انطلق التلسكوب الفضائي الأوروبي "إقليدس" (Euclid)، السبت، من قاعدة "كاب كانافيرال" في ولاية فلوريدا الأميركية، في مهمة ترمي لكشف أحد أهم الألغاز في علم الفلك، والمتمثل في مادتين مظلمتين غامضتين تشكلان 95% من الكون، لكن لا تتوافر أي معطيات تقريباً عن طبيعتهما الدقيقة.
وانطلق القمر الاصطناعي عند الساعة 11:12 بالتوقيت المحلي (15:12 بتوقيت جرينتش) على متن صاروخ "فالكون 9" المصنوع من شركة "سبيس إكس" الأميركية.
واضطرت وكالة الفضاء الأوروبية إلى اللجوء لشركة الملياردير إيلون ماسك لإطلاق المهمة، بعد أن سحبت روسيا صواريخها من طراز "سويوز"، رداً على العقوبات الغربية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
وبعد رحلة تستمر شهراً عبر الفضاء، سينضم "إقليدس" الذي يبلغ وزنه طنين، وصممته شركة "تاليس ألينيا سبايس"، إلى التلسكوب الفضائي "جيمس ويب" في نقطة مستقرة على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض تسمى نقطة "لاجرانج الثانية".
و"لاجرانج الثانية" (L2)، هي نقاط مميزة في ميكانيكا الأجرام السماوية، حيث ينعدم عندها تأثير جاذبية جرمين سماوين كبيرين على جسم ثالث في العادة أصغر حجماً، مما يجعل حركته تتبع حركة الجسمين الكبيرين.
والمادة المظلمة والطاقة المظلمة ذات طبيعة غير معروفة، ولكن يبدو أنهما تتحكمان في الكون الذي يتكون بنسبة 5% فقط من مادة مرئية "عادية". هذا النقص في المعرفة يصفه جوزيبي راكا، رئيس مهمة "إقليدس"، بأنه مصدر "إحراج كوني".
البعد الثالث.. الوقت
من هناك، سيرسم "إقليدس"، الذي سُمّي على اسم مخترع الهندسة، خريطة ثلاثية الأبعاد للكون، تشمل ملياري مجرة، على جزء يغطي ثلث القبة السماوية.
وهذه "أول مهمة فضائية لدراسة خصائص الطاقة المظلمة"، وفق ما أكد قبل الانطلاق مايكل سيفرت، المدير العلمي للمشروع في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" التي تشارك في مهمة وكالة الفضاء الأوروبية.
وسيكون البُعد الثالث للخريطة هو الوقت، فعبر التقاط الضوء الذي استغرق بلوغه إلينا من المجرات ما يصل إلى 10 مليارات سنة، سيتعمق "إقليدس" في الماضي السحيق للكون، البالغ من العمر 13.8 مليار سنة.
"محقق الظلمة"
ويكمن الهدف في إعادة بناء تاريخ الكون من خلال تجزئته إلى "أجزاء زمنية"، على ما أوضح عالم الفيزياء الفلكية يانيك ميلييه، رئيس اتحاد "إقليدس" الذي يضم حوالى 2600 باحث من 16 دولة، خلال مؤتمر صحافي.
وقالت عضو اتحاد "إقليدس" جوادالوبي كاناس خلال مؤتمر صحافي قبل الإطلاق، إن التلسكوب الفضائي هو بمثابة "محقق الظلمة"، ومن شأنه كشف مزيد من المعلومات عن كلا العنصرين.
ومن دون هذه المعلومات، لا يمكن للعلماء شرح كيفية عمل الكون. ويعود تاريخ اللغز إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما افترض عالم الفلك السويسري فريتز زويكي، خلال مراقبة عنقود مجرات "كوما"، أنّ جزءاً كبيراً من كتلته كان غير مرئي.
وبعد ما يقرب من 100 عام، أصبح وجود هذه المادة المفقودة التي توصف بالسوداء لأنها لا تمتص الضوء ولا تعكسه، موضع إجماع.
ويأمل القائمون على المهمة في أن يساعد ذلك في الكشف عن الآثار التي خلفتها المادة المظلمة والطاقة المظلمة أثناء تكوين المجرات.
"تشوهات الكون"
ويحوي المسبار "إقليدس" البالغ طوله 4.7 متر، وعرضه 3.5 متر، أداتين على متنه، جهاز تصوير للضوء المرئي "VIS"، ومصور طيفي قريب من الأشعة تحت الحمراء "NISP".
لكن كيف يمكن ملاحظة ما هو غير مرئي؟.
يحصل ذلك عبر قياس غيابه، من خلال تأثيرٍ التوائي يُسمّى عدسات الجاذبية: فالضوء من جسم بعيد، مثل المجرة، ينحرف بشكل غير محسوس من طريق المادة المرئية والمادة المظلمة، التي يصادفها في طريقه وصولاً إلى نقطة الرصد.
ويلفت عضو اتحاد "إقليدس" ديفيد إلباز، إلى أنه "بمشاهدة مسار التشوهات هذا في تاريخ الكون، سنفهم كيف تتصرف الطاقة المظلمة".
وبحسب يانيك ميلييه، فإن رسم الخرائط غير المسبوق هذا سيشكل "منجم ذهب للفيزياء الفلكية"، إذ يسمح بدرس شكل المجرات، وولادة التجمعات، والثقوب السوداء".
ومن المتوقع أن يرسل التلسكوب صوره الأولى بمجرد بدء العمليات العلمية في أكتوبر، مع التخطيط للكشف عن بيانات رئيسية عن المهمة خلال الأعوام 2025، و2027، و2030.
ويُتوقع أن تستمر هذه المهمة الأوروبية البالغة تكلفتها 1.5 مليار يورو حتى عام 2029، لكنها قد تطول أكثر إذا سارت الأمور على ما يرام.
اقرأ أيضاً: