سلَّط باحثون الضوء على أوجه "عدم المساواة العرقية" المنتشرة في رعاية الأطفال في الولايات المتحدة، مؤكدين الحاجة الملحَّة لمعالجة "العنصرية الهيكلية المتأصلة في قطاعات أوسع من المجتمع"، والتي تؤثر في صحة الأطفال، وذلك في ورقتين منشورتين في دورية "لانسيت: صحة الأطفال والمراهقين".
وقالت الورقتان البحثيتان إن الأدلة الحديثة تكشف عن أنماط واسعة النطاق من الرعاية غير العادلة عبر تخصصات طب الأطفال، بما في ذلك رعاية حديثي الولادة، وطب الطوارئ، والجراحة، وإعاقات النمو، ورعاية الصحة العقلية، والرعاية التلطيفية، بغض النظر عن حالة التأمين الصحي.
وذكر الباحثون أنه على الرغم من أن أنظمة التأمين الصحي في الولايات المتحدة تكفل حق الرعاية الصحية المتساوية للجميع، إلا أن الفوارق لا تزال قائمة، مما يشير إلى وجود "مشكلة تتجاوز مجرد الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية".
"عنصرية متجذرة في المجتمع الأميركي"
وقالت الباحثة المشاركة في الدراستين مونيك جيندال، وهي أيضاً باحثة في كلية الطب بجامعة إلينوي في شيكاغو، إن هناك فوارق عنصرية عميقة الجذور تمتد إلى قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي، وتتجاوز الأجيال "يؤدي ذلك، من بين عيوب أخرى، إلى عدم المساواة الصارخة في الرعاية الصحية للأطفال من المجموعات العرقية والإثنية الأقلية".
وتشير الأدلة من السنوات الخمس الماضية إلى أن الرضَّع من المجموعات العرقية والإثنية التي تشكل أقليات، وخاصة الأطفال من أصول إفريقية ولاتينية، يتلقون باستمرار رعاية حديثي الولادة أقل جودة من الرضَّع "البيض".
وفي مجال الرعاية الأولية، هناك تواصل رديء الجودة بين مقدمي الرعاية الصحية والأطفال والشباب والأسر من المجموعات العرقية والإثنية الأقلية، مما يساهم في استمرار عدم المساواة.
ووجدت الدراستان أن الفوارق موجودة أيضاً في "رعاية نهاية الحياة" للأطفال.
وذكرتا أن الأطفال الأميركيين من أصول إفريقية ولاتينية وآسيوية ممن يتلقون الرعاية التلطيفية، هم أكثر عُرضة للوفاة في المستشفى مقارنة بالأطفال "البيض"، لكن من المرجح أيضاً أن يتلقى الأطفال من أصول إسبانية رعاية طبية مكثفة خلال الأيام الأخيرة من حياتهم.
كما تم العثور على اختلافات في أوقات الانتظار، وتقييم الفرز، وتقييم إساءة معاملة الأطفال المشتبه بها لمن ينتمون إلى المجموعات العرقية والإثنية الأقلية في طب الطوارئ.
تفرقة في إدارة الألم
ويقول الباحثون إن أقوى دليل على التفاوتات، كان في إدارة الألم، حيث كان الأطفال من المجموعات العرقية والإثنية الأقلية أقل عُرضة من أقرانهم "البيض" لتلقي مسكنات الألم لكسر في الذراع أو الساق، أو التهاب الزائدة الدودية، أو الصداع النصفي.
ويشير الاتجاه العام إلى مزيد من الرعاية للمرضى البيض، مثل المزيد من مسكنات الألم، والمضادات الحيوية، والسوائل الوريدية، والتصوير التشخيصي، حتى عندما لا يكون ذلك مبرراً لأسباب طبية.
وتقول الباحثة المشاركة ناتالي سلوبن، وهي أيضاً باحثة في جامعة هارفارد إنه "ومنذ اللحظات الأولى من الحياة، هناك تفاوتات منتشرة في جودة الرعاية الصحية التي يتلقاها الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية".
ولا تترك العنصرية تأثيراً عميقاً على صحة الأطفال فحسب، بل تؤثر أيضاً على صحة الأشخاص حتى مرحلة البلوغ، مما يؤكد الأهمية الحيوية لمعالجة الفوارق في الرعاية التي يتلقاها الأطفال، وفق الورقتين.
"عنصرية مستمرة"
وأشار الباحثون إلى أن السياسات القائمة في مجالات الإسكان، والتوظيف، والتأمين الصحي، ونظام العدالة الجنائية، تعمل على استمرار "العنصرية البنيوية"، وهو الأمر الذي يشكل عقبات كبيرة أمام تحقيق العدالة الصحية للأطفال.
كما يؤثر عدم الاستقرار في السكن، والتفاوتات العرقية، وخصائص أماكن المعيشة على النتائج الصحية للأطفال، مما يتطلب استراتيجيات شاملة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
ورأى الباحثون أن السياسات الاقتصادية، وسياسات التوظيف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة تؤثر على صحة الأطفال، مما يتطلب اتباع نهج مناهض للعنصرية في برامج مكافحة الفقر.
وبحسب الباحثين، لا تزال هناك فوارق في الوصول إلى التأمين الصحي، مما يسلط الضوء على أهمية توسيع نطاق تغطية برامج التأمين وبخاصة برنامج التأمين الصحي للأطفال المعروف باسم CHIP.
وتشير الورقتان العلميتان إلى أن التأثير غير المتناسب لنظام العدالة الجنائية على الأميركيين من أصول إفريقية يستلزم سياسات تمنع الشباب من الذهاب إلى السجن، وتخفيف الآثار على الأطفال الذين لديهم آباء مسجونون.
ويدعو الباحثون إلى إجراء تغييرات واسعة النطاق في السياسات عبر القطاعات المجتمعية لتعزيز الرعاية العادلة للأطفال، على أن تشمل التدابير تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والاستثمار في المجتمعات، وتنفيذ سياسات منع الإخلاء من المنازل.
ويُعد الوصول الشامل إلى التأمين الصحي، وتوحيد السياسات الإدارية أمراً بالغ الأهمية لتحقيق العدالة الصحية للأطفال.