لماذا كلفة تطوير الذكاء الاصطناعي مرتفعة للغاية؟

الاندفاع نحو نماذج أكبر للذكاء الاصطناعي والمزيد من الرقائق ومراكز البيانات يُكبد شركات التكنولوجيا تكاليف أعلى

time reading iconدقائق القراءة - 7
أشخاص يحضرون قمة الذكاء الاصطناعي العالمية التي ينظمها الاتحاد الدولي للاتصالات في جنيف بسويسرا. 30 مايو 2024 - Reuters
أشخاص يحضرون قمة الذكاء الاصطناعي العالمية التي ينظمها الاتحاد الدولي للاتصالات في جنيف بسويسرا. 30 مايو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

بعد أكثر من 18 شهراً من الهوس بالذكاء الاصطناعي التوليدي، أثبتت عدد من أكبر شركات التكنولوجيا أن هذه التقنية بإمكانها أن تكون مصدراً حقيقياً للإيرادات، لكنها أيضاً حفرة كبيرة للنفقات، حسبما أكدت "بلومبرغ".

أعلنت شركتا مايكروسوفت وجوجل، ارتفاع إيرادات قسم الخدمات السحابية في نتائجهما الفصلية الأخيرة، حيث أنفق العملاء المزيد على خدمات الذكاء الاصطناعي.

وأوضحت شركة "ميتا بلاتفورمز"‎ أن جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي ساعدت في تعزيز تفاعل المستخدمين واستهداف الإعلانات، رغم أنها لا تزال متأخرة جداً في تحقيق أرباح من هذه التكنولوجيا.

لتحقيق هذه المكاسب المبكرة، أنفقت الشركات الثلاث عدة مليارات على تطوير الذكاء الاصطناعي، بجانب أنها تخطط لزيادة هذه الاستثمارات بشكل أكبر.

في 25 أبريل الماضي، أعلنت مايكروسوفت، بلوغ نفقاتها الرأسمالية 14 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، وتتوقع "ارتفاع هذه التكاليف بشكل ملحوظ"، مدفوعة جزئياً باستثمارات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وكانت هذه زيادة بنسبة 79% عن الربع نفسه من العام السابق.

وأنفقت "ألفابت" مالكة جوجل، 12 مليار دولار خلال هذا الربع، بزيادة 91% عن العام السابق، وتتوقع أن يكون الإنفاق خلال بقية العام "عند المستوى نفسه أو أكثر"، وسط تركيزها على فرص الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، رفعت "ميتا" تقديراتها للاستثمارات لهذا العام، وتعتقد الآن أن النفقات الرأسمالية ستتراوح بين 35 مليار دولار إلى 40 مليار دولار، وهذا يُمثّل زيادة بنسبة 42% عند الحد الأقصى للنطاق. وأشارت إلى الاستثمار المكثف على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره.

تكاليف الذكاء الاصطناعي

فاجأ ارتفاع تكلفة الذكاء الاصطناعي بعض المستثمرين، فقد تراجع سهم "ميتا"، على وجه الخصوص، إثر توقعات الإنفاق المقترنة بنمو أبطأ من المتوقع للمبيعات، لكن داخل صناعة التكنولوجيا، لطالما كان من المعروف أن تكاليف الذكاء الاصطناعي ستزداد.

ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين، وهما أن نماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت أكبر وأكثر تكلفة في التطوير، بجانب أن الطلب العالمي على خدمات الذكاء الاصطناعي يتطلب بناء مزيد من مراكز البيانات لدعمها.

يمكن للشركات التي تجرب خدمات الذكاء الاصطناعي إنفاق الملايين لتخصيص منتجات من "أوبن إيه أي" OpenAI أو جوجل. وبمجرد إعدادها وتشغيلها، تظهر تكلفة إضافية في كل مرة يقوم فيها المرء بإرسال استفسار إلى روبوت الدردشة، أو يطلب من إحدى خدمات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المبيعات، لكن العمل الأكثر تكلفة هو بناء الأساس لأنظمة الذكاء الاصطناعي هذه.

النماذج اللغوية الكبيرة تصبح أكبر

تعتمد منتجات الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة اليوم، مثل ChatGPT التابع لـ"أوبن إيه أي"، على نماذج لغوية كبيرة، وهي أنظمة تغذت من كميات هائلة من البيانات، بما فيها الكتب والمقالات والتعليقات عبر الإنترنت، لتقديم أفضل الردود الممكنة على استفسارات المستخدمين.

