عالِمُ الفلك الواحد ينتج 1.2 طن ثاني أكسيد الكربون سنوياً

time reading iconدقائق القراءة - 6
عضو فريق هندسي بمعهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور تراقب مهمة تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا، ماريلاند بالولايات المتحدة الأميركية - 8 يناير 2022 - AFP
عضو فريق هندسي بمعهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور تراقب مهمة تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا، ماريلاند بالولايات المتحدة الأميركية - 8 يناير 2022 - AFP
باريس - أ ف ب

توصلت دراسة علمية إلى أن عالِم الفلك الواحد ينتج نحو 1.2 مليون طن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون نتيجة مهمات استكشاف الكون ومراقبة النجوم والكواكب.

وتشدد الدراسة على أن على علماء الفلك العمل على الحد من هذه الانبعاثات من المنشآت التي يستخدمونها في بحوثهم، وبينما أقر علماء برجاحة نتائج الدراسة، انتقدها علماء فلك آخرون، متهمين منهجها بالعشوائية.

ويسعى باحثون للمرة الأولى إلى احتساب كمية غازات الدفيئة المنبعثة من أدوات عمل 30 ألف عالِم فلك، ومنها تلسكوبات راديوية أرضية ومسابر فضائية وروبوتات متجولة ترسل إلى الفضاء.

وتشير نتائج أوّلية للدراسة نُشرت الاثنين في مجلة "نيتشر أسترونومي"، إلى أن النشاط الإجمالي لهذه الأدوات أنتج منذ بدء تشغيلها ما لا يقل عن 20.3 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل رصيد الكربون المسجّل سنوياً في إستونيا أو كرواتيا.

وتؤكد الدراسة أن كمية إنتاج العالِم الواحد من ثاني أكسيد الكربون هي تقريباً "أعلى بـ5 مرات" من تلك المنبعثة جراء رحلات علماء الفلك الجوية التي يجرونها لأسباب تتعلق بعملهم.

ويقول مدير المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية ومعدّ الدراسة الرئيسي، يورجن كنودلسيدير، لوكالة "فرانس برس"، إن "أوساط علماء الفلك تناقش حالياً الحد من انبعاثات الكربون المرتبطة بوسائل النقل ونشاط الحواسيب الفائقة"، مضيفاً أن "الأمر جيد لكنهم لا يرون السبب الرئيسي الكامن وراء المشكلة والمتمثل بالأدوات" التي يستخدمونها في عملهم.

ولتقييم حجم هذا المسبب أجرى الباحث عمليات تدقيق في 50 مهمة فضائية و40 منشأة للمراقبة موجودة على الأرض، من بينها تلسكوب هابل ومرصد بلانك الفضائي وبعثات الاستكشاف إنسايت (المريخ)، ومسبار روزيتا (المذنب "تشوري") وتلسكوب VLT الكبير جداً في تشيلي.

"أبراج عاجية"

وتتمثل الطريقة المثالية في التعاطي مع الأدوات بالأخذ في الاعتبار المواد المُستخدمة في بنائها وتكاليف تشغيلها وكميات الكهرباء التي تستهلكها.

لكن هذه المعطيات لم تكن غالباً متوافرة، والسبب في ذلك يعود أحياناً إلى غياب الشفافية من جانب وكالات الفضاء، على ما يوضح كنودلسيدير الذي يعمل في معهد الأبحاث المتخصص في الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب في تولوز الفرنسية.

ولملء هذه الثغرات، لجأ فريقه إلى نهج تطلق عليه تسمية "النسب المالية" وضعته وكالة التحول البيئي (Ademe) وجمعية رصيد الكربون (ABC)، ويرتكز على فكرة مفادها أن كميات الكربون المنبعثة جراء نشاط معين تناسبية مع تكلفته وحجمه.

وبالتالي تشير حسابات الفريق إلى أن تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار وتلسكوب "سكوير كيلوميتر أراي" الراديوي المستقبلي في جنوب إفريقيا وأستراليا سيتسببان و حدهما بانبعاث ما يعادل 300 ألف طن على الأقل من ثاني أكسيد الكربون.

ويرى يورجن كنودلسيدير ضرورة "التفكير في الحد من الغازات الدفيئة المنبعثة" من أدوات العلماء. وتؤكد أني هيوز، وهي إحدى معدي الدراسة وتعمل في معهد "ماكس بلانك"، في مؤتمر صحافي أن "على الجميع القيام بدوره، بمن فيهم علماء الفلك الذين ليسوا في أبراجهم العاجية".

"حسابات عشوائية"

ويقول زميلها عالم الفلك لويدجي تيبالدو: "أعلم أن الأمر قد يمثل صدمةً، لكن علينا كبح كميات الكربون إن أردنا خفض الانبعاثات بنسبة 50% بحلول عام 2030".

ويرى رئيس الجمعية الفرنسية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية إريك لاجاديك الذي لم يشارك في الدراسة، أن "علم الفلك ككل نشاط، يؤدي إلى انبعاثات كميات كربون غير قليلة، و يتمثل بالتالي التحدي الذي نواجهه في إبطاء عملية إنشاء البنى التحتية في ظل مواصلة سعينا للوصول إلى الحل المثالي".

وكتب أندرو روس ويلسن في مقال علق فيه على نتائج الدراسة، أن المنهج المطروح هو محل نقاش كبير، إذ إن تقدير كميات الكربون عبر اعتماد نهج "النسب المالية" يولد هامشاً كبيراً من الشك (يصل إلى 80%)، ما قد "يؤثر على صدقية النتائج".

أما عالمة الفيزياء الفلكية فرنسواز كومب من مرصد "باريس- بي إس إل"، فتقول إن "لجوء الباحثين إلى حسابات عشوائية ينمّ عن فشل في الحصول على تفاصيل الكميات التي تستهلكها أي منشأة".

وتعترض العالمة كذلك على تقسيم التكلفة الإجمالية على عدد علماء الفلك، وتشدد على أن "المرصد يُبنى لأهداف علمية، ويقدم فائدة لملايين الأشخاص، وبالتالي فإن تقسيم التكلفة على العلماء يشبه تقسيم تكلفة حفل أوبرا على مَن يحضر فقط".

ويؤكد إريك لاجاديك أن "الطريقة المطروحة قابلة للنقاش، لكن منهجها يمثل الخطوة الأولى التي يعود إليها في الدفع إلى التفكير" في كيفية معالجة هذه المسألة.