أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الأربعاء، فوز العلماء الفرنسي من أصول تونسية مونجي جي. باوندي، والأميركي لويس إي. بروس، والروسي أليكسي آي. إكيموف بجائزة نوبل الكيمياء لعام 2023.
وقالت الأكاديمية إن جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2023 "مُنحت تقديراً لاكتشاف وتطوير النقاط الكمومية، وهي جسيمات نانوية صغيرة جداً لدرجة أن حجمها يتحكم في خصائصها".
وتصدر الجائزة، التي تم رفع قيمتها هذا العام إلى 11 مليون كرونة سويدية (نحو مليون دولار)، من قِبَل الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.
كيف تؤثر النقاط الكمومية في حياتنا؟
أحدثت هذه الجسيمات الصغيرة من أشباه الموصلات، التي يبلغ حجمها في كثير من الأحيان بضع نانومترات فقط، ضجة كبيرة في المجتمع العلمي بسبب خصائصها الفريدة والمتعددة الاستخدامات. وفتح اكتشاف النقاط الكمومية وتطويرها الباب أمام مجموعة واسعة من التطبيقات في مجالات متنوعة مثل الإلكترونيات والطب والطاقة.
وهذه الجسيمات الصغيرة، والمعروفة أيضاً بـ"البلورات النانوية" مصنوعة من مواد شبه موصلة، مثل سيلينيد الكادميوم أو فوسفيد الإنديوم، وينشأ سلوكها من تأثير الحبس الكمي، ويعني هذا أن مع تقلص حجمها تصبح مستويات طاقة الإلكترونات الموجودة بداخلها كمية.
وتعتمد بنيتها الإلكترونية وخصائصها البصرية بشكل كبير على حجمها، إذ تسمح للعلماء بهندسة النقاط الكمومية بخصائص محددة، كما يمكنها إصدار ضوء بألوان مختلفة، ما يجعلها ذات قيمة في تطبيقات مثل شاشات التلفزيون، وحتى في تحسين كفاءة الخلايا الشمسية.
كما تستخدم في توجيه الجراحين أثناء إزالة الأنسجة السرطانية، وأيضاً في تتبع العمليات البيولوجية على المستوى الخلوي، إضافة إلى إمكانية استخدامها لإنشاء مكونات إلكترونية نانوية ما يساعد في تطوير أجهزة أكثر قوة وكفاءة في استخدام الطاقة.
ما تأثير الجسيمات النانوية على الخصائص البصرية؟
وعرف الفيزيائيون منذ فترة طويلة أنه من الناحية النظرية يمكن أن تنشأ تأثيرات كمومية تعتمد على الحجم في الجسيمات النانوية، ولكن في ذلك الوقت كان من الصعب ابتكار جسيمات بأبعاد نانوية، لذلك اعتقد كثيرون أن هذه المعرفة لا يمكن تطبيقها عملياً.
في أوائل الثمانينيات، أجرى الفيزيائي الروسي أليكسي إكيموف بحثاً رائداً أظهر التأثيرات الكمومية على لون الزجاج الذي يحتوي على جسيمات نانوية من كلوريد النحاس، وكان هذا العمل بمثابة إنجاز كبير في فهم كيفية تأثير حجم الجسيمات النانوية على خصائصها البصرية من خلال الحبس الكمي.
إيكموف يفسر الحبس الكمي
وجد إكيموف أنه يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال تأثير الحبس الكمي الذي يغيّر البنية الإلكترونية للجسيمات النانوية مع تقلص حجمها، وهو ما يؤدي إلى مستويات طاقة كمية، وبالتالي التأثير على امتصاص وانبعاث الضوء بواسطة الجسيمات.
ويُعد مفهوم الحبس الكمي مبدأً مركزياً وراء الخصائص البصرية للنقاط الكمومية أيضاً، فعندما يتم تقليص حجم الجسيمات إلى أبعاد نانوية يتغير سلوكها الإلكتروني بشكل ملحوظ.
وفي حالة النقاط الكمومية يسمح تأثير الحبس الكمي بضبط دقيق للون الضوء المنبعث من خلال التحكم في حجم الجسيمات النانوية، ومكّن ذلك من استخدامها على نطاق واسع في تطبيقات مثل شاشات العرض والإضاءة والتصوير الطبي الحيوي.
لويس بروس.. رائد التأثيرات الكمومية
وبعد سنوات قليلة، أصبح الأميركي لويس بروس أول عالم يثبت التأثيرات الكمومية المعتمدة على الحجم في الجسيمات التي تطفو بحرية في السائل. ففي المحاليل الغروية (Colloid) يتم تشتيت الجسيمات النانوية في وسط سائل، ما يتيح لها التحرك بحرية.
وأظهر بحث بروس أن الخصائص البصرية لهذه الجسيمات النانوية، مثل امتصاصها وانبعاثها للضوء، كانت تعتمد بشدة على حجمها، وكان هذا اكتشافاً بالغ الأهمية لأنه قدّم دليلاً تجريبياً على تأثيرات الحبس الكمي في الجسيمات النانوية المعلقة في السائل.
وأدى عمل بروس على النقاط الكمومية الغروية إلى توسيع فهمنا لكيفية عمل تأثير الحبس الكمي في المواد النانوية، فعندما يقترب حجم جسيم أشباه الموصلات النانوية من مقياس النانومتر، فإن الإلكترونات الموجودة داخله تقتصر على مستويات طاقة منفصلة ويؤدي هذا إلى حالات طاقة كمية.
وكانت النتيجة الأبرز لهذا البحث هي القدرة على التحكم في لون الضوء المنبعث من هذه النقاط الكمومية الغروية عن طريق تعديل حجمها. وأصبحت هذه الخاصية الأساس لتطوير التقنيات القائمة على النقاط الكمومية، بما في ذلك شاشات النقاط الكمومية، وإضاءة الليد، وغيرها.
باوندي وثورة الإنتاج الكيميائي
وفي عام 1993، أحدث الفرنسي من أصول تونسية مونجي باوندي ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية، وأدى ذلك إلى إنتاج جسيمات مثالية تقريباً تعطي جودة عالية لاستخدامها في التطبيقات.
وشملت مساهماته الرئيسية تطوير أساليب تركيبية جديدة وتقنيات تُعرف باسم "التخميل السطحي" والتي سمحت بالتحكم الدقيق في حجم النقطة الكمومية وشكلها وتكوينها.
وعالجت هذه التطورات بعض التحديات التي كانت تحول في السابق دون الاستخدام العملي للنقاط الكمومية، مثل التباين في حجم الجسيمات واستقرارها.