استفادت فنلندا من نيلها للسنة الرابعة على التوالي، لقب "أسعد بلد في العالم" لتحسين صورتها في العالم، ما ساهم في تعزيز قطاