صواريخ وقود الميثان.. تفوق صيني جديد على واشنطن في سباق الفضاء

time reading iconدقائق القراءة - 12
صاروخ Zhuque-2 التابع لشركة LandSpace الصينية والذي يعمل بوقود أكسجين سائل الميثان خلال إطلاقه من ميناء "جيوتشيوان" الفضائي في صحراء جوبي شمال غرب الصين. 12 يوليو 2023  - REUTERS
صاروخ Zhuque-2 التابع لشركة LandSpace الصينية والذي يعمل بوقود أكسجين سائل الميثان خلال إطلاقه من ميناء "جيوتشيوان" الفضائي في صحراء جوبي شمال غرب الصين. 12 يوليو 2023 - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

تمكَّنت الصين من تحقيق انتصار كبير على الولايات المتحدة في السباق نحو الفضاء، مع نجاح شركة LandSpace في إطلاق صاروخ يعمل بمزيج من الميثان والأكسجين إلى المدار، محققة بذلك ما فشلت فيه نظيراتها الأميركية، وعلى رأسها شركة SpaceX المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك.

وأعلنت LandSpace، الأربعاء، إطلاق صاروخها Zhuque-2 من ميناء "جيوتشيوان" الفضائي في صحراء جوبي شمال غرب الصين، لتكون بذلك أول شركة تنجح في هذا النوع من الإطلاق.

وكشفت الشركة في بيان، أن الصاروخ وصل إلى مدار على ارتفاع متوسط يبلغ نحو 450 كيلومتراً، لافتة إلى أن الصاروخ الذي يبلغ طوله 49.5 متر، رفع حمولة تبلغ حوالي 1.5 طن متري في مدار قطبي متزامن مع الشمس، وهي وجهة مفضلة للعديد من الأقمار الاصطناعية.

فكيف تمكنت الصين من تحقيق هذا الإنجاز، وما قصة السباق الصيني الأميركي في مجال استخدام وقود الميثان لدفع الصواريخ؟

بدايات روسية

يمكن إرجاع فكرة استخدام الميثان كوقود للصواريخ إلى أوائل القرن العشرين، حين اقترح العالم الروسي الذي يُعد الأب الشرعي لعلوم الصواريخ، قسطنطين تسيولكوفسكي، في كتاباته إمكانية استخدام الميثان السائل مع الأكسجين السائل، للعمل داخل محركات احتراق الصواريخ.

ثمَّ في خمسينيات القرن العشرين، أجرى الاتحاد السوفيتي اختبارات لمحركات الصواريخ التي تعمل بوقود الميثان.

بعد ذلك، وتحديداً في سبتمبر 1968، قام باحثون من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) باختبار محرك صاروخي يعمل بالميثان، والذي نجح في التشغيل لمدة 200 ثانية، وهي مدة كانت تعتبر في ذلك الحين طويلة نسبياً.

ومثَّل إطلاق علماء الاتحاد السوفيتي لمحرك RD-0120 في عام 1976 أحد المعالم البارزة في مجال تطوير صواريخ الميثان بالأوكسجين السائل، إذ تم لاحقاً تعديل هذا المحرك، الذي كان يعمل بمزيج من الأكسجين السائل والكيروسين، ليعمل بالأكسجين السائل والميثان.

منذ ذلك الحين، انخفضت وتيرة الأبحاث العلمية التي تسعى لتطوير وقود الميثان، بسبب عدة مشكلات ظهرت في تجارب أداء المحركات. لكن الأبحاث نشطت في السنوات الأخيرة في هذا المجال، مع ظهور الحاجة إلى تطوير أنواع جديدة من الوقود أكثر كفاءة ومراعاة للبيئة.

السباق الصيني الأميركي

بعد عقود من تجربة أول محرك يعمل بالميثان، بدأت الشركات الخاصة في إطلاق أبحاث جديدة تتعلق برفع أداء الميثان كوقود للصواريخ.

ولعب العمل الرائد لشركة "سبيس إكس" SpaceX، وهي شركة خاصة لصناعة الطيران والنقل الفضائي أسسها إيلون ماسك، دوراً مهماً في الترويج لاستخدام الأكسجين السائل والميثان، بعد أن بدأت قبل سنوات في استكشاف الميثان كوقود للصواريخ.

وفي عام 2016، كشفت الشركة عن محرك جديد من عائلة "رابتور" (Raptor)، مصمَّم للعمل باستخدام الأكسجين السائل والميثان. وخضع المحرك لاختبارات مكثفة، بغرض تشغيل مركبة قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل، ومصمَّمة لمجموعة من المهام، بما في ذلك السفر الفضائي المأهول، والاستكشاف بين الكواكب.

