لم تتعثر شركة هواوي، عملاق التكنولوجيا الصيني كثيراً، عندما باغتتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في 2019 بحظر تجاري، وإضافة اسمها للقائمة السوداء، مما حرمها من جميع المنتجات البرمجية، والمكونات المادية، أو المطورة بتقنيات أميركية.
وأدت القيود الأميركية إلى افتقار هواوي إلى نظام تشغيل أندرويد، من جوجل، على هواتفها، ونظام تشغيل ويندوز من مايكروسوفت على حواسيبها، لكن الشركة الصينية كانت مستعدة بالبديل.
بعد 3 أشهر فقط من ذلك الحظر، قال ريتشارد يو، مدير قطاع منتجات المستهلكين في هواوي، إن الشركة بإمكانها التحول بهواتفها من استخدام أندرويد إلى نظامها الخاص، خلال يوم أو يومين على الأكثر، ليؤكد جاهزية العملاق الصيني بالبديل، منذ سنوات، وفق مقابلته في أغسطس 2019 مع شبكة CNBC.
"هارموني أو إس HarmonyOS"، أو كما يسمى بالصينية HongmengOS، هو ورقة هواوي الرابحة في سوق أنظمة التشغيل، والتي عبَّرت الشركة بها عن قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي برمجياً، لتشغيل مختلف أشكال الأجهزة الذكية، بداية من المستشعرات والمكونات الدقيقة داخل الإلكترونيات، مروراً بالهواتف والساعات الذكية، وحتى السيارات الكهربائية، والتلفزيونات، والنظارات الذكية.
وأعلنت هواوي، في مؤتمرها للمطورين HDC 2023، العام الماضي، أن عدد الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيلها HarmonyOS تجاوز عتبة 900 مليون جهاز، تتنوع بين الهواتف، والساعات الذكية، والحواسيب الشخصية، وصولاً إلى السيارات الذكية، ومراكز البيانات الضخمة، وذلك على مدى عقد منذ إطلاقه.
كيف يعمل نظام هواوي HarmonyOS؟
طوَّرت هواوي نظام تشغيلها وفق 3 معايير رئيسية، الأول يتمثل في إمكانية تحقيق التكامل بين أجهزة هواوي المختلفة على مستوى طبقة نظام تشغيلها، إذ يمكن تحويل الأجهزة بتداخلها معاً إلى جهاز فائق يمكنه دمج إمكانيات الأجهزة المختلفة لتحقيق، وتلبية احتياجات المستخدم بشكل فوري، مع إمكانية مشاركة مكونات تلك الأجهزة وإمكانياتها بين بعضها البعض، فيصبح بإمكان المستخدم إنجاز المزيد عبر أجهزته بغض النظر عن الجهاز الذي يستخدمه منها.
المعيار الثاني يعتمد على خلق بيئة ثرية أمام المستخدمين، من خلال توفير بيئة برمجية سلسة، تسهل على المطورين كتابة أكواد تطبيقاتهم لمرة واحدة فقط، ومن ثم يمكن تشغيلها على جميع أجهزة هواوي، مما يخلق تجربة متناسقة لنفس التطبيق على مختلف أجهزة المستخدم.
أما المعيار الثالث لتطوير نظام تشغيل HarmonyOS فهو يعتمد على إمكانية تشغيل النظام حسب الطلب للأجهزة ذات القدرات المختلفة، وذلك بفضل تصميمه القائم على المكونات، حيث يستطيع HarmonyOS التكيّف مع أشكال الأجهزة المختلفة بناءً على قدراتها من جانب الموارد وخصائص الخدمات.
وكي تتمكن هواوي من الخروج بنظام تشغيلها الخاص سريعاً إلى السوق، اعتمدت في بداية تطويره على الكود المصدري المفتوح لنظام أندرويد، وكذلك على نواة برمجية بنظام لينكس، وذلك كي تتمكن من اجتذاب مستخدمي أندرويد بسهولة إلى هواتفها الجديدة بنظام تشغيلها الخاص، إذ كان بإمكان مستخدم هاتف هواوي بنظام HarmonyOS تثبيت تطبيقات أندرويد المفضلة على هاتفها بسهولة، عبر تثبيت ملف بصيغة Apk، وهي اختصار تسمية ملفات التطبيقات لتثبيتها على أندرويد Android Application Package.
ولكن مع وصول الإصدار الجديد من نظام تشغيل أجهزة هواوي HarmonyOS NEXT، والمنتظر وصوله رسمياً في أكتوبر، فإن الشركة الصينية تستعد لتغيير تجربة مستخدميها بشكل كامل، فلن يتمكنوا من تثبيت ملفات apk الخاصة بالتطبيقات، والمتاحة على الإنترنت، وسيكون منفذهم الوحيد للحصول على التطبيقات هو متجر هواوي الرسمي، ما يعكس تغييراً جذرياً في معمارية بناء نظام تشغيل هواوي.
معمارية النظام الجديد تعتمد على نواة برمجية أفضل، وأكثر فاعلية بثلاث مرات من لينكس، كما أنها مؤمّنة بالكامل، وتتيح إمكانية استخدام HarmonyOS NEXT على متن أجهزة، وتطبيقات تتطلب درجة عالية من الحماية، مثل تشغيل المزايا والتطبيقات على متن مراكز البيانات، والسيارات الذكية وغيرها.
الشركة نجحت في تحقيق، وإنجاز تطور تقني خلال 10 سنوات، بينما استغرقت الشركات الأوروبية الأميركية قرابة 30 عاماً لتحقيقه، على حد تصريحات "يو" في يونيو الماضي.
مزايا نظام HarmonyOS NEXT
وتحاول شركة هواوي تقديم تجربة مختلفة لمستخدمي أجهزتها، مع نظام تشغيل HarmonyOS NEXT، لتتمكن من منافسة ما تقدمه شركة أبل عبر أجهزتها الذكية.
مع النظام الجديد، ستقدم الشركة الصينية تجربة استمرارية الاستخدام Continuation، فبمجرد تقريب جهازين هواوي، ستظهر على شاشة الجهاز الآخر رسالة، يمكن للمستخدم الضغط عليها لمتابعة تجربته على الجهاز الجديد.
ويمكن أن يكون الجهازان من الهواتف أو الأجهزة اللوحية أو الحواسيب أو حتى السيارات الذكية، والأهم أن يكون الجهازين من هواوي، ويعملان بنظام تشغيلها الجديد، للاستمتاع بالميزة الجديدة.
تجربة متابعة الاستخدام تتوفر حالياً عبر بعض التطبيقات، مثل تطبيقات Amap وDingTalk وWPS، إذ يمكن على سبيل المثال نسخ الصور، أو النصوص بين جهازين بشكل سريع ومباشر بمجرد تجاورهما.
ركَّزت هواوي في نظامها الجديد على مواكبة تطور سوق الذكاء الاصطناعي عبر تقديم حزمة تطبيقاتها، وخدماتها الذكية Huawei Intelligence، في منافسة صريحة لنظام الذكاء الاصطناعي الشخصي من أبل، والذي يحمل اسم Apple Intelligence.
تضمنت المزايا الجديدة، خدمة AIGC، والتي تسمح للمستخدم بإمكانية تحرير الصور من حيث حذف عناصر غير مرغوبة، وإنشاء صور مرسومة بخط اليد، وبأسلوب الجرافيتي، وكذلك إمكانية تكبير حدود الصور عبر إضافة تفاصيل إليها.
كما تستخدم هواوي، الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمة Celia Voice، والتي تُمكن المصابين بمشكلات في النطق على التواصل بشكل أسهل، وأكثر سلاسة، من خلال استخدام مساعد هواوي "سيليا" لتحسين جودة صوت الشخص، وجعله أكثر وضوحاً، إلى جانب إمكانية تحويل الحديث المنطوق إلى نصوص مكتوبة.
حاولت الشركة الصينية أيضاً دعم المصابين بضعف البصر، أو فاقديه بشكل كامل، وذلك من خلال خدمة Celia Sees the World، والتي توفر للمستخدم وصفاً دقيقاً للصور المعروضة على شاشة هاتفه، أو كذلك من خلال ما تراه كاميرا الهاتف، وذلك سيكون مفيداً في مواقف عديدة، مثل الرغبة في معرفة محتويات الثلاجة، ومواضعها، وحتى التعرف على درجة نضارتها.
وزوَّدت شركة هواوي مساعدها الذكي "سيليا- Celia" أيضاً بالقدرة على إتمام المهام داخل تطبيقات الطرف الثالث المختلفة المثبتة على هواتف المستخدمين، ويشمل ذلك إمكانية الترجمة الفورية، والملء التلقائي الذكي لحقول النصوص، والتقاط الوجوه، والتعرف على المحتوى النصي للبطاقات، والالتقاط الفوري للنصوص، وتسهيل التفاعل معها على أي سطح حول المستخدم باستخدام الكاميرا، وغيرها.
ونقلت الشركة الصينية مساعدها الذكي، بتحديث ضخم، من كونه مساعد صوتي ذكي تقليدي Smart Assistant إلى عميل ذكي Intelligent Agent مبني بالكامل على نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد Pangu 5.0 LLM، بحيث أصبح قادراً على تحقيق هدف يتطلب إنجازه المرور بعدة خطوات، واتخاذها، وكل ذلك يحدث نيابة عن المستخدم.
وقدَّمت هواوي عدة إصدارات من نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي Pangu 5.0 LLM، فهناك إصدار مخصص للهواتف الذكية، وهو خفيف من حيث عدد المتغيرات، بينما الإصدار الثاني حجمه 90 مليار متغير، أما الثالث فهو إصدار أضخم يتضمن 230 مليار متغير، وهو موجه لقطاع الأعمال، بينما الإصدار الرابع والأخير فهو بحجم تريليون متغير.
النظام الجديد لن يكون للهواتف فقط، وإنما سيمتد أيضاً إلى حواسيب هواوي، إذ كشفت بعض الصور على موقع الشركة عن مزايا جوهرية سيقدمها النظام الجديد لحواسيب الشركة، مثل شريط مشابه لنظام ماك، وعدد من الأدوات التفاعلية.
وبشكل عام، فإن الواجهات تتسم ببساطة التصميم، إذ يتم عرض شريط الحالة في الزاوية العليا اليمنى، والذي يظهر المعلومات الأساسية مثل الوقت، ومستوى البطارية، واتصال الشبكة، ومستوى الصوت، وطريقة الإدخال من ماوس، ولوحة مفاتيح، كما تم تصميم الأيقونات بحيث تكون متباعدة لتحسين سهولة قراءة النصوص الظاهرة عليها.
ويعرض الشريط، الذي يوجد أسفل منتصف الشاشة، مجموعة من التطبيقات التي يداوم المستخدم على الاعتماد اليومي عليها، وتطبيقات النظام الرئيسية، ما يشير إلى تجربة مستخدم أبسط وأكثر سهولة مقارنةً بنظام windows.
HarmonyOS NEXT.. نظام عالمي
تسعى الشركة الصينية نحو الخروج بنظام تشغيلها HarmonyOS NEXT إلى ساحة المنافسة العالمية، بعد أن استطاعت العودة للمنافسة من جديد داخل السوق الصيني، ووصلت حصتها السوقية داخله إلى 15% في يوليو الماضي، فقد ارتفعت مبيعات هواتف هواوي بنسبة 41% إلى 10.4 مليون وحدة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة بالعام السابق، بحسب تقرير لمؤسسة "كاناليس" الإحصائية.
وأوضح مسؤولون في هواوي أن الشركة تستهدف الخروج بنظام تشغيلها إلى الأجهزة الذكية حول العالم قريباً، بمجرد أن تكون مستعدة لذلك، بحسب ما أعلنته الشركة خلال قمة هواوي للمحللين في أبريل الماضي.
وفقاً لإحصائيات StatCounter، فإن شركة هواوي خرجت من قائمة الشركات العشر الأعلى مبيعاً في سوق الهواتف العالمي منذ الربع الثاني من 2021 وحتى الآن.
ولكن قد يتغير هذا الأمر إذا استمرت هواوي في الاستثمار بنفس الحجم سنوياً في خلق بيئة مميزة للمستخدمين والمطورين، إذ وصلت استثماراتها إلى 6 مليارات يوان، أي ما يوازي 851 مليون دولار، وقد أثمر ذلك عن زيادة كبيرة في عدد التطبيقات المتاحة على متجر تطبيقاتها App Gallery وذلك تزامناً مع وصول HarmonyOS NEXT، والذي سيحظر تثبيت تطبيقات أندرويد بالكامل على متن هواتف الشركة.
هواوي تنهي عصر حواسيبها العاملة بنظام Windows
وأعلنت شركة هواوي الصينية، أن أجهزة الحاسوب التي تنتجها حالياً، ستكون آخر الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل Windows التابع لشركة مايكروسوفت، وستعمل الأجهزة المقرر إنتاجها مستقبلاً بنظام التشغيل الخاص بالشركة HarmonyOS.
وقال رئيس مجموعة الأعمال الاستهلاكية في الشركة يو تشنج دونج، في مقابلة أُجريت، الجمعة، وانتشر مقطع منها على شبكة ويبو الصينية، إن النسخة القادمة من نظام HarmonyOS، طورتها الشركة بالكامل، موضحاً أنها تتميز بنواة جديدة كلياً بُنيت دون الاعتماد على نظام Linux، ولن تكون قادرة على تشغيل تطبيقات Android.