كيف يرى البشر الألوان؟

دراسة تسلط الضوء على عمليات إدراك الألوان في عين الإنسان

time reading iconدقائق القراءة - 6
فتاة صينية تعرض قطعة من الإكسسوارات المنحوتة متعددة الألوان في بكين. 21 سبتمبر 2023 - AFP
فتاة صينية تعرض قطعة من الإكسسوارات المنحوتة متعددة الألوان في بكين. 21 سبتمبر 2023 - AFP
القاهرة -محمد منصور

نجح علماء من جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية، في تنمية شبكية عين بشرية في بيئة معملية، مما أتاح لهم تسليط الضوء على العمليات المعقدة التي تمنح البشر القدرة على إدراك ملايين الألوان، الأمر الذي يساهم في فهم أوسع لـ"عمى الألوان" والمساعدة، على المدى الطويل، في تطوير علاجات لاضطرابات الرؤية. 

ويكشف البحث المنشور في دورية PLOS Biology عن دور فيتامين A في تطوير الخلايا المتخصصة المسؤولة عن رؤية الألوان، وهي سمة فريدة حصرية للرئيسيات.

وخلافاً لاعتقادات سابقة بأن هرمونات الغدة الدرقية تتحكم في تكوين الخلايا الحساسة للألوان، اكتشف فريق البحث أن جزيئاً يسمى "حمض الريتينويك"، وهو الصيغة المؤكسدة لفيتامين A، يلعب دوراً حاسماً في تحديد ما إذا كانت الخلية المخروطية ستتخصص في استشعار الضوء الأحمر أو الأخضر.

وتُعد العين البشرية أحد الأعضاء الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان، وتتكون في الأساس من بقعة شبكية تقع في منتصف الجزء الخلفي من العين، وتسمح بالرؤية المركزية الواضحة، وفي قلب تلك البقعة تكتشف العين الضوء باستخدام المستقبلات الضوئية.

قضبان ومخاريط

تستخدم العين جزءاً يُعرف باسم "القضبان" في الليل، للكشف عن الإضاءة المنخفضة، فيما تستعمل "المخاريط" خلال النهار، وتمكننا من رؤية اللون. 

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، روبرت جونستون، وهو أستاذ في قسم علوم الأحياء بجامعة "جونز هوبكنز" في حديث لـ"الشرق"، إن هناك 3 أنواع من المخاريط التي تكتشف الضوء الأزرق أو الأخضر أو الأحمر، "قمنا في هذا البحث بدراسة كيفية صنع الخلايا الكاشفة للون الأخضر والأحمر".

وأوضح جونستون، أن البشر وبعض الرئيسيات الأخرى، الثدييات المشيمية، هي الكائنات الوحيدة التي لديها خلايا كاشفة للون الأحمر "لذلك لا نعرف سوى القليل جداً عن كيفية توليدها"، مشيراً إلى أن الدراسة تتناول الآليات البيولوجية التي تجعل الإنسان مختلفاً عن العديد من الحيوانات الأخرى.

وأضاف أن الدراسات السابقة تشير إلى أن الخلايا تختار بشكل عشوائي بين أن تكون خلايا متخصصة كاشفة للون الأخضر أو الأحمر "لكن دراساتنا تتحدى هذه الفكرة".

شبكية عين في المعمل

وطوّر الباحثون تقنية جديدة للكشف عن الخلايا الخضراء والحمراء. وباستخدام هذه الاستراتيجية، بدأ الفريق في دراسة عين الإنسان، ووجدوا أن الخلايا الكاشفة للأخضر تخصصت دائماً قبل الخلايا الكاشفة للأحمر، و"هذا يؤكد أن التوقيت كان جزءاً أساسياً من تلك الآلية".

وبما أننا لا نستطيع إجراء تجارب على تطوير عيون الإنسان بشكل مباشر، لجأ الباحثون إلى عضويات شبكية العين البشرية، وهي "شبكية عين صغيرة" نمت من الخلايا الجذعية البشرية. 

