كشفت دراسة جديدة منشورة في دورية "نيتشر أسترونومي" Nature Astronomy، أن الكواكب الخارجية (خارج المجموعة الشمسية للأرض)، التي لا تشبه نموذج الأرض، يمكن أن تحتوي على كميات كبيرة من المياه أكبر بكثير مما كان متوقعاً في السابق.
ولعقود من الزمان، كان فهمنا للكواكب، بما في ذلك التي تقع خارج نظامنا الشمسي، قائماً على نموذج مستمد من الأرض. وكما نعلم فإن للأرض قلب (نواة) من الحديد، ومحاطة بوشاح يتكون من صخور سيليكاتية، وسطح مغطى بالمياه، وقد عمل هذا النموذج البسيط والفعال كإطار أساسي لدراسة الكواكب الخارجية التي تدور حول النجوم خارج نظامنا الشمسي.
وتكوّن المعادن السيليكاتية، ما يقرب من 90% من صخور القشرة الأرضية وتتكون الوحدة الأساسية التي تشارك في بناء جميع المعادن السيليكاتية من أربعة أيونات من الأكسجين تحيط بأيون السيليكون رباعي التكافؤ وتتناسق معه، مكونة شكل رباعي الأوجه.
ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة في علم الكواكب، إلى أن هذا النموذج قد يكون مبسطاً للغاية عند تطبيقه على العوالم المتنوعة والمعقدة الموجودة خارج جوارنا الشمسي.
وكان نموذج الأرض، مع نواته ووشاحه وسطحه المحددين بوضوح، مفيداً في توجيه استكشافنا للكون.
ويفترض هذا النموذج، أن الكواكب الخارجية مهيكلة بشكل مشابه للأرض، مع نواة معدنية ووشاح سيليكاتي وربما محيطات أو غلاف جوي على السطح. ودعم هذا الافتراض الكثير من الأبحاث في علم الكواكب الخارجية، ما ساعد العلماء على التنبؤ بتكوين هذه العوالم البعيدة وسلوكها وإمكانية العيش فيها.
لكن وبحسب "كارولين دورن" أستاذة الكواكب الخارجية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ: "لم نبدأ إلا في السنوات الأخيرة في إدراك أن الكواكب أكثر تعقيداً مما كنا نظن". وهذا الإدراك له آثار عميقة على كيفية دراستنا وفهمنا للكواكب الخارجية، وهو ما يتحدى فكرة أن الكواكب الشبيهة بالأرض هي القاعدة وليست الاستثناء.
ماذا يحدث في الكواكب الخارجية؟
وتقع معظم الكواكب الخارجية المعروفة اليوم بالقرب من نجمها، وهذا يعني أنها تتكون في المقام الأول من عوالم ساخنة من محيطات الصهارة المنصهرة التي لم تبرد بعد لتشكل غلافاً صلباً من الصخور السيليكاتية مثل الأرض.
ويذوب الماء جيداً في محيطات الصهارة هذه، على عكس ثاني أكسيد الكربون، الذي يخرج بسرعة ويرتفع إلى الغلاف الجوي.
ويقع قلب الحديد تحت الغلاف المنصهر من السيليكات، إذن كيف يتم توزيع الماء بين السيليكات والحديد؟ لذا حاول الباحثون في هذه الدراسة فهم ذلك التوزيع بمساعدة حسابات نموذجية تستند إلى قوانين الفيزياء الأساسية.
بدأت الدراسة في استكشاف هياكل كوكبية بديلة، تتحدى نموذج الأرض التقليدي، واختار الباحثون كوكب يُسمى TOI-270 d، وهو كوكب خارجي يشبه نبتون وتبلغ كتلته 4.78 كتلة الأرض، ويستغرق 11.4 يوماً لإكمال مدار واحد حول نجمه، ويبعد 0.0721 وحدة فلكية عن نجمه، وتم الإعلان عن اكتشافه في عام 2019.
وبدأ الباحثون في التحقيق في إمكانية وجود كميات كبيرة من الماء في ذلك الكوكب.
وفي المراحل المبكرة من تطور الكوكب، يوجد جزء كبير من حديد الكوكب على شكل قطرات داخل خليط ساخن منصهر يُعرف باسم "حساء الصهارة".
وتتحد قطرات الحديد هذه، مع الماء الموجود في الصهارة، ولأنها أكثر كثافة من محيطها، فإنها تبدأ في الهبوط نحو قلب الكوكب، وتشبه هذه العملية المصعد الذي ينقله الماء إلى الأسفل.
ما علاقة الكواكب الأكبر حجماً بتوافر المياه؟
وفي السابق، لم يفهم العلماء هذا السلوك إلا في ظل ظروف الضغط المعتدلة الموجودة على كوكب الأرض، ومع ذلك، تكشف الدراسة أن الكواكب الأكبر حجماً، حيث تكون الضغوط الداخلية فيها أعلى بكثير، يميل المزيد من الماء إلى مرافقة قطرات الحديد إلى القلب.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، يمكن للحديد امتصاص كمية أكبر بكثير من الماء مقارنة بالسيليكات، وبسبب الضغط الشديد في القلب، لم يعد الماء موجوداً على شكل جزيئات تقليدية H2O، ولكنه موجود على شكل ذرات هيدروجين وأكسجين منفصلة.
