
تعمل شركة أبل حالياً على تنفيذ واحد من أكبر التحديثات البرمجية في تاريخها، إذ تخطط لإعادة تصميم شاملة لأنظمة التشغيل الخاصة بها، والتي تشمل iOS وiPadOS وmacOS.
ولا تقتصر هذه التغييرات على تحسينات سطحية في المظهر، بل تمتد لتشمل تعديلات جوهرية في طريقة تفاعل المستخدمين مع أجهزتهم، مما سيؤثر على تجربة الاستخدام لسنوات قادمة.
وتُعد هذه الخطوة مجازفة كبيرة بالنسبة لـ"أبل"، خاصة أنها تمتلك حالياً أكثر من ملياري جهاز نشط تعمل بهذه الأنظمة. وعلى الرغم من المخاطر المحتملة المترتبة على تغيير واجهة المستخدم بشكل كبير، فإن المسؤولين التنفيذيين في أبل واثقون من أن التصميم الجديد سينال استحسان المستخدمين، بحسب "بلومبرغ".
لكن التحدي الكبير الذي يواجه الشركة هو إيجاد تصميم يجمع بين تلبية توقعات المستخدمين الحاليين، وبين جذب عملاء جدد خلال السنوات المقبلة.
التغيير الأكبر منذ 20 عاماً
على مدار العقدين الماضيين، شهد نظام التشغيل iOS تطورات وتحسينات مستمرة، إلا أن المظهر الأساسي للنظام لا يزال متأثراً بالرؤية التي قدمها ستيف جوبز عند إطلاقه لأول مرة عام 2007.
على الجانب الآخر، خضع macOS لإعادة تصميم شاملة مرتين خلال العقد الماضي، الأولى مع تحديث Yosemite والثانية مع تحديث Big Sur، إلا أنه لا يزال يحتفظ بروح نظام Mac OS X الذي تم تقديمه قبل نحو 25 عاماً.
ومن المقرر أن يتبنى التحديث الجديد مبادئ التصميم التي تم تقديمها لأول مرة مع نظام visionOS، وهو نظام التشغيل الخاص بنظارة الواقع المختلط Apple Vision Pro.
وسيشمل هذا التغيير زيادة مستويات الشفافية في التصميم، وإدخال أنواع جديدة من النوافذ والأزرار الدائرية، مما سيجعل تجربة المستخدم عبر جميع أجهزة أبل أكثر تناسقاً وانسجاماً.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن التحديث المرتقب، الذي من المتوقع إصداره في وقت لاحق من هذا العام، لن يكون مجرد تعديل تجميلي، بل سيتضمن إعادة تصميم كاملة لشكل النظام وطريقة عمله، حيث سيشمل تحديثات في أسلوب تصميم الأيقونات، والقوائم، والتطبيقات، والنوافذ وأزرار النظام، إلى جانب تبسيط عملية التنقل بين التطبيقات والتحكم في الجهاز.
تهدف أبل من خلال هذا التحديث إلى تحفيز الطلب على أجهزتها بعد فترة من التباطؤ في الإيرادات، والتي جاءت نتيجة مباشرة لانخفاض الإنفاق التقني بعد الارتفاع الكبير في المبيعات خلال جائحة فيروس كورونا.
وبحسب التقارير المالية الأخيرة، فقد سجلت مبيعات آيفون انخفاضاً مفاجئاً خلال موسم العطلات الأخير، وهو ما دفع الشركة إلى البحث عن تغييرات تعيد تحفيز السوق من جديد.
يحمل الإصدار القادم من iOS 19 وiPadOS 19 الاسم الكودي (Luck)، بينما أُطلق على macOS 16 الاسم الكودي (Cheer).
وتتجاوز هذه التحديثات مجرد تعديلات تجميلية أو تحسينات طفيفة، إذ تُمثّل أكبر تحديث لنظام macOS منذ إطلاق Big Sur عام 2020، وأضخم تغيير لنظام iOS منذ التحديث الجذري الذي شهده النظام مع iOS 7 عام 2013.
توحيد التصميم
تسعى أبل من خلال هذه التغييرات إلى توحيد التصميم العام لأنظمة التشغيل الخاصة بها، حيث توجد حالياً اختلافات كبيرة بين iOS وmacOS وvisionOS، وهو ما قد يجعل الانتقال بين الأجهزة المختلفة تجربة غير سلسة للمستخدمين.
تهدف الشركة إلى جعل تجربة الاستخدام أكثر تناسقاً وسلاسة، بحيث يشعر المستخدم أن جميع أجهزة أبل تعتمد لغة تصميم موحدة.
لكن على الرغم من هذا التوجه نحو توحيد التصميم، فإن أبل لا تخطط لدمج أنظمتها التشغيلية كما فعلت بعض الشركات المنافسة، فلا يزال لديها قناعة بأن الفصل بين macOS وiPadOS يوفر لكل منهما مزايا فريدة، مما يدفع المستهلكين إلى شراء أكثر من جهاز بدلاً من الاعتماد على جهاز واحد يجمع بين وظائف الاثنين.
واجهات أكثر طبيعية
يأتي هذا التحديث في وقت لا تزال فيه أبل تكافح لجذب المستخدمين إلى نظارة Vision Pro، التي لم تحقق حتى الآن مبيعات قوية منذ إطلاقها العام الماضي.
ومع ذلك، فإن نظام تشغيل visionOS الذي تعتمد عليه النظارة يتضمن بعض الابتكارات التصميمية المهمة التي سيتم دمجها في الأنظمة الأخرى، مثل استخدام أيقونات دائرية بدلاً من الأيقونات المربعة التقليدية، وتصميم جديد للنوافذ يجعلها أكثر بساطة وانسيابية، مع إضافة لوحات شفافة تسهل التنقل بين التطبيقات والخيارات المختلفة، بجانب زيادة استخدام العمق ثلاثي الأبعاد والظلال، مما يمنح تجربة استخدام أكثر حيوية.
ومع ذلك، فإن بعض مميزات visionOS، مثل التحكم عبر الإيماءات اليدوية، لن يتم تطبيقها في أنظمة iOS وmacOS؛ نظراً لاختلاف طبيعة الاستخدام بين أجهزة أبل المحمولة والمكتبية.
تغييرات مثيرة للجدل
تدرك أبل أن أي تغيير جذري في أنظمتها التشغيلية يمكن أن يواجه مقاومة من بعض المستخدمين، خاصة أن أجهزة الشركة تُستخدم يومياً من قِبَل مئات الملايين من الأشخاص حول العالم لأغراض العمل والتواصل والترفيه.
وحتى عند إجراء تغييرات طفيفة، كما حدث مع إعادة تصميم تطبيق الصور (Photos) في العام الماضي، واجهت الشركة ردود فعل سلبية من المستخدمين الذين لم يكونوا راضين عن التعديلات الجديدة.
لكن مع هذا التحديث الضخم، فإن المخاطر ستكون أكبر بكثير، حيث إن أبل لا تقوم فقط بتغيير تصميم تطبيق واحد، بل تقوم بإعادة تصميم أنظمة التشغيل بالكامل، مما قد يجعل بعض المستخدمين يجدون صعوبة في التأقلم مع الواجهة الجديدة.