ما قصة مياه "فوكوشيما" الملوثة؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
المفاعل النووي رقم (1) بمحطة فوكوشيما النووية اليابانية المعطلة وفي الخلفية خزانات المياه الملوثة التي ينتظر تصريفها في المحيط الصيف الجاري. 31 مايو 2023 - AFP
المفاعل النووي رقم (1) بمحطة فوكوشيما النووية اليابانية المعطلة وفي الخلفية خزانات المياه الملوثة التي ينتظر تصريفها في المحيط الصيف الجاري. 31 مايو 2023 - AFP
القاهرة-محمد منصور

في 11 مارس 2011 تسبب زلزال بقوة 9 ريختر في توليد موجات مد عملاقة، وصلت لارتفاع 40 متراً وغمرت المناطق الساحلية اليابانية، بما في ذلك محطة "فوكوشيما دايتشي" للطاقة النووية. 
 
وألحقت موجات المد العملاقة (تسونامي) أضراراً بالغة بالمحطة، إذ أدت لتعطيل أنظمة التبريد الخاصة بها، ما أسهم في ارتفاع درجة حرارة قضبان الوقود النووية، وانصهارها في 3 مفاعلات من أصل 6 تتكون منهم المحطة. 

تم إخلاء المناطق المحيطة بالمفاعل كاستجابة للكارثة التي بدأت الجهود لمحاولة تحجيمها، وتم استخدام كميات كبيرة من الماء لتبريد المفاعلات لمنع "ارتفاع درجة الحرارة وزيادة إطلاق المواد المشعة". 
 
ولتبريد المفاعلات يتم تدوير الماء من خلال قلب المفاعل التالف، والمناطق الأخرى من المنشأة النووية حيث يتم توليد الحرارة.

ويمتص هذا الماء الحرارة ويحملها بعيداً، ما يمنع الوقود من الوصول إلى درجات حرارة قد تؤدي إلى "إطلاق المزيد من المواد المشعة أو زيادة عمليات الانصهار". 
 
وتم استخدام مياه من مصادر مختلفة، بما في ذلك المياه العذبة ومياه البحر، للتبريد، وتلوثت هذه المياه بالنظائر المشعة، وخاصة السيزيوم والسترونشيوم، حيث لامست الوقود وهياكل المفاعلات التالفة. 
 
لمعالجة هذه المشكلة، نفذت السلطات اليابانية عملية معالجة للمياه لتقليل مستويات الملوثات المشعة فيها.



معالجة السوائل

واستخدمت اليابان نظام معالجة السوائل المتقدم لإزالة الملوثات المشعة من مياه الصرف الناتجة في الموقع. وتم تطوير ذلك النظام خصيصاً كجزء من الجهود المبذولة للتخفيف من آثار كارثة "فوكوشيما" النووية. 
 
وصمم النظام لإزالة مجموعة واسعة من النظائر المشعة الموجودة في مياه التبريد، بما في ذلك السيزيوم والسترونشيوم والكوبالت واليود. وهو قادر على حد ما تقول السلطات اليابانية، على معالجة كل من المياه العذبة ومياه البحر المستخدمة في تبريد المفاعلات التالفة. 
 
وتنفذ عملية معالجة المياه أولاً لإزالة المواد الصلبة العالقة والحطام الكبير من خلال عمليات مثل الترشيح والترسيب.



ثم تبدأ عمليات إزالة السيزيوم المشع من المياه خلال مجموعة من عمليات التبادل الأيوني والامتزاز،  ويتم استخدام راتينج التبادل الأيوني لالتقاط أيونات السيزيوم بشكل انتقائي من الماء، بينما يمكن استخدام مواد ماصة أخرى لتعزيز كفاءة الإزالة. 
 
بعد ذلك تبدأ عمليات إزالة النظائر المشعة الأخرى إلى جانب السيزيوم. يتم استخدام خطوات معالجة إضافية مختلفة، مثل الترشيح وامتصاص الكربون النشط والترسيب الكيميائي الانتقائي، لإزالة النظائر مثل السترونتيوم والكوبالت واليود. 

إزالة الجسيمات  

وتخضع مياه التبريد لعمليات ترشيح إضافية لإزالة الجسيمات الدقيقة والغرويات والشوائب التي قد تظل موجودة بعد خطوات المعالجة السابقة. 
 
ومنذ وقوع الحادث، تم تخزين أكثر من 1.3 مليون طن من المياه المُعالجة في صهاريج ضخمة داخل المحطة، وقالت الحكومة اليابانية إن مساحة التخزين على وشك النفاد، دون خيار سوى البدء في صرف المياه المُعالجة في المحيط الهادئ. 

وتتضمن خطة صرف تلك المياه إطلاقها بشكل تدريجي خلال العقود الثلاثة المقبلة، على الرغم من أن بعض الخبراء يرون أن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول، نظراً للكمية التي لا يزال يتم إنتاجها، فيما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها "ستراقب عن كثب عمليات صرف المياه".   

مصدر الخوف

على الرغم من إجراء معالجات كثيفة، يتخوف البعض من "التريتيوم"وهو نظير مشع للهيدروجين. كتلته تبلغ 3 أضعاف كتلة ذرة الهيدروجين العادية، ومن هنا جاء اسم "التريتيوم".  
 