إخفاقات أميركية

لكن محاولات SpaceX وغيرها من الشركات الأميركية باءت بالفشل حتى الآن، رغم التجارب المتكررة.

وخلال العام الجاري، أوقفت شركة Relativity Space الأميركية، مشروعاً لتصنيع صاروخ Terran-1، الذي يعمل بخليط الميثان والأكسجين بعد أن فشل الصاروخ، في مارس الماضي، في الوصول إلى المدار المُحدَّد.

وأرجعت التحقيقات هذا الفشل إلى انخفاض الأداء بسبب عدم تمكن الصمامات من العمل بشكل جيد مع الوقود.

وفي أبريل الماضي، انفجر الصاروخ التجريبي الذي يعمل بخليط الميثان والأكسجين، التابع لشركة SpaceX والذي كان يحمل المركبة Starship، فوق خليج المكسيك بعد 4 دقائق فقط من إطلاقه.

لم يكن الانفجار حادثاً، فقد أعطى العلماء في الشركة إشارة للصاروخ لتفجير نفسه، منعاً للسقوط غير المحسوب، بعد أن فشل في الوصول للمدار.

والآن نجحت الشركة الصينية LandSpace في ما فشلت فيه SpaceX والشركات الأميركية الأخرى.

قصة النجاح الصيني

لكن رحلة الشركة الصينية إلى المدار لم تكن سهلة، ففي أكتوبر 2018 أطلقت الشركة محرك Zhuque-1 الأصغر والأبسط الذي يعمل بالوقود الصلب، لتنتهي المهمة بالفشل.

وأعلنت الشركة حينها أنها لن تكرر المحاولة، وستركز بدلاً من ذلك على المحرك الذي يعمل بغاز الميثان Zhuque-2.

ويعتبر الصاروخ الصيني الجديد، أصغر نسبياً من الصواريخ التي تطورها الشركات الخاصة في الولايات المتحدة، فصاروخ SpaceX، على سبيل المثال، له قدرة حمولة تبلغ 100 ضعف الصاروخ الصيني.

وحقَّق ذلك الصاروخ للصين مكاسب عديدة، إذ تم تخفيض سعر الوقود الدافع بنسبة 50 إلى 90% مقارنة بالصواريخ الصينية المماثلة، علاوة على كون الميثان غير سام، وأقل تلويثاً، وأكثر حداثة لتزويد الصاروخ بالوقود.

في المرحلة الأولى من عملية الإطلاق تم تشغيل أربعة محركات من طراز TQ-12 التي تستخدم الميثان السائل والأكسجين السائل المعروف باسم "ميثالوكس"، وقد مثلت تلك المحركات أولى محركات الميثان التي تستخدم في مركبة إطلاق صينية. 

اجتاز محرك TQ-12 الاختبارات في 25 مارس 2019، وجرى تسليم أول تجميع كامل للمحرك في مايو من نفس العام، وتم إجراء اختبار حريق ساخن بنجاح في الشهر نفسه. 

ثم في فبراير 2021، تم الانتهاء من تجميع المحرك الذي يعمل بنسبة 3.5 جزء من الأكسجين إلى الميثان، وتركيبه في صاروخ Zhuque-2. وعند الإقلاع أنتجت المحركات الأربعة، قوة دفع تبلغ 268 طناً، دفعت المركبة إلى المدار المنشود.

مواصفات المحرك

وينتمي المحرك الصيني إلى نوع معروف باسم "محركات دورة مولد الغاز المفتوح"، وهي أبسط كثيراً من محركات شركة SpaceX التي تعمل بالميثان. 

في المحرك الصيني، يتم تحويل جزء صغير من تدفق الوقود الرئيسي، وحرقه في غرفة احتراق منفصلة، تسمى مولد الغاز.

وتنتج من هذا الاحتراق غازات عالية الضغط بدرجة حرارة عالية، وتُستخدم بعد ذلك لتشغيل توربينات مولد الغاز. وتوفر هذه التوربينات بدورها القدرة على تشغيل مضخات الوقود، التي تغذي غرفة الاحتراق الرئيسة.

تتمثل الميزة الرئيسة لـ"دورة مولد الغاز المفتوح" في أنها تسمح بتحكم وتنظيم أفضل لقوة التوربينات، مما يؤثر مباشرة على أداء ودفع محرك الصاروخ. فمن خلال تعديل معدَّل تدفق الوقود المحوّل إلى مولد الغاز، يمكن التحكم في خروج الطاقة من التوربين بدقة.

وتتيح هذه المرونة إمكانات لتشغيل المحرك أو إغلاقه أو إعادة تشغيله، والتي يمكن أن تكون ضرورية لمتطلبات مهمة معينة.

