طوّر باحثون نسخة جديدة من حليب الكركم "الذهبي" تحافظ على فوائدها الصحية وتتمتع بفترة صلاحية أطول، بعدما أصبح هذا النوع خلال السنوات القليلة الماضية عنصراً أساسياً في المقاهي العصرية، وغالباً ما يتم الترويج له كبديل قهوة صحي خالي من الكافيين.
وفي حين يبدو هذا المشروب ذو اللون الذهبي وكأنه اتجاه حديث في مجال الأنظمة الغذائية الصحية، إلا أنه في الواقع بمثابة تكيُّف حديث مع مشروب "هالدي دود" وهو مشروب هندي قديم يُستخدم في الطب الشعبي كعلاج منزلي لنزلات البرد وأمراض أخرى.
والآن، بفضل التطورات العلمية الأخيرة، حصل هذا المشروب القديم على تحوُّل معاصر، إذ طوّر باحثون نسخة فورية نباتية سريعة الذوبان تحافظ على الخصائص المفيدة للمكونات مع تمديد فترة صلاحيتها.
ومشروب "هالدي دود" مصنوع عن طريق مزْج الحليب بالكركم، مع إضافة التوابل مثل الفلفل الأسود، والزنجبيل، والقرفة، التي تُعد حجر الزاوية في المطبخ الهندي منذ أجيال عديدة.
ويُعرف الكركم الغني بالكركمين بخصائصه المضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة، ما يجعله علاجاً رائعاً لنزلات البرد، وتحسين الهضم، وتعزيز المناعة بشكل عام.
وتجاوز حليب الكركم الحدود الثقافية الهندية واكتسب شعبية عالمية كمشروب صحي، ومع ذلك، فإن تحضيره من الصفر قد يستغرق وقتاً طويلاً.
كما أن الوصفة التقليدية القائمة على منتجات الألبان ليست مناسبة للجميع، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يتبعون أنظمة غذائية نباتية أو يعانون من عدم تحمُّل اللاكتوز.
ما أهمية الاكتشاف الجديد؟
وطوّر باحثون نسخة فورية من حليب الكركم تعتمد على النباتات، إذ تم إنتاج هذا المنتج الجديد ليكون مريحاً وسهل التحضير ومتاحاً لجمهور أوسع مع الحفاظ على الخصائص الصحية للمشروب التقليدي.
كما ركزوا على الحفاظ على المركّبات النشطة في الكركم والتوابل الأخرى، ما يضمن أن النسخة الفورية تُقدّم الفوائد نفسها التي يُقدّمها المزيج الحار الطازج.
وقدّم فريق البحث نتائجهم في اجتماع الجمعية الكيميائية الأميركية لخريف 2024، وتتضمن طريقتهم استخدام مكونات نباتية وتقنيات معالجة متقدمة لإنشاء مسحوق يمكن إعادة تكوينه بسهولة إلى مشروب لذيذ ومغذي.
ومن خلال اختيار المكونات ومعالجتها بعناية، تمكنوا من الاحتفاظ بالتوافر البيولوجي للكركمين والمركّبات المفيدة الأخرى، والتي غالباً ما تضيع في طرق المعالجة التقليدية.
ويتميز حليب الكركم الفوري بمدة صلاحية كبيرة، ما يجعله خياراً عملياً للمستهلكين الذين يرغبون في الاستمتاع بفوائد المشروب دون متاعب التحضير.
وقال الباحثون إن حليب الكركم الفوري يتماشى تماماً مع متطلبات مجتمع اليوم الذي يتسم بالسرعة والوعي الصحي، فمع الجداول الزمنية المزدحمة والتركيز المتزايد على الصحة، يبحث العديد من الأشخاص عن خيارات مريحة ومغذية.
ولا تلبي النسخة الفورية من حليب الكركم هذه الحاجة فحسب، بل توسع أيضاً إمكانية الوصول إلى المشروب، ما يسمح لمزيد من الأشخاص بالاستمتاع بفوائده بغض النظر عن القيود الغذائية أو الوقت.
وأوضح الباحثون أنهم تمكنوا من فصل "الكركمين" عن الكركم بطريقة بسيطة وغير معقدة تختلف عن الطرق التقليدية التي تتطلب تقنيات استخلاص معقدة تنطوي على مذيبات عضوية وأيام متعددة والكثير من الطاقة.
ولصناعة الحليب الذهبي، أضاف الباحثون مسحوق الكركم إلى محلول قلوي، إذ جعل الرقم (الأس) الهيدروجيني المرتفع، الكركمين أكثر قابلية للذوبان وأسهل في الاستخراج من الماء العادي، ثم تمت إضافة ناتج هذه العملية (محلول أحمر داكن) إلى عينة من حليب الصويا، ما جعل لونه أصفر داكن.
والرقم الهيدروجيني، هو القياس الذي يحدد ما إذا كان السائل حمضياً أم قاعدياً أم متعادلاً.
وبعد ذلك، خفّض الباحثون الرقم الهيدروجيني إلى درجة حموضة محايدة بنحو 7، وأزال الفريق الماء من المحلول من خلال التجفيف بالتجميد، ما أدى إلى إنتاج مسحوق حليب ذهبي فوري.
ولا تقوم الطريقة باستخراج الكركمين من الكركم بكفاءة أكبر من الطرق الحالية فحسب، بل تغلفه أيضاً في قطرات زيت داخل حليب الصويا.
وهذا يعني أنه عند استهلاكه، تتعرف أجسامنا على الكركمين على أنه دهون وتهضمه على هذا النحو، ما يجعله نظرياً أكثر توفراً بيولوجياً، أو من المرجح أن يتم امتصاصه وبالتالي يكون قادراً على إحداث تأثير في الجسم.
كما أن تغليف الكركمين يحميه من الهواء والماء، ويحافظ عليه وعلى ثباته لفترة أطول.
استخدامات أخرى
وبينما ركز هذا العمل بشكل خاص على حليب الصويا بسبب محتواه العالي من الأحماض الأمينية، لفت الباحثون إلى أنه يمكن تطبيقه على أنواع أخرى من الحليب النباتي، ما يوفر خيارات لمن يعانون من حساسية الصويا.
وبالإضافة إلى هذا، يمكن استخدام طريقة الاستخلاص التي تعتمد على الرقم الهيدروجيني على مركّبات نباتية مختلفة بسهولة وكفاءة مماثلة.
وعلى سبيل المثال، فالتوت الأزرق غني بالأنثوسيانين، وهو مضاد أكسدة آخر قابل للذوبان في الماء، ونبّه الباحثون إلى أنه عند استخدام الطريقة نفسها، في غضون دقيقة تقريباً يمكن استخراج مضادات الأكسدة.
ويأمل الفريق أن يساعد هذا العمل في تفسير الكيمياء وراء ما قد يبدو وكأنه مجرد مشروب بسيط، فضلاً عن تحسين القيمة الغذائية لهذا المشروب لمن يستمتعون به.