قد تختفي خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، وهو ما يجعل العقد القادم حاسماً في تاريخ الجليد العالمي.

صورة عالمية للانهيار الجليدي

ولا تقتصر الخسائر على أوروبا وحدها؛ فالدراسة تشير إلى أن عدد الأنهار الجليدية المتبقية عالمياً، بحلول عام 2100، سيتراجع بشكل حاد تبعاً لمسار الاحترار، فعند 1.5 درجة مئوية سيبقى نحو 100 ألف نهر جليدي حول العالم، أما عند 4 درجات مئوية، فلن يتبقى سوى نحو 18 ألف نهر جليدي فقط.

وفي جبال الروكي، قد ينجو ربع الأنهار الجليدية تقريباً في السيناريو المتفائل، بينما يختفي 99% منها تقريباً في السيناريو الأسوأ، أما في الأنديز وآسيا الوسطى، فقد ينجو أقل من نصف الأنهار الجليدية عند 1.5 درجة، مقابل فقدان يتجاوز 90% عند 4 درجات مئوية.

وأكدت الدراسة أنه لم تعد هناك أي منطقة في العالم يتوقع أن يستقر فيها عدد الأنهار الجليدية أو يزداد، حتى في مناطق مثل كاراكورام بآسيا الوسطى، التي شهدت نمواً مؤقتاً لبعض الأنهار الجليدية في مطلع الألفية.

وأبرزت الدراسة رسالة واضحة لصناع القرار، فكل جزء من الدرجة المئوية له أثر مضاعف، فعند ارتفاع الحرارة إلى 4 درجات مئوية، يختفي في ذروة الانقراض ضعف عدد الأنهار الجليدية التي تختفي عند سيناريو 1.5 درجة.

ماذا يعني تراجع الأنهار الجليدية للسياسة والثقافة والاقتصاد؟

وأكد المؤلف المشارك في الدراسة، دانيال فارينوتي، أستاذ علم الجليد في المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، أن النتائج تسلط الضوء على الحاجة الملحّة لسياسات مناخية أكثر طموحاً، محذراً من أن تراجع معدلات الاختفاء بعد بلوغ الذروة لا يعني تحسن الوضع، بل يعكس ببساطة أن معظم الأنهار الجليدية الصغيرة ستكون قد اختفت بالفعل.

ولا تقتصر تداعيات اختفاء الأنهار الجليدية على ارتفاع مستوى البحار، أو الموارد المائية، بل تمتد إلى الاقتصاد والثقافة والهوية المحلية؛ فاختفاء نهر جليدي صغير قد لا يحدث فرقاً يُذكر في مستوى البحار، لكنه قد يدمر السياحة في وادٍ كامل، ويغير نمط الحياة، والذاكرة الثقافية لسكان المنطقة.

في موازاة العمل العلمي، يشارك باحثو ETH Zurich في مبادرات ثقافية مثل "القائمة العالمية لضحايا الأنهار الجليدية" التي تهدف إلى توثيق أسماء، وقصص الأنهار الجليدية التي اختفت، حفاظاً على ذاكرتها في الوعي الإنساني.

تصنيفات

قصص قد تهمك