شهد العالم في الساعات الأخيرة أكبر أزمة تقنية عالمية، والتي تسببت في توقف أنظمة معلوماتية في مطارات رئيسية، وتعطل العمليات في شركات ووزارات كبرى، إضافة إلى تأثر البورصات العالمية بشكل كبير. وكان لهذه الأزمة تأثيرات واسعة النطاق على حركة النقل الجوي، والاقتصاد العالمي، حيث امتدت تأثيراتها من تعليق الرحلات الجوية في المطارات حول العالم، ورفض الخدمات المصرفية عبر الإنترنت السماح للعملاء بتسجيل الدخول أو إجراء المعاملات، وحتى إجبار المذيعين على التوقف عن البث في بعض القنوات.
كيف بدأت أزمة الخلل التقني العالمي؟
ظهرت الأعطال الأولى في الولايات المتحدة خلال وقت متأخر من أمس الخميس، حيث أٌلقي باللوم على فشل خدمات "مايكروسوفت" بما في ذلك برنامجي "أزور" ( Azure) و"365". وأوقفت شركة "فرونتير إيرلاينز" (Frontier Airlines)، وهي وحدة تابعة لشركة "فرنتير غروب هولدينغز" (Frontier Group Holdings)، رحلاتها لأكثر من ساعتين. فيما رفعت شركة الطيران شعار التعليق العام للرحلات.
وقالت مجموعة بورصة لندن، التي تدير بورصة لندن، إنها تواجه مشكلة تقنية عالمية تحول دون نشر الأخبار. أما في آسيا، بدأ المستخدمون باليابان الإبلاغ عن مشكلات في الخدمات بما في ذلك خدمة "مايكروسوفت 365"– وهي مجموعة البرمجيات المكتبية القائمة على الإنترنت الخاصة بالشركة.
دور "مايكروسوفت" في الأزمة
تُعتبر مايكروسوفت واحدة من الشركات التقنية الكبرى التي تشير إليها أصابع الاتهام في الأزمة التقنية. وقد أكدت الشركة في بيان رسمي أنها تعمل على تحديد السبب الرئيسي للخلل وإصلاحه بأسرع وقت ممكن.
وكانت مايكروسوفت قد أطلقت تحديثات أمنية استباقية لمنع الهجمات السيبرانية، إلا أن الخلل التقني الأخير يبدو أنه تجاوز تلك الإجراءات الاحترازية. وتعمل فرق مايكروسوفت على مدار الساعة بالتعاون مع شركات تقنية وأمنية أخرى لمعالجة الخلل التقني، حسب بيان الشركة.
"كراود سترايك" وبرامج الأمن السيبراني
"كراود سترايك" CrowdStrike، الشركة المتخصصة في الأمن السيبراني، كانت هي الأخرى على الخط الأمامي في مواجهة هذه الأزمة. وأشارت التقارير إلى أن فريق الاستجابة للطوارئ في "كراود سترايك" تدخل فور حدوث الخلل، حيث قام بتحليل الهجمات وتقديم حلول سريعة للحد من انتشارها. كما تعاونت "كراود سترايك" مع الجهات الحكومية والخاصة لتوفير الدعم الفني والتقني للمؤسسات المتضررة، لكنها لن تعلن عن حل الأزمة حتى الآن.
توقف مطارات وخطوط طيران
من أبرز التأثيرات السلبية للأزمة التقنية كان تعطل العمل في عدد من المطارات الرئيسية، بما في ذلك مطارات دبي وإسطنبول وميونخ وبرلين.
وأكدت شركة مطارات دبي أن مطار دبي الدولي (DXB) يعمل بشكل طبيعي بعد تعطل النظام العالمي الذي أثر على عملية تسجيل الوصول لبعض شركات الطيران في المبنيين 1 و2 هذا الصباح. وبحسب بيان مطارات دبي، فقد تحولت شركات الطيران المتضررة على الفور إلى نظام بديل، مما سمح باستئناف عمليات تسجيل الوصول العادية بسرعة.
وقال متحدث باسم طيران الإمارات في بيان اطلعت عليه "الشرق": "ندرك وجود خلل تقني عالمي حيث نراقب الوضع عن كثب. في الوقت الحالي، لا يوجد أي تأثير على عمليات رحلات طيران الإمارات. قد يحدث بعض التأخير في مواعيد الرحلات في وقت لاحق اليوم، نتيجة التداعيات الناجمة عن تأخر رحلات المغادرة من بعض المطارات ضمن شبكة وجهاتنا. يمكن للعملاء التحقق من أحدث معلومات الرحلات عبر موقعنا الإلكتروني وتطبيقنا، وندعوهم إلى تحديث تفاصيل الاتصال الخاصة بهم في الحجز".
