تبحث روسيا مجدداً إمكانية إطلاق مشروعها الخاص لـ"إنترنت آمن"، فيما يبدو أنها محاولة جديدة من موسكو للابتعاد عن الغرب واعتمادها التقني عليه.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فيدوموستي" الروسية، تعتزم السلطات الروسية تدشين مشروع تجريبي للإنترنت الآمن قبل نهاية العام الجاري والذي سيكون متاحاً فقط من خلال الرمز الرقمي الخاص وجواز السفر.
ومن المتوقع أن يتمكن المستخدم الروسي عبر الشبكة الجديدة من الوصول إلى المواقع والخدمات الآمنة فقط التي تتطابق بشكل كامل مع التشريعات الروسية.
"إنترنت آمن"
وفي تصريحات خاصة لـ"الشرق" قال أندريه سفينتسوف، نائب رئيس لجنة مجلس الدوما لسياسة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، إن الفكرة الأساسية تكمن في المقام الأول بأن مقترح الوصول إلى الجزء المحمي من الإنترنت عن طريق استخدام رمز رقمي خاص "هو قرار طوعي"، إذ أن الوصول إلى شبكة الإنترنت الدولية سيظل متاحاً لعموم المستخدمين داخل روسيا.
وأضاف سفينتسوف أن ذلك الجزء من الإنترنت "يمكن استخدامه من قبل الذين يخشون التعرض للاحتيال على الشبكة العنكبوتية".
وأقرب مثال على ذلك هو استخدام الأطفال للإنترنت. وعند الدخول إلى دائرة آمنة للإنترنت الروسي، يمكن إجراء عمليات شراء بأمان عبر الموقع، وإدخال بيانات الدفع، والتأكد من عدم سرقتها.
وتابع: "كما ستمنع مراقبة المواطن من قبل الهياكل التجارية وتحليل سلوكه على الشبكة لأغراض الدعاية، ما يعني حماية بياناته. وأنا على ثقة بأن الكثيرين سيكونون سعداء بمثل هذه الظروف لاستخدام الإنترنت الروسي".
وأردف سفينتسوف: "سيتم استخدام شبكة الإنترنت الآمنة من قبل كبار السن أيضاً، أو الأشخاص غير المحترفين في التعامل مع التقنيات الحديثة ، أو موظفي الوكالات الحكومية".
تشكيك الخبراء
شكك بعض الخبراء في نجاح هذا المشروع، حيث قال دينيس كوسكوف، المدير العام لوكالة "تيليكوم دايلي" الروسية، إن البنية التقنية التحتية في روسيا لا تسمح بتنفيذ هذا المشروع حالياً.
وأضاف كوسكوف لـ"الشرق"، أن "المستخدمين لن يسعدوا بمثل هذه المراقبة" من قبل الجهة المنظمة.
ولفت الخبير الروسي المتخصص في أمن المعلومات إلى أن "فتح شبكة الإنترنت الروسية الآمن من دول أجنبية ستتخلله مشكلات"، إذ أن المستخدم سيواجه تحديات في توفير السرعة المطلوبة لاستخدام الإنترنت الآمن، ما سيعرقل وصوله إلى الشبكة.
تجارب سابقة
وفي إطار تغطية هذه المسألة لجأت بعض الصحف الروسية إلى مقارنة تجربة موسكو مع تجارب عواصم أخرى، مثل بيونج يانج، حيث تم إنشاء شبكة داخلية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في عام 2000 للشعب الكوري.
وفي التجربة الكورية يمكن للأشخاص الوصول إلى الشبكة وفقاً لخطط ذات تعريفات مختلفة، ومستويات اشتراك متنوعة. إذ يتيح ذلك قراءة الصحف الإخبارية بحد أدنى، ويتم تحميلها بدون صور، أو يمكن اختيار اشتراك أكثر تكلفة يسمح باستلام رسائل نصية مدعمة بالصور.
ولا توجد شبكات اجتماعية في كوريا الشمالية رغم وجود محاولات لإطلاقها، فقد تم اختبار شبكة "ستاركوم" الاجتماعية، لكنها لم تنتشر، ولا يتمتع الأناس العاديون بفرصة التواصل مع الدول الأخرى عبر إنترنت. ليبقى الوصول إلى الشبكة العالمية حكراً على مؤسسات الدولة والسياسيين.
أما التجربة الصينية، فقد اتبعت نموذجاً مختلفاً لتنظيم الإنترنت، يتمثل في إنشاء نظام الرقابة، والذي يسمى حول العالم بـ"جدار الحماية العظيم للصين". في حين تطلق عليه بكين اسم "الدرع الذهبي".
ويتمثل نظام الرقابة الصيني في مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية التي تفرضها بكين لتنظيم وصول محلي إلى شبكة الإنترنت، وهي جزء من عملية رقابة الإنترنت في البلاد التي تهدف إلى حجب عدد من المواقع الأجنبية ومراقبة حركة البيانات من وإلى الإنترنت، وقد بدأ العمل عليه في 1998، ودخل حيز التنفيذ في عام 2003.
رفض عام
يُذكر أن التجربة الجديدة ليست الأولى لموسكو مع إنشاء شبكتها الإلكترونية الخاصة، ففي 2019 دشنت روسيا مشروع "Runet" التجريبي، أي "الإنترنت الروسي"، والذي كان يهدف إلى إنشاء شبكة إنترنت محلية مستقلة عن الشبكة العالمية، تُدار من خلال معدات يتم تثبيتها لدى مزودي الإنترنت الروس، تُمكن الجهات المعنية من السيطرة على حركة البيانات.
ووفقاً للكرملين آنذاك، فإن القرار جاء رداً على سياسة الولايات المتحدة الأميركية "العدائية" في الأمن السيبراني، ويهدف لحماية المنظمات الروسية من الهجمات الإلكترونية.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة، ديمتري بيسكوف، في تصريحات صحافية حينها، أن المؤسسات الروسية، بما في ذلك موقع الرئاسة، تتعرض بانتظام لهجمات إلكترونية مصدرها الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت الحكومة الروسية قد أعلنت إجراء اختبارات نظام الشبكة "المنعزلة" لأيام عدة، على المؤسسات الحكومية والعاملين في مجال التواصل ومزودي الإنترنت، مؤكدة نجاح التجربة.
يذكر أن قرار إنشاء الإنترنت الروسي تسبب في اندلاع احتجاجات شارك فيها الآلاف بموسكو، في مايو 2019، إذ رأى معارضو النظام الجديد أنه محاولةً لزيادة الرقابة وتضييق الحصار على المعارضة، وقد شهدت شوارع العاصمة الروسية، احتجاجاً على القرار شارك فيه الآلاف من المتظاهرين، رافضين العزلة عن العالم الخارجي.
اقرأ أيضاً: