
في ظل طول فترات انتظار الربط بالشبكات الكهربائية ونقص الإمدادات، لجأ مطورو مراكز البيانات إلى محركات الطائرات والمولدات التي تعمل بالوقود لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الذي تفرضه أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤدي إلى تأخير الاعتماد على المصادر الأرخص والأكثر استدامة، حسبما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وأفاد مصنّعو التوربينات المشتقة من محركات الطائرات، والتي تعتمد على محركات الطائرات النفاثة من حيث هندستها، وموردو مولدات الديزل، بزيادة الطلب بسبب سعي مراكز البيانات إلى تجاوز الاعتماد على شبكات الكهرباء التقليدية في انتظار توفر توربينات غازية أكبر.
ويقول كاسباراس سبوكاس، مدير برنامج الكهرباء في شركة Clean Air Task Force: "الحوافز أكبر من أي وقت مضى لأي نوع من التكنولوجيا التي يمكنها توفير الطاقة".
ويتزايد الطلب على الطاقة في مواقع مراكز البيانات التي تتسابق عمالقة التكنولوجيا على تأسيسها، حيث تواجه هذه المراكز فترات انتظار تصل إلى سبع سنوات لربطها بشبكات الكهرباء التقليدية، فضلاً عن ردود فعل سلبية بشأن تأثيرها على فواتير الخدمات بالنسبة للمستهلكين العاديين.
ومن خلال الاعتماد على مصادر طاقة مثل التوربينات والمولدات المشتقة من محركات الطائرات، يستطيع مطورو البرمجيات تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي وتدريبها دون الحاجة الفورية إلى ربطها بشبكات الكهرباء.
طلب متزايد
وتُزوّد شركة GE Vernova شركة Crusoe، المتخصصة في تطوير مراكز البيانات، بتوربينات مشتقة من محركات الطائرات، ويُتوقع أن تُنتج ما يقارب 1 جيجاوات من الطاقة لمركز بيانات Stargate التابع لشركات OpenAI وOracle وSoftBank في تكساس.
وأبلغ كين باركس، المدير المالي لشركة GE Vernova، المستثمرين في ديسمبر، أن الشركة تشهد "طلباً متزايداً" على توربيناتها المشتقة من محركات الطائرات ووحدات الغاز الأصغر حجماً، والتي "تُستخدم كمصدر طاقة مؤقت لتلبية احتياجات مراكز البيانات".
وارتفعت طلبات الشركة على توربيناتها المشتقة من محركات الطائرات بمقدار الثلث في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2025 مقارنةً بالعام السابق.
وباعت شركة ProEnergy أكثر من 1 جيجاوات من توربينات الغاز التي تبلغ قدرتها 50 ميجاوات، التي تعمل بتقنية منقولة من محركات الطائرات النفاثة. وبينما تتجه الشركة بشكل أكبر نحو إعادة هندسة القطع لتتماشى مع الطريقة الجديدة في الاستخدام، فإنها تعتمد أيضاً على محركات CF6-80C2، الموجودة في طائرات بوينج 747.
ويقول أندرو جيلبرت، الشريك في شركة Energy Capital Partners، المستثمر الرئيسي في ProEnergy Holdings: "بإمكاننا التسليم بشكل أسرع من كبرى شركات تصنيع المعدات الأصلية. كما أن القدرة على توفير بضع مئات من الميغاواط للبدء، ثم التوسع تدريجياً، أمرٌ مفيدٌ للغاية".
وتتجه قطاعات من الاقتصاد، تبدو وكأنها خارج نطاق طفرة الذكاء الاصطناعي، نحو قطاع الطاقة لزيادة إيراداتها.
محركات الطائرات النفاثة
وأعلنت شركة Boom Supersonic الناشئة في مجال الطيران، والمدعومة من سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، عن صفقة لبيع توربينات لشركة Crusoe، من المتوقع أن توفر 1.2 جيجاوات من الطاقة، وهي "مطابقة تقريباً" لتلك المصنعة لطائراتها النفاثة.
وتعتزم Boom Supersonic استخدام عائدات توربينات الطاقة لتمويل أعمالها في مجال الطائرات النفاثة.
وصرح الرئيس التنفيذي، بليك شول، لصحيفة "فايننشال تايمز": "قبل ثلاث أو أربع سنوات، كنت أتصور أننا سنركز على الطائرات أولًا، ثم الطاقة ثانياً (..) لكنني تلقيت اتصالاً من سام ألتمان قال فيه: 'أرجوك، أرجوك، أرجوك، اصنع لنا شيئاً".
ويتزايد استخدام المولدات التي تعمل بالديزل والغاز. وباعت شركة Cummins المصنّعة أكثر من 39 جيجاوات من الطاقة لمراكز البيانات، حيث تقترب من مضاعفة طاقتها الإنتاجية هذا العام.
وبينما تستخدم مراكز البيانات المولدات عادةً كمصادر احتياطية للطاقة، تقول بوليت كارتر، المديرة التنفيذية لمراكز البيانات في Cummins، إن الشركة تشهد "اهتماماً متزايداً بتوفير الطاقة الأساسية في مواقع العمل".
واقترح وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، استخدام مولدات الطاقة الاحتياطية الموجودة لتعزيز الشبكة، وقال لشبكة "فوكس نيوز" في نوفمبر الماضي: "سنستخدم مولدات الطاقة الاحتياطية الموجودة في مراكز البيانات أو حتى خلف متاجر وول مارت، ونشغلها عند الحاجة إلى إنتاج إضافي للكهرباء".
وأثار استخدام المولدات مخاوف بشأن الانبعاثات، نظراً لأن مصادر الطاقة الأصغر حجماً تميل إلى أن تكون أقل كفاءة.
تخفيف القيود
وبينما تضع الهيئات التنظيمية المحلية والفيدرالية الأميركية، قيوداً على استخدام مولدات الطاقة الاحتياطية، يجري تخفيف هذه القيود استجابةً لطلب مراكز البيانات. ففي ولاية فرجينيا، حيث يقع "ممر مراكز البيانات"، تدرس إدارة جودة البيئة السماح لمراكز البيانات بتشغيل مولدات الديزل بشكل أكبر، بينما صرحت وكالة حماية البيئة، بأن مراكز البيانات يمكنها استخدام المولدات للحفاظ على استقرار الطاقة.
ويقول مارك دايسون، المدير الإداري لقطاع الكهرباء في معهد روكي ماونتن: "في معظم الحالات، أتوقع أن تكون الانبعاثات أسوأ بكثير بالنسبة لمراكز البيانات التي تعمل بالطاقة الأحفورية المولدة في الموقع، مقارنةً بالحصول على الطاقة من الشبكة باستخدام مولدات الغاز عالية الكفاءة ومصادر الطاقة المتجددة".
مع ذلك، من المرجح أن تكون تكلفة الطاقة المولدة في الموقع أعلى من تكلفة التوصيل المباشر بشبكة الكهرباء، لأن هذه الترتيبات لا تستفيد من وفورات الحجم التي تتمتع بها شركات المرافق.
وقام محللون في بنك BNP Paribas بوضع نموذج لسعر الطاقة في محطة غاز تابعة لمركز البيانات، تقوم شركة "ويليامز" ببنائها في ولاية أوهايو، والتي ستكون شركة "ميتا" من عملائها. وكانت النتيجة 175 دولاراً لكل ميجاوات في الساعة، أي ما يقارب ضعف متوسط تكلفة الكهرباء للعملاء الصناعيين.
قد يهدأ التنافس المحموم على الطاقة عندما تُخفّض الشركات العملاقة في مجال الحوسبة السحابية إنفاقها الرأسمالي.
وفي هذا الصدد، قال مارك أكسفورد من شركة أكسفورد توربين للاستشارات: "نشهد سوقاً قوياً للغاية حالياً، لكن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد".










