شاربلس.. الصيّاد الذي ابتكر "كيمياء النقر" 

time reading iconدقائق القراءة - 6
شاربلس في طفولته - facebook
شاربلس في طفولته - facebook
القاهرة-محمد منصور

على حافّة نهر صغير يبلغ طوله نحو 42 كيلومترًاً، بدأت حياة كارل باري شاربلس الحائز على جائزة نوبل الكيمياء هذا العام للمرّة الثانية، بعد أن فاز بالجائزة ذاتها في عام 2001. 

كانت حياة شاربلس بسيطة للغاية. فقد وُلد في ولاية بنسلفانيا الأميركية في عام 1941، لكن قلبه بقي معلّقاً بكوخٍ تملكه العائلة على نهر "ماناسكوان" الصغير.

الكيميائي الصيّاد

في ذلك الكوخ، تعلّم شاربلس صيد الأسماك من الجداول. كان رأسه ممتلئاً -كما يقول- بالقوارب والصيد. لا يفكّر أثناء دراسته سوى بالوقت الذي سينتهي فيه العام الدراسي ليذهب إلى الصيد. في أسفل غلاف أحد الكتب، كان يحتفظ بورقةٍ كتب عليها: "أنا ذاهب إلى الشاطىء". 

كان لديه شغف كبير بالصيد، ورغم أنه كان يستمتع بالذهاب إلى المدرسة، إلّا أنه لم يُخطّط إطلاقاً أن يُصبح عالٍماً.

يقول شاربلس عن نفسه إن ما قاده في الحياة كان في الواقع "الشغف لا التخطيط، فقد كان الشغف هو المحرّك الذي يقود كل أفكاري وأفعالي". 

اختار له والداه مدرسة "فريندز" المركزية، وهي إحدى المدارس ذات المستوى الممتاز في المقاطعة التي يعيش فيها. 

في تلك المدرسة قابل -لحسن حظّه- مُدرّس العلوم "كلايتون فارداي". أخبره ذلك المُدرّس أن عليه أن يُكمل تعليمه في مجال العِلم. فالصيد في ذلك المجال أكثر وفرة للمجتهدين. 

بعد أن انتهى من دراسته الثانوية، غادر بلدته إلى كلّية "دارتموث" في خريف العام 1959.  

وعلى الرغم من أن دورات الأدب كانت المفضلة لديه، فقد اختار الالتحاق بكلّية الطب، لأن والديه كانا يأملان دائماً بأن يُصبح طبيباً مثل والده.  

في سنته الأولى في كلّية "دارتموث"، درس الكيمياء والأحياء، وبين الإثنين "كنت أميل إلى الكيمياء" كما يقول. 

ومع ذلك، لم يكن مهتمّاً حقاً بالكيمياء، حتى حصل على فصلين دراسيين من مادّة الكيمياء العضوية في سنته الثانية، وذلك من أستاذ كيمياء شاب اختاره لإجراء بحث في مختبره.  

وعندما تخرّج من "دارتموث" بعد بضع سنوات في عام 1963، دعاه الأستاذ ذاته للسير في خطوة تالية.. دكتوراه في الكيمياء العضوية بدلاً من كلّية الطب. 

النبوءة تتحقّق

الحقيقة أنها لم تكن مُجرّد دعوة، بل كانت إجباراً. فقد وجد أستاذه أن مواهبه في الكيمياء وفهمه العميق لها، ستجعله أحد أبرز علمائها في المستقبل.. ويبدو أن النبوءة تحقّقت! 

يقول شاربلس: "لا شك في أن مثل هذا التدخّل القوي في حياة الطالب أمر غير معتاد، لكن الأحداث المتسارعة كانت غير عادية أيضاً".

حين وصل شاربلس إلى كلّية "دارتموث" في عام 1959، كان لديها برنامجاً في قسم الكيمياء للخرّيجين، ما يعني وجود مدرّسين عظماء يتمتّعون بالكفاءة ذاتها في البحث.

كان البرنامج صغيراً ويمنح درجة الماجستير فقط، وبالتالي كان الأساتذة متعطّشين دائماً للمزيد من القوى العاملة لمختبراتهم، والمزيد من "الأيدي الكيميائية الماهرة".  

لذا؛ تمّ توظيف الطلاب الجامعيين الذين تميّزوا بأدائهم الجيد في الدورات المعملية، لإجراء بحث "حقيقي" على مستوى الدراسات العليا. 

في ذلك الحين، وصل توماس سبنسر أستاذ الكيمياء المساعد الجديد. كان شاربلس جزءاً من مجموعته البحثية لمدّة ثلاث سنوات. ولأن توم كان ذكياً جداً وكيميائياً جيداً، فقد تمكّن من التعرّف ليس فقط على موهبة شاربلس، ولكن أيضاً على قدرته على القيام بشيءٍ مهمّ.

 ولأن توم ولد أيضاً مدرّساً عظيماً، فقد اضطرّ إلى تسديد "ركلات سريعة" لشاربلس، الذي كان يتكاسل في بعض الأحيان.  

واصل شاربلس صيد الأسماك شغفه الدائم، متّخذاً شكل العمل طوال الصيف على متن قوارب مستأجرة، كان ذلك يعني أنه بحاجة إلى شخصٍ حكيم لاتّخاذ قرارات جيدة من أجله.

يقول: "لم يكن كل ذلك الإنجاز ليحدث لولا أستاذي توماس سبنسر الذي قام من أجلي باتخاذ كلّ القرارات الجيدة". 

التقى شاربلس بزوجته المستقبلية، يان دوسير، في حفلةٍ شاطئية في سان جريجوريو بالقرب من سفوح التلال التي تقع بجانبها جامعة ستانفورد.

 كان طالباً في الدراسات العليا في السنة الأولى، وكانت طالبة في جامعة ستانفورد. "تزوّجنا بعد حوالي عام ونصف، في 28 أبريل 1965، في عيد ميلادي الرابع والعشرين". وقبل أن ينجبا أطفالًا، تدرّب شاربلس وزوجته على تربية الكلاب.

المحيط في داخله

يقول شاربلس إنه لم يذهب للصيد منذ 30 عاماً، "إلّا أن المحيط لا يزال مبرمجاً في داخلي مثل تيّار ولادة سمك السلمون". 

انتقل شاربلس إلى معهد "سكريبس" للأبحاث في عام 1990 بدافع مشاهدة المحيط الهادئ كلّ يوم. وعندما كانت تصل درجة الحرارة إلى 70 درجة هناك، كان يقوم بالسباحة يومياً. 

كان شاربلس يعشق رياضة ركوب الأمواج ويمتلك مركباً صغيراً يُبحر فيه أسبوعياً. يقول شاربلس إن "آفاق المحيط الخالية من الإبحار في سان دييغو حالياً تبدو غريبة للغاية بالنسبة لي". 

يمتلك شاربلس ثلاثة أشياء فريدة، يُقدّر كلّ واحدة منها. فهو يحتفل سنوياً بذكرى تلقّيه الدكتوراه الفخرية من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم. يومها، أهداه المعهد القبّعة الوحيدة التي يرتديها كثيراً وتحمل ختم المعهد.

 كما يمتلك خاتم الزواج أيضاً، وهو خاتم ذهبي ثقيل مُحاط بإكليل من الأوراق والجوز. ويمتلك غلاف قذيفة مدفعٍ نحاسي كبير، تمّ إطلاقه أثناء تحيّة المدفع التي صاحبت منحه الدرجة العلمية. تقبع تلك القذيفة على مكتبه في المنزل. 

اقرأ أيضاً:

 

 

 

 

 

 

تصنيفات