مع سعي جوجل إلى صدارة سوق البحث الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، قفزت أسهم الشركة هذا الشهر إلى مستوى قياسي مرتفع مع تهدئة الانتقادات بشأن تأخرها عن المنافسين، حسبما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وعلى مدار شهر ديسمبر الجاري، أثارت جوجل إعجاب المستثمرين بإصدارات أكثر تطوراً من نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تسمى Gemini 2.0، والتي تغلبت على المنافسين في اختبارات المعايير.
وفي سلسلة من الإصدارات المنسقة، كشفت الشركة أيضاً عن جيل جديد من شريحة تسريع الذكاء الاصطناعي المخصصة لها - وحدة معالجة Tensor (TPU) تسمى Trillium - والتي تهدف إلى تحدي احتكار Nvidia النسبي للسوق.
وأضافت جوجل أيضاً القدرة على التصرف نيابة عن المستخدمين وتجميع تقارير بحثية معقدة، ضمن مشروع Mariner، والإجابة على الاستفسارات في الوقت الفعلي عبر النص والفيديو والصوت (مشروع Astra) بما في ذلك عبر النظارات الذكية. وأطلقت الشركة نماذج لتوليد الفيديو والصور تسمى Veo 2 و Imagen 3.
"وتيرة متسارعة"
وقال إيثان موليك، أستاذ في كلية وارتون للأعمال ومؤلف كتاب عن التكنولوجيا، واصفاً إصدارات جوجل، وخاصة Veo 2، بأنها "مذهلة"، وأضاف للصحيفة: "لقد غير الشهر الماضي حالة الذكاء الاصطناعي، إذ تسارعت وتيرة التقدم بشكل كبير في الأسبوع الماضي فقط".
بالإضافة إلى ذلك، أكدت جوجل الأسبوع الماضي، تقدمها في الحوسبة الكمومية بشريحة تسمى Willow. يمكنها إبقاء "الكيوبتات" مستقرة لفترة أطول، مما يقلل من الأخطاء ويسمح لها بإجراء حسابات مفيدة.
وتزعم الشركة أنها تستطيع إكمال المهام في 5 دقائق والتي تستغرق أجهزة الكمبيوتر العملاقة التقليدية 10 سبتلييون سنة، لكن هذه التكنولوجيا لا تزال على بعد سنوات من التسويق التجاري.
وفي اعتراف آخر بتفوقها في مجال البحث العلمي، تقاسم السير ديميس هاسابيس، مؤسس مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي التابع لشركة جوجل DeepMind وزميله جون جامبر جائزة نوبل في الكيمياء في أكتوبر لتوقعهما بنية كل بروتين معروف باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي المعروف باسم AlphaFold.
وساعد هذا التقدم التكنولوجي، إلى جانب تسجيل ثلاثة أرباع متتالية من نمو الأرباح بأرقام مزدوجة، في إحياء سعر سهم الشركة الأم "ألفابت" Alphabet.
وارتفع السهم بنسبة 38% هذا العام، ولامس لفترة وجيزة أعلى مستوى قياسي عند 199.91 دولاراً هذا الأسبوع، مما منحه قيمة سوقية تبلغ 2.3 تريليون دولار. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة بقيمة تريليون دولار مع مايكروسوفت، حسبما أشارت "فاينانشيال تايمز".
ومنذ إصدار نموذج الذكاء الاصطناعي ChatGPT في أواخر عام 2022، بدا أن Google أهدرت ميزتها المبكرة في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد احتضان البحث الأساسي، وخاصة عندما دخلت منافستها اللدودة Microsoft في شراكة مع OpenAI. إذ استغرق الأمر من Google عاماً لإصدار نسختها المماثلة، Gemini.
جوجل تتدارك تأخرها
وقالت تيفاني هسيا، مديرة محفظة الأسهم الأميركية في AllianceBernstein، وهي مساهم في الشركة للصحيفة: "كانت Alphabet تحت المجهر منذ إصدار ChatGPT"، وأضافت: "يمنح Gemini 2.0 والشريحة الكمومية المستثمرين ثقة متجددة بأنهم من القوى التكنولوجية الرائدة".
وفي إشارة إلى تنامي الثقة، تحدى الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي، الذي واجه بعضاً من أقسى الانتقادات في فترة ولايته التي استمرت تسع سنوات بسبب بطء عمليات طرح الذكاء الاصطناعي في الربيع، نظيره في مايكروسوفت، ساتيا ناديلا.
وفي حين تستعرض الشركة قدراتها التكنولوجية، يتعين عليها أن تتوصل إلى كيفية دمج هذه الابتكارات في تطبيقاتها الاستهلاكية والتجارية دون خنق إبداع مهندسيها.
وقالت "فاينانشيال تايمز"، إن بيتشاي سعى بثبات إلى دمج الذكاء الاصطناعي في محرك البحث الخاص بجوجل، في حين كان بحاجة إلى تهدئة المستثمرين القلقين من أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تلتهم أرباح الإعلانات.
ولا تزال شركة البحث العملاقة تسيطر على 90% من السوق، ولكن لأول مرة منذ عقود تواجه منافسة حقيقية من المنتجات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من قبل مجموعات بما في ذلك OpenAI و Anthropic و Perplexity والتي يمكن أن توفر إجابات شاملة بدلاً من الروابط.
وكان حل Google حتى الآن هو AI Overviews، وهي إجابات موجزة للاستفسارات في أعلى صفحة نتائجها. وقال المسؤولون التنفيذيون إن الميزة تحظى بشعبية، لكن الأدلة المبكرة تشير إلى أن المستخدمين ينقرون على إعلانات Overview بمعدل أقل بنسبة 8% على أساس سنوي في الربع الثالث، وفقاً لبحث أجرته منصة الإعلان Skai.
تحديات
لا تزال هناك تهديدات أخرى، فبعد خسارة قضية كبيرة تتعلق بمكافحة الاحتكار، استهدفت ذراع البحث في الشركة في أغسطس، تسعى وزارة العدل إلى فرض بيع متصفح Chrome الخاص بها، وإلغاء عقد حصري ليكون محرك البحث الافتراضي لشركة أبل ومشاركة مجموعة بيانات المستخدم التي تدعم خوارزميات ترتيب صفحات الويب الخاصة بشركة Google، وأنظمة استهداف الإعلانات وتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي.
وتنتظر الشركة نتائج محاكمة احتكارية أخرى في الولايات المتحدة تركز على أعمالها في مجال تكنولوجيا الإعلانات، قد تؤدي إلى فقدان مصدر الإيرادات الأساسي الآخر لشركة Alphabet.
وأشارت الصحيفة إلى خطر محتمل آخر يتمثل في إيلون ماسك. إذ يرتبط أغنى رجل في العالم بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بعلاقة وثيقة، بعد أن أنفق 250 مليون دولار لمساعدته في الفوز بالانتخابات الأميركية الشهر الماضي، واكتسب القوة للتأثير على تنظيم الذكاء الاصطناعي وإنفاذ مكافحة الاحتكار.
كما قامت شركة ماسك الناشئة xAI ببناء أكبر حاسوب عملاق في العالم في ممفيس بولاية تينيسي في وقت قياسي. وقد أطلقت عليه اسم Colossus، وقد ربطت 100 ألف وحدة معالجة رسوميات متطورة من Nvidia، ولديها خطط لتوسيع مركز البيانات بمقدار 10 أضعاف إلى مليون شريحة، وهو ما من شأنه أن يساعد روبوت الدردشة Grok التابع لشركة xAI على اللحاق بالمنافسة في عام 2025.
وتقول هسيا من صندوق AllianceBernstein: "يبدو أن سوندار أكثر ثقة الآن. وبما أن فلسفة جوجل تتلخص في السعي إلى الكمال، فقد نشهد إطلاق منتجات بوتيرة أكثر دقة وحساباً، ولكن ينبغي لنا أن نتحلى بقدر كبير من الصبر في هذا الصدد".