وتراهن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة على أن الطريق إلى ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً، وربما حتى الأنظمة القادرة على التفوق على البشر في العديد من المهام، يتلخص في جعل هذه النماذج اللغوية الكبيرة أكبر حجماً.

يتطلب الأمر الحصول على مزيد من البيانات والقدرات الحاسوبية، وكذلك تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لفترة أطول. وقال داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك" (Anthropic) المنافسة لـ"أوبن إيه أي"، في مقابلة عبر بودكاست في أوائل أبريل الماضي، إن نماذج الذكاء الاصطناعي المتواجدة حالياً في السوق تكلف نحو 100 مليون دولار لتدريبها.

وأوضح أن "النماذج التي يجري تدريبها الآن والتي ستُطرح في وقت لاحق من هذا العام أو أوائل العام المقبل تقترب تكلفتها من مليار دولار، وأعتقد أنها ستصل إلى نحو 5 أو 10 مليارات دولار في عامي 2025 و2026".

تكاليف الرقائق والحوسبة

يرتبط جزء كبير من التكلفة بالرقائق. هذه الرقائق ليست وحدات المعالجة المركزية التي ساهمت بجعل شركة "إنتل" والشركات الأصغر حجماً التي تشغل مليارات الهواتف الذكية، مشهورة.

تعتمد شركات الذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة الرسومات التي يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعات عالية، وذلك لتدريب نماذج لغوية كبيرة.

وهذه الرقائق ليست نادرة فحسب، بل أيضاً باهظة الثمن، علماً بأن الميزات الأكثر تقدماً تُصنع بشكل أساسي بواسطة شركة واحدة وهي "إنفيديا".

بيعت رقاقة الرسوميات "إتش 100" (H100) الخاصة بشركة "إنفيديا"، وهي المعيار الذهبي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، بنحو 30 ألف دولار، وبعض البائعين يعرضونها بأضعاف هذا المبلغ.

وتحتاج شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الكثير منها، فقد صرح الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرج سابقاً أن شركته تخطط للحصول على 350 ألفاً من رقاقة "إتش 100" بحلول نهاية العام الجاري لدعم جهودها في أبحاث الذكاء الاصطناعي. وحتى إذا حصل على خصم عند شرائه كميات كبيرة من هذه الرقاقة، فإن هذه الخطوة ستظل استثماراً يُقدّر بمليارات الدولارات.

تأجير الرقائق

يمكن للشركات إتمام الأمر من دون شراء الرقائق الفعلية، لكن استئجارها باهظ الثمن أيضاً.

جدير بالذكر أن وحدة السحابة التابعة لشركة "أمازون دوت كوم" تؤجر لعملائها مجموعة كبيرة من المعالجات القوية المصممة من جانب "إنتل" نظير 6 دولارات تقريباً في الساعة، وفي المقابل، تبلغ تكلفة استئجار مجموعة رقائق "إتش 100" التابعة لـ"إنفيديا" نحو 100 دولار في الساعة.

كشفت "إنفيديا" الشهر الماضي عن تصميم معالج جديد يسمى "بلاكويل" (Blackwell) الذي يتميز بسرعته العالية في التعامل مع النماذج اللغوية الكبيرة، ويتوقع أن يتشابه سعره مع خط رقائق "هوبر" (Hopper) الذي يشمل "إتش 100".

وأوضحت "إنفيديا" أن الأمر سيتطلب نحو 2000 وحدة معالجة رسوميات من "بلاكويل" لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي يحتوي على 1.8 تريليون متغير.

وهذا هو الحجم التقديري لنموذج "تشات جي بي تي 4" الخاص بـ"أوبن إيه أي"، وفقاً لدعوى قضائية رفعتها صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن استخدام الشركة الناشئة لمقالاتها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وفي المقابل، قالت "إنفيديا" إنها تحتاج إلى 8000 وحدة معالجة رسوميات من نوع "هوبر" لأداء نفس المهمة. لكن هذا التحسن يمكن أن يتلاشى مع دفع الصناعة نحو بناء نماذج ذكاء اصطناعي أكبر.

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".

تصنيفات

قصص قد تهمك