خلال اليومين الماضيين، انقلب العالم رأساً على عقب. خسرت أسهم التكنولوجيا الأميركية تريليون دولار، ولم تعد الولايات المتحدة الوصي الوحيد للذكاء الاصطناعي، كل هذا بسبب مختبر أبحاث صغير للذكاء الاصطناعي في الصين، هزّ وادي السيليكون وواشنطن، مما حوّل مؤسّسه الصيني المغمور إلى "بطل قومي" تحدّى محاولات الولايات المتحدة لوقف طموحات بكين التكنولوجية الفائقة.
ليانج وينفينج، الذي أطلق مشروعه DeepSeek قبل عامين فقط، أصبح اليوم منافساً قوياً لـ OpenAI وربما مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة، متحدياً بذلك هيمنة الولايات المتحدة في التكنولوجيا.
وأحدث DeepSeek ضجة كبيرة في مجتمع الذكاء الاصطناعي بإطلاقه نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر R1، والذي تقول الشركة إنه ينافس نموذج o1 الخاص بشركة OpenAI في الأداء "عبر مهام الرياضيات والترميز والمنطق"، مع استخدام جزء بسيط من قوة الحوسبة.
من صناديق التحوط إلى الذكاء الاصطناعي
وُلد وينفينج في عام 1985 في مدينة تشانجيانج (وهي مدينة من الدرجة الخامسة بحسب تنصيف Yicai.com) بمقاطعة قوانجدونج في أقصى جنوب الصين.
نشأ وينفينج في عائلة ذات خلفية تعليمية، كان والده مدرساً في المدرسة الابتدائية، مما شكل مساره المستقبلي. بعد إكمال تعليمه في جامعة تشجيانج، حصل على درجة البكالوريوس في هندسة المعلومات الإلكترونية في عام 2007. ثم حصل على درجة الماجستير في هندسة المعلومات والاتصالات في عام 2010. وركزت أطروحته للماجستير على "تحليل الخوازميات"، وفق موقع Businessinsider.
انطلقت رحلة وينفينج الرّيادية خلال سنوات دراسته الجامعية عندما بدأ هو ومجموعة من زملائه في جمع البيانات المتعلقة بالأسواق المالية في عام 2008. وكان ذلك خلال ذروة الأزمة المالية في عامي 2007 و2008. واستكشفوا معاً إمكانات التداول الكمّي باستخدام التعلم الآلي وغيره من التقنيات.
بعد تخرجه، انتقل وينفينج إلى شقة متواضعة في تشنجدو، في مقاطعة سيتشوان، حيث ركز على تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة. وعلى الرغم من الإخفاقات المبكرة، فقد وجد اختراقه عندما طبق الذكاء الاصطناعي على التمويل، مما وضع الأساس لمشاريعه المستقبلية.
في عام 2015، شارك وينفنج في تأسيس High-Flyer، وهو صندوق تحوط كمي، إلى جانب زميلين له من جامعة تشجيانج. وفق موقعه على الإنترنت، تمكن الصندوق، الذي استخدم الرياضيات والذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الاستثمار، من إدارة أكثر من 10 مليارات دولار من الأصول بحلول عام 2019.
بدأ انتقال وينفنج من التمويل إلى الذكاء الاصطناعي خلال فترة عمله في High-Flyer. في عام 2021، بدأ في شراء وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا لبناء مجموعة ضخمة من 10 آلاف شريحة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من وصفه من قبل زملائه بأنه "رجل غريب الأطوار للغاية ذو تسريحة شعر رهيبة"، إلا أن رؤية وينفنج الطموحة وضعت الأساس لما سيصبح DeepSeek.
ميلاد DeepSeek
في مايو 2023، أطلق وينفنج DeepSeek كفرع من صندوق High-Flyer، الذي يواصل تمويل مختبر الذكاء الاصطناعي. اكتسبت DeepSeek اهتماماً سريعاً مع إصدار نموذجها V3 في أواخر عام 2024. وفي ورقة بحثية نُشرت في ديسمبر، كشفت الشركة أنها دربت النموذج باستخدام 2000 شريحة Nvidia H800 بتكلفة تقل عن 6 ملايين دولار، وهو جزء بسيط مما ينفقه منافسوها عادة، وفق "فاينانشيال تايمز".