دوافع استخدام الميثان  

وتسعى شركات الفضاء الأميركية والصينية إلى استخدام وقود الميثان في دفع الصواريخ بدلاً من الوقود التقليدي، لتفادي الإشكالات المرتبطة بهذه الأنواع من الوقود.

وهناك حالياً نوعان رئيسيان من وقود الصواريخ، هما الوقود الصلب والوقود السائل، ففي الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، توجد مادة صلبة قابلة للاحتراق تتكون غالباً من خليط من النيتروسليلوز والنيتروجليسرين.

في الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، تكون المواد القابلة للاحتراق عبارة عن سوائل تُحمل في صهاريج وتُحقن في غرفة الاحتراق من خلال أنظمة حقن معقدة، مُكونة من رشاشات ضيقة الفوهة تُشبه تلك الموجودة في السيارات. تعمل تلك الرشاشات على تفتيت الوقود إلى جزيئات صغيرة جداً تُعزز عملية خلطه بالمؤكسد داخل حجرة الاحتراق.

ويوجد نوعان من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، هما الصواريخ أحادية الوقود، التي تستخدم وقوداً سائلاً واحداً مثل الهيدرازين القادر بحد ذاته على الاحتراق مع إطلاق الحرارة، والصواريخ الأكثر شيوعاً التي تعمل بالوقود الثنائي.

مشكلات أنواع الوقود الحالية

قياساً بقوة الدفع، تعتبر كفاءة الصواريخ العاملة بهذه الأنواع التقليدية من الوقود مقبولة، إلا أنَّ هناك العديد من المشكلات التي تواجه منظومة وقود الصواريخ.

على سبيل المثال، يعد إنتاج وقود الصواريخ، وخاصة السائل، مكلفاً للغاية. كما تعتبر عملية تخزينه ونقله خطيرة جداً. كما أنه غالباً ما يخلِّف منتجات ثانوية وانبعاثات ضارة للاحتراق، مما يسهم في التلوث، ويفاقم المخاوف البيئية.

ويؤدي احتراق الوقود القائم على الهيدروكربون، مثل الكيروسين، إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى.

وعلى الرغم من أن قدرة الوقود التقليدي على الدفع مقبولة، إلا أنها تظل محدودة. ومن شأن اكتشاف وقود جديد أو ابتكار نوع أفضل من الوقود، أن يتيح مهمات فضائية أكثر كفاءة وقدرة.

مقايضات الأداء

وتتمثل المشكلة الأكبر في "مقايضات الأداء" التي تفرضها هذه الأنواع من الوقود، بحيث لا تتحقق ميزة في الغالب إلا على حساب التضحية بميزة أخرى، نظراً لكون مجموعات الوقود الدافع المتنوعة، لها خصائص أداء مختلفة.

على سبيل المثال، قد تكون للوقود الدافع عالي الطاقة خصائص تآكل، يمكن أن تؤثر على مكونات محرك الصاروخ، مما يمنع استخدام الصاروخ لأكثر من مرة، ويضيف تكاليفاً مرهقة قد لا تتحملها البرامج الفضائية.

وأمام هذه المشكلات، بدأ التفكير في استخدام نوع آخر من الوقود، سهل التخزين، ومتوفر، وله كفاءة احتراق عالية، لتنطلق الأبحاث العلمية في مجال وقود الميثان الذي يحقق جميع هذه المزايا.

عيوب الميثان

رغم هذه المزايا إلا أن وقود الميثان له أيضاً عيوبه. ويتميز الميثان بكثافة منخفضة نسبياً مقارنة بدوافع الصواريخ الأخرى مثل الكيروسين، وهو ما يعني أن كمية أكبر من الميثان مطلوبة لتحقيق الكتلة نفسها من الوقود.

ويؤثر هذا على حجم الصاروخ ووزنه، مع الأخذ في الاعتبار، أنه من الصعب تصميم أنظمة الدفع التي تستوعب أحجام الخزانات الأكبر، المطلوبة لغاز الميثان.

كما أن الميثان، شأنه شأن الهيدروجين، وقود مبرد، مما يعني ضرورة تخزينه في درجات حرارة منخفضة للغاية ليبقى في حالته السائلة.

وتبلغ درجة غليان الميثان نحو -161 درجة مئوية، ويتطلب الحفاظ على درجات الحرارة المنخفضة هذه تقنيات عزل متقدمة، وأنظمة تخزين متخصصة، مما من شأنه إضافة المزيد من التعقيد والتكلفة إلى تصميمات الصواريخ. 

على مستوى خصائص الاحتراق، يتميز الميثان بسرعة اشتعال أعلى، إذ يحترق عند درجة حرارة منخفضة مقارنة بأنواع الوقود الهيدروكربوني الأخرى، مما قد يؤثر على تصميم وأداء محركات الصواريخ.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات