كيف يهدد تعدين البيتكوين الحياة على الأرض؟

انبعاثات العملية تعادل حرق 84 مليار رطل فحم.. والمعالجة تتطلب زراعة 3.9 مليار شجرة

time reading iconدقائق القراءة - 6
عملات مشفرة من بينها "بيتكوين" - Reuters
عملات مشفرة من بينها "بيتكوين" - Reuters
القاهرة-محمد منصور

سلّط تقييم حديث أصدرته الأمم المتحدة الضوء على العواقب البيئية "المثيرة للقلق" لشبكة تعدين العملات الرقمية العالمية، ولفت إلى "آثار بيئية كبيرة على المناخ والمياه والأرض".

واستحوذ صعود "البيتكوين"، أول عملة مشفرة وأكثرها شهرة في العالم، على اهتمام كل من المستثمرين ونشطاء البيئة، وواجهت العملة اتهامات بالتأثير في تغير المناخ من خلال عمليات تعدينها التي تتطلب طاقة كبيرة تعتمد بشكل رئيسي على الوقود الأحفوري.

وباعتبار "البيتكوين" العملة المشفرة الأكثر شهرة وشعبية، قرر علماء الأمم المتحدة تقييم آثار أنشطة تعدينها داخل 76 دولة خلال الفترة 2020-2021، قبل أن يكتشفوا "نتائج صادمة"، حيث إنه بالإضافة إلى" البصمة الكربونية" الكبيرة، تبيّن أن هناك آثاراً على المياه والأرض.

وتعني البصمة الكربونية حجم الانبعاثات التي تخلفها أنشطة كيان محدد، سواء كان ذلك الكيان بشرياً وفردياً أو معنوياً مثل مؤسسة أو شركة، وتتضمن كافة الانبعاثات التي أُطلقت لصالح هذا الكيان سواء عن طريق الاحتكاك والتفاعل الشخصي أو أثناء العمليات الإنتاجية التي يستفيد من نتائجها.

استهلاك هائل للطاقة

وذكرت الدراسة التي نشرتها جامعة الأمم المتحدة ومجلة "Earth's Future" أن شبكة تعدين البيتكوين العالمية استهلكت بين عامي 2020 و2021 نحو 173.42 تيراواط ساعة من الكهرباء، مشيرة إلى أن "هذا يعني أنه لو كانت (البيتكوين) دولة، لكان استهلاكها للطاقة يحتل المرتبة 27 في العالم، متقدمة على دولة مثل باكستان التي يبلغ عدد سكانها قرابة 242 مليون نسمة".

وكانت البصمة الكربونية الناتجة تُعادل حرق 84 مليار رطل من الفحم أو تشغيل 190 محطة لتوليد الطاقة تعمل بالغاز الطبيعي، ولتعويض آثار هذا الناتج لا بد من زراعة 3.9 مليار شجرة، تُغطي مساحة تعادل تقريباً مساحة هولندا، أو سويسرا، أو الدنمارك، أو 7% من غابات الأمازون المطيرة.

وخلال هذه الفترة الزمنية، كانت البصمة المائية لـ"البيتكوين" مماثلة لكمية المياه المطلوبة لملء أكثر من 660 ألف حمام سباحة أولمبي، وهو ما يكفي لتلبية الاحتياجات المائية المحلية الحالية لأكثر من 300 مليون شخص في المناطق الريفية في جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا.

كما كانت المساحة الأرضية لأنشطة تعدين البيتكوين في جميع أنحاء العالم خلال هذه الفترة أكبر بـ 1.4 مرة من مساحة مدينة لوس أنجلوس.

كيفية تعدين البيتكوين

ويتطلب تعدين "البيتكوين" استخدام أجهزة كمبيوتر قوية تتطلب قدراً هائلاً من الطاقة. وتتم تلبية هذا الطلب على الطاقة من خلال مزارع التعدين واسعة النطاق، والتي غالباً ما تقع في مناطق ذات كهرباء رخيصة يتم توليدها من الوقود الأحفوري. ومن ثم، فإن انبعاثات الكربون الناتجة عن عمليات التعدين كبيرة، ولا يمكن التغاضي عنها في المعركة العالمية ضد تغير المناخ.

ولفت التقرير إلى أن الارتفاع غير العادي في أسعار العملات المشفرة خلال العقد الماضي أدى إلى استثمارات ضخمة في قطاع العملات المشفرة.

وأفاد علماء الأمم المتحدة بأن تعدين "البيتكوين" يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الأحفورية، إذ يُمثل الفحم 45% من مزيج إمدادات الطاقة في البيتكوين، يليه الغاز الطبيعي (21%).

وتُعد الطاقة الكهرومائية، وهي مصدر طاقة متجدد له تأثيرات مائية وبيئية كبيرة، أهم مصدر متجدد للطاقة في شبكة تعدين "البيتكوين"، حيث تلبي 16% من الطلب على الكهرباء. وتتمتع الطاقة النووية بحصة تصل إلى 9% في مزيج إمدادات الطاقة لتعدين "البيتكوين"، في حين أن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح توفر فقط بين 2 و5% من إجمالي الكهرباء التي تستخدمها عملة "البيتكوين".

الصين أكبر مساهم 

تُعد الصين أكبر دولة في مجال تعدين عملات "البيتكوين"، وذلك بفارق كبير عن غيرها من الدول. وستحتاج إلى زراعة حوالي 2 مليار شجرة إذا ما أرادت معالجة آثار انبعاثات الكربون الناتجة عن عمليات التعدين التي اعتمدت على الفحم بكثافة بين 2021 و2022.

كما احتلت الولايات المتحدة وكازاخستان وروسيا وماليزيا وكندا وألمانيا وإيران وإيرلندا وسنغافورة، على التوالي، قائمة أكثر 10 دول في مجال تعدين "البيتكوين".

ولعل أحد أكثر مخاوف "تعدين البيتكوين" إلحاحاً هو اعتماده الكبير على الوقود الأحفوري، الذي يشتهر بمساهمته في انبعاثات الغازات الدفيئة، ويؤكد تقرير الأمم المتحدة أن جزءاً كبيراً من عمليات التعدين في العالم يتم تشغيلها عن طريق الفحم والغاز الطبيعي ومصادر الطاقة غير المتجددة الأخرى، مما يساهم بشكل كبير في البصمة الكربونية العالمية.

وفي بيان لمعهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة تلقت "الشرق" نسخة منه، قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة والباحثة البيئية والاجتماعية ساناز تشامانارا "نظراً لأن الدول تستخدم مصادر مختلفة للطاقة لتوليد الكهرباء، فإن تأثيرات إنتاجها للكهرباء على المناخ والمياه والأرض ليست متماثلة".

وأضافت أن "تصنيفات البلدان من حيث الآثار البيئية لعمليات تعدين (البيتكوين) الخاصة بها تتغير، اعتماداً على البصمة البيئية التي يتم أخذها في الاعتبار".

وقدم علماء الأمم المتحدة مجموعة من التوصيات بشأن التدخلات المحتملة من قبل الحكومات لرصد وتخفيف الآثار البيئية للعملات المشفرة.

وقال مدير معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة كافيه مدني، الذي قاد هذه الدراسة، إنه "غالباً ما ترتبط الابتكارات التكنولوجية بعواقب غير مقصودة، والبيتكوين ليست استثناءً، ولذلك لا ينبغي للنتائج التي توصلنا إليها أن تُثبط استخدام العملات الرقمية".

وتابع "بدلاً من ذلك، ينبغي الاستثمار في التدخلات التنظيمية والتقدم التكنولوجي الذي يعمل على تحسين كفاءة النظام المالي العالمي من دون الإضرار بالبيئة".

تصنيفات

قصص قد تهمك