وباستخدام المنطق نفسه، تقول كارولين دورن، إن الأرض تحتوي على كمية من الماء أكبر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، ليس فقط على سطحها، بل وأيضاً في أعماقها، موضحة أن "المحيطات التي تغطي كوكبنا لا تُمثّل سوى جزء صغير من احتياطيات المياه الإجمالية، وتشير المحاكاة إلى أن أكثر من 80 ضعفاً من الماء الموجود في محيطات الأرض قد يكون مخفياً في أعماق الكوكب".
وتمتد آثار هذه الرؤى الجديدة حول توزيع المياه، إلى ما هو أبعد من الأرض، ما يؤثر على كيفية تفسير العلماء للبيانات من ملاحظات الكواكب الخارجية.
عندما يدرس علماء الفلك الكواكب الخارجية، باستخدام التلسكوبات على الأرض وفي الفضاء، يمكنهم أحياناً قياس كتلة الكوكب وحجمه، ثم تُستخدم هذه القياسات لإنشاء مخططات كتلة ونصف قطر، والتي تساعد العلماء في استنتاج تكوين الكوكب.
ولكن إذا تجاهلت هذه التحليلات احتمال ذوبان كميات كبيرة من الماء وتوزيعها داخل الكوكب، فقد تقلل إلى حد كبير من تقدير الحجم الإجمالي للمياه بما يصل إلى عشرة أضعاف.
ويشير هذا الفهم الجديد إلى أن العديد من الكواكب، بما في ذلك الكواكب الخارجية، من المرجح أن تكون أكثر ثراءً بالمياه مما كان يُعتقد في السابق. وكما تشير دورن، فإن هذا الإدراك قد يغيّر بشكل كبير وجهة نظرنا بشأن انتشار الماء في الكون ودوره في تطور الكواكب.
وتقول الدراسة، إن توزيع الماء مهم أيضاً إذا أردنا أن نفهم كيف تتشكل الكواكب وتتطور، فالماء الذي غرق في اللب يظل محاصراً هناك إلى الأبد.
ومع ذلك، فإن الماء المذاب في محيط الصهارة في الوشاح يمكن أن يتحرر من الغازات ويرتفع إلى السطح أثناء تبريد الوشاح.
وتوضح دورن: "لذا إذا وجدنا الماء في الغلاف الجوي لكوكب ما، فمن المحتمل أن يكون هناك قدر أكبر بكثير في داخله".
تعقب الغلاف الجوي للكواكب الخارجية
وهذا ما يسعى تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي، الذي يرسل بيانات من الفضاء إلى الأرض منذ عامين، إلى اكتشافه، فهو قادر على تعقُّب الجزيئات في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية.
وتشير دورن، إلى أنه "لا يمكن قياس سوى تكوين الغلاف الجوي العلوي للكواكب الخارجية بشكل مباشر. وترغب مجموعتنا في إقامة الصلة بين الغلاف الجوي والأعماق الداخلية للأجرام السماوية".
وتُعد البيانات الجديدة للكوكب الخارجي المسمّى TOI-270d مثيرة للاهتمام بشكل خاص، وتضيف دورن: "تم جمع الأدلة هناك على الوجود الفعلي لمثل هذه التفاعلات بين محيط الصهارة في داخله والغلاف الجوي".
وتشمل قائمتها للأجسام المثيرة للاهتمام التي ترغب في فحصها من كثب أيضاً، كوكب K2-18b، الذي تصدّر عناوين الأخبار قبل شهور بسبب احتمال وجود حياة عليه بعد أن اكتشف تلسكوب "جيمس ويب" انبعاثات غازية تُشبه تلك التي تبثها العوالق المائية على الأرض.
والماء هو أحد الشروط الأساسية لتطور الحياة، ولطالما كانت هناك تكهنات بشأن إمكانية سكن الكواكب العملاقة التي تحتوي على كميات وفيرة من الماء، أي الكواكب التي تزيد كتلتها عدة مرات عن كتلة الأرض وتغطي سطحها محيطات عميقة.
ثم أشارت الحسابات إلى أن كثرة المياه قد تكون معادية للحياة، وكانت الحجة أن طبقة من الجليد عالي الضغط في هذه العوالم المائية من شأنها أن تمنع تبادل المواد الحيوية بين المحيط والغلاف الجوي للكوكب.
وتتوصلت الدراسة الجديدة الآن، إلى استنتاج مختلف، فمن المرجح أن تكون الكواكب ذات الطبقات العميقة من المياه نادرة الوجود، لأن معظم المياه على الكواكب العملاقة لا توجد على السطح، كما كان يُفترض حتى الآن، بل محاصرة داخل النواة.
ويقود هذا الاكتشاف العلماء، إلى افتراض أنه حتى الكواكب ذات المحتوى المائي المرتفع نسبياً، يمكن أن يكون لديها القدرة على تطوير ظروف صالحة للسكن شبيهة بالأرض.