وقال وينفنج في مقابلة مع وسائل إعلام محلية نشرت في عام 2024 إن "مبدأنا الرئيسي في DeepSeek ليس البيع بخسارة، ولا السعي لتحقيق أرباح مفرطة". وأضاف أن الشركة "لن تتجه إلى المصدر المغلق"، مضيفاً: "نعتقد أن إنشاء نظام بيئي قوي للتكنولوجيا هو أكثر أهمية".
واعتبر وينفنج أن صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين كانت تحاول اللحاق بالولايات المتحدة، ويريد من DeepSeek تغيير ذلك.
وتابع قائلاً: "نعتقد أن الذكاء الاصطناعي في الصين لا يمكن أن يظل تابعاً إلى الأبد. غالباً ما نقول إن هناك فجوة لمدة عام أو عامين بين الذكاء الاصطناعي الصيني والأميركي، لكن الفجوة الحقيقية هي بين الأصالة والتقليد". وأضاف: "إذا لم يتغير هذا، فستظل الصين تابعة دائماً".
ويُظهر ملف تعريف شركة DeepSeek على موقع "لينكد إن"، أن الشركة لديها فريق مكون من أقل من 10 أشخاص. وقد، تم استقطاب أحد الأعضاء من شركة شاومي للعمل في تطوير الذكاء الاصطناعي في ديسمبر 2024.
أهم المحطات
في 30 أغسطس 2019، ألقى وينفنج خطاباً رئيسياً بعنوان "مستقبل الاستثمار الكمي في الصين من منظور المبرمج" في حفل توزيع جوائز Golden Bull.
أثار خطابه نقاشاً واسع النطاق، إذ أكد أن الاختبار الحقيقي للاستثمار الكمي هو ما إذا كانت القرارات مدفوعة بالخوارزميات أو التدخل البشري. وقد لاقى إيمان وينفنج بقوة الذكاء الاصطناعي في تحويل السوق الثانوية في الصين صدى لدى العديد من العاملين في الصناعة.
ويعتقد وينفنج أن الصين لا تستطيع أن تظل تابعة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى الأبد. وفي المقابلات، يؤكد على ضرورة تحول الصين من التقليد إلى الأصالة وبناء نظامها البيئي التكنولوجي الخاص.
فخر صيني
وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، أشارت إلى أن وينفينج البالغ من 40 عاماً، شارك في اجتماع معلن لرجال الأعمال، عقده ثاني أقوى زعيم في البلاد، لي تشيانج خلال الأسبوع الماضي، حيث قدمت مجموعة مختارة من خبراء الصناعة في مجالات التكنولوجيا والتعليم والعلوم والثقافة والصحة والرياضة، لرئيس الوزراء الصيني آراءها ومقترحاتها بشأن مسودة تقرير عمل الحكومة.
وقال أحد شركاء وينفنج التجاريين لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "عندما قابلناه لأول مرة، كان هذا الرجل الغريب للغاية ذو تسريحة شعر رهيبة يتحدث عن بناء مجموعة مكونة من 10 آلاف شريحة لتدريب نماذجه الخاصة. لم نأخذه على محمل الجد".
وأضاف: "لم يكن لديه الكثير ليقوله عن رؤيته، باستثناء أنه كان يبني شيئاً سيغير قواعد اللعبة، اعتقدنا أن هذا ممكن فقط من عمالقة مثل ByteDance و Alibaba".
وقال أحد المؤسسين في شركة منافسة في مجال LLM: "لقد بنى وينفنج فريقاً استثنائياً للبنية الأساسية يفهم حقاً كيفية عمل الرقائق. لقد أخذ معه أفضل الأشخاص من صندوق التحوط إلى DeepSeek".
وقد وصف وينفنج شركة DeepSeek بأنها شركة "محلية" فريدة من نوعها، حيث يعمل بها حاملو الدكتوراه من أفضل المدارس الصينية، وجامعات بكين وتسينجهوا وبيهانج بدلاً من الخبراء من المؤسسات الأميركية.
في مقابلة مع الصحافة المحلية، العام الماضي، قال إن فريقه الأساسي "لم يكن يضم أشخاصاً عادوا من الخارج. كلهم محليون.. يتعين علينا تطوير أفضل المواهب بأنفسنا".