وصرح مسؤول في "الخطوط السعودية" لـ"الشرق": حتى اللحظة ليس هناك تاثيرات على رحلات الخطوط السعودية المغادرة أو القادمة لمطارات المملكة وتجري مراجعة الأنظمة للتأكد من عدم التأثر بموجة الخلل التقني الذي ضرب عدة مطارات وخطوط طيران عالمية.
وبالنسبة للمطارات العالمية، صرحت مصادر في مطار ميونخ لـ"الشرق" أنه تم استئناف العمل في مطار ميونخ لبعض الوجهات بعد تأخير دام لنحو 40 دقيقة وإلغاء رحلات برلين نهائياً، حيث تم توجيه الركاب لاستخدام القطارات.
وكان مطار برلين قد أعلن وقف الرحلات الجوية حتى الساعة 08:00 بتوقيت جرينتش، فيما قالت الشركة المشغلة للمطار، عبر منصة "إكس"، إن "المطار يعاني من تأخير في تسجيل وصول الركاب بسبب خلل فني".
وذكرت أيضاً الخطوط الجوية التركية أنها تواجه مشكلات في أنظمة الحجز وتسجيل وصول الركاب وإصدار التذاكر بسبب خلل فني عالمي.
التداعيات الاقتصادية للخلل التقني
لم تقتصر تداعيات الأزمة على قطاع النقل الجوي فقط، بل امتدت لتشمل الشركات الكبرى والبورصات العالمية كذلك، حيث كانت شركتا "ماكدونالدز" و"يونايتد إيرلاينز هولدينغ" ومجموعة بورصة لندن من بين المؤسسات الكبرى التي أفادت بحدوث مشكلات متنوعة في الاتصالات مع خدمة العملاء. إضافة إلى العديد من الشركات من اليابان إلى الهند والولايات المتحدة التي أبلغت عن أعطال في عملياتها هي الأخرى.
وتأثرت العمليات المالية والتجارية بشكل كبير، حيث عانت الشركات من صعوبة في الوصول إلى أنظمتها الإلكترونية، مما أدى إلى تعطيل الإنتاج والتوزيع.
وعلى صعيد أسواق الطاقة، تذبذبت أسعار النفط في نطاق ضيق، فيما يدرس التجار أثر الخلل التقني العالمي الذي ضرب أنشطة الأعمال من بنوك إلى شركات طيران. واقترب سعر خام برنت من 85 دولاراً للبرميل، مستقراً في نطاق 5 دولارات عن سعره في معظم الأوقات خلال الشهر الجاري، فيما يقترب معدل التقلب قرب أدنى مستوى في سنوات. وتراجعت الكميات المتداولة لأقل من متوسطها خلال 10 أيام، وفق البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
كما عانت الأسواق المالية بعدما أثر توقف أنظمة الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم على خدمات السفر والتجارة والخدمات المصرفية، مما يهدد بتفاقم التراجع في أسهم التكنولوجيا. وتراجعت أسهم شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك" 21% في تداولات ما قبل بدء السوق في الولايات المتحدة بعد أن حذرت من أن برامجها تتسبب في تعطل أنظمة الكمبيوتر.
وقال رئيسها التنفيذي في وقت لاحق إنه تم تحديد المشكلة و"يجري العمل على إصلاحها". انخفضت أسهم شركة "مايكروسوفت" 2%، رغم أنها قالت إنها قامت بحل توقف سابق للخدمات السحابية.
ردود فعل حكومية
من بين الحكومات المتضررة بالأزمة، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية، الجمعة، أن الخلل التقني العالمي "أثر على بعض أنظمتها الإلكترونية"، ونصحت المستخدمين بتجنب أي معاملات حتى يتم حل المشكلة.
ودعت الخارجية مواطني الإمارات المتواجدين في الخارج إلى "التواصل مع شركات الطيران قبل التوجه إلى المطارات، للتأكد من حالة الرحلة"، و"الاتصال في الحالات الطارئة".
وفي مصر، وجهت الحكومة بتشكيل خلية أزمة من الوزارات والجهات المعنية للوقوف على تأثيرات وتداعيات هذه الأزمة والتعامل معها. وفي ذات الشأن، كما أعلنت وزارة الطيران المدني عن تشكيل غرفة لمتابعة تطورات الموقف وأثره على حركة الطيران أولاً بأول، مؤكدةً أن جميع المطارات المصرية تعمل بشكل طبيعي حتى الآن، ولم تتأثر أي رحلات مغادرة من الأراضي المصرية طبقاً لجدول تشغيل الرحلات المقررة لها.
على الجانب الآخر من العالم، طلبت هيئة الطيران الأميركية من كل الرحلات الجوية الهبوط بسبب خلل تقني بأجهزة الحاسب. فيما دعت حكومة أستراليا إلى اجتماع عاجل بعد الأعطال التقنية العالمية. وقال مصدر أمني حكومي بريطاني إنه "لا ينبغي التعامل مع انقطاع تكنولوجيا المعلومات العالمي باعتباره قضية متعلقة بالأمن الإلكتروني".