وهو شكل مشع من الهيدروجين يوجد في الماء، ويصعب فصله عن جزيئات الماء العادية بسبب تشابهه في الخواص الكيميائية.  
 
وينتج التريتيوم بشكل طبيعي "بكميات صغيرة في الغلاف الجوي للأرض من خلال تفاعل الأشعة الكونية مع الهواء". كما يتم إنتاجه بشكل مصطنع كمنتج ثانوي للمفاعلات النووية، وبعض عمليات إنتاج الأسلحة. 



ويُمكن أن يصدر التريتيوم جسيمات بيتا، وهي "إلكترونات عالية الطاقة تخترق الأنسجة البشرية وتُسبب حدوث الأورام السرطانية في بعض الأحيان". 
 
ويتواجد التريتيوم في البيئة بشكل طبيعي، بل يوجد أيضاً في مياه الصنبور بنسبة 1 بيكريل (وحدة لقياس النشاط الإشعاعي) لكل لتر. وتقول الوكالة الذرية للطاقة النووية إن التريتيوم لا يُمكن أن يُشكل خطراً إلا في حال استنشاقه وابتلاعه بكميات كبيرة. 
 
وبالرغم من أن نطاق جسيمات بيتا الصادرة من التريتيوم محدود ببضع ملليمترات، إلا أن الخطر الرئيسي المرتبط به يكمن في إمكانية استنشاقه أو ابتلاعه أو امتصاصه عبر الجلد.



وبمجرد دخوله الجسم يبقى مشعاً لفترة طويلة نظراً لعمره النصفي الطويل الذي يبلغ حوالي 12.3 عاماً. ويمكن لجزيئات بيتا المنبعثة من التريتيوم أن تؤين الذرات، وتتسبب في تلف الخلايا والحمض النووي، ما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان أو الآثار الصحية الأخرى.

ماذا تقول وكالة الطاقة النووية؟

 في أبريل 2021، طلبت اليابان من الوكالة الدولية للطاقة النووية تقديم المساعدة التقنية من أجل رصد الأنشطة المتعلقة بتصريف المياه المعالجة باستخدام النظام المتقدم لمعالجة السوائل. 
 
وشكلت الوكالة لجنة مكونة من 11 خبيراً دولياً من دول روسيا والأرجنتين وأستراليا وكوريا الجنوبية وفرنسا وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة وجزر مارشال وفيتنام. وقتها، قالت وكالة إن تقديم الدعم لليابان في إطار ذلك المشروع سيستمر لعدة سنوات. 
 
وبعد عامين، قدم فريق الخبراء تقرير ضخم استعرض بشكل تقني الخصائص الإشعاعية للمياه المعتزم تصريفها بعد معالجتها باستخدام النظام المتقدم لمعالجة السوائل والجوانب المتصلة بالأمان في عملية تصريف المياه، بما في ذلك المعدات التي ستُستخدم والمعيار الذي سيُطبَّق ويُلتزم به. 
 
كما قيم التقرير الأثر البيئي الإشعاعي فيما يتعلق بضمان حماية الناس والبيئة. وأكد على وجود فريق لمتابعة الرصد البيئي المرتبط بالتصريف. 
 
وبالإضافة إلى ذلك، تقول الوكالة إنها ستضطلع بالرصد المستقل للمصادر والبيئة، لتأكيد البيانات التي تنشرها حكومة اليابان.  
 
وتقول الوكالة إن معظم محطات القوى النووية حول العالم تصرِّف المياه المعالَجة المحتوية على التريتيوم بتركيزات منخفضة على نحو روتيني ومأمون إلى البيئة في سياق عملياتها التشغيلية العادية.  
 
كما تؤكد أن عمليات تصريف المياه من محطات القوى النووية هي عمليات مأذون بها، وتخضع للرصد عن كثب من جانب الجهات المشغلة والهيئات الرقابية لضمان الأمان.  











وفي الأسبوع الماضي، وافقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة على خطط اليابان لإطلاق المياه المخزنة في صهاريج محطة فوكوشيما دايتشي في المحيط. 
 
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل جروسي" إن التقرير الذي كتبه الخبراء يؤكدأن تصريف المياه سيكون له "تأثير إشعاعي ضئيل على الناس والبيئة". 

من يعترض؟ 

في 15 مايو الماضي، تحدى زعيم المعارضة في كوريا الجنوبية "لي جاي ميونغ" المسؤولين اليابانيين للوفاء بتأكيدات سلامة المياه عن طريق شرب المياه المشعة المعالجة، والتي من المقرر إطلاقها من محطة فوكوشيما للطاقة النووية المعطلة في المحيط. 
 
كما اعترضت مجتمعات الصيد اليابانية المحلية على الخطة، قائلة إنها ستدمر أكثر من عقد من العمل لإعادة بناء صناعتهم، مع احتمال أن يتجنب المتسوقون صيدهم ويدفعون الأسعار للانخفاض. 
 
وقالت الصين، من خلال سفارتها في اليابان، إن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا ينبغي تفسيره على أنه "تصريح" لتصريف المياه.



وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن بكين حثت اليابان على "التعامل بجدية مع المخاوف الدولية والمحلية، والتوقف عن المضي قسراً في خطتها لتصريف المياه" و "إخضاع نفسها لرقابة دولية صارمة". 

اقرأ أيضاً:


 

تصنيفات