وبدأ الفريق العمل على دراسة الآليات التي تتحكم في توليد خلايا كاشفة للألوان باستخدام عضويات شبكية العين البشرية، منذ 10 سنوات، إذ نشروا ورقتهم الأولى بشأن آلية التحكم في الاختيار بين أن تكون خلية زرقاء أو خلية (حمراء/خضراء) في دورية العلوم عام 2018.

أما هذا المشروع، فبدأ منذ 8 سنوات، إذ أضاف الباحث الرئيسي بالمشروع "لقد كان الأمر صعباً بشكل خاص نظراً للإطار الزمني الطويل الذي يبلغ 200 يوم لتجارب الأعضاء العضوية. وأيضاً دون الكثير من المعلومات من الكائنات الحية النموذجية مثل الفئران أو الأسماك، لم نعرف سوى القليل جداً عن هذه الخلايا وجيلها".

ومن خلال إجراء تجارب على العضيات، وجد الباحثون إشارة لوجود "حمض الريتينويك"، وقال جونستون، إن وجود ذلك الحمض "يمكن أن يعزز توليد الخلايا الكاشفة للون الأخضر في مرحلة مبكرة من النمو".

وفحص الباحثون نسب الخلايا الكاشفة الخضراء والحمراء لدى البشر، وتسلسل الحمض النووي لمجموعة من الجينات، "وجدنا أن التغيرات في تسلسل الحمض النووي الخاص بهم كانت مرتبطة بالاختلافات في نسب الخلايا الكاشفة الخضراء والحمراء"، وهذا يعني أن البحث حدد الآلية التي تتحكم في توليد الخلايا الكاشفة للونين الأحمر والأخضر في العين البشرية.

فهم عمى الألوان

ولفت جونستون، إلى أن الدراسة أجابت عن "تساؤل مهم بشأن ما الذي يجعلنا بشراً؟ وما الذي يجعلنا مختلفين؟".

وبسؤاله عن كيف يمكن أن تساهم نتائج هذا البحث في فهم السمات الخاصة بالإنسان والمتعلقة بالرؤية وإدراك الألوان، قال جونستون إن "الرؤية الحمراء خاصة بالبشر وبعض الرئيسيات الأخرى بين الثدييات المشيمية. كما قدمت النتائج التي توصلنا إليها، أول نظرة بشأن كيفية توليد الخلايا التي تكتشف الضوء الأحمر والأخضر في العين البشرية".

ويمكن أن تزيد الدراسة من "فهم عمى الألوان، وفقدان البصر المرتبط بالعمر، والأمراض الأخرى المرتبطة بالخلايا المستقبلة للضوء. كما أنها توضح كيف توجه الجينات شبكية العين البشرية إلى تكوين خلايا محددة حساسة للألوان".

وقال جونستون، إن هذه النتائج مهمة، لأنها توفر الآلية الأولى لتوليد هذه الخلايا في العين البشرية، مضيفاً: "ولعل الأهم من ذلك هو أن دراستنا تتناول آليات تطور شبكية العين البشرية، والتي تعتبر مهمة لتطوير العلاجات في المستقبل".

ويعمل الفريق حالياً على تطوير طرق لزرع عضويات شبكية بشرية في عيون بشرية تعاني من عيوب في الرؤية، أملاً في الحفاظ عليها أو استعادتها، "ومن المهم أن نفهم كيفية صنع الأنواع المختلفة من الخلايا في أعيننا، حتى نتمكن من فهم كيفية علاج المشكلات وتنمية هذه العضيات بدقة بالأعداد الصحيحة لأنواع الخلايا المختلفة".

وعلى المدى الطويل، ستساعدنا هذه النتائج على تطوير علاجات جديدة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الرؤية المنهكة، وعن هذا يقول جونستون: "من منظور تطوري آخر، تساعدنا هذه الدراسات على فهم ما يجعلنا مختلفين عن القطط والكلاب الأليفة التي تعاني من عمى الألوان".

تصنيفات

قصص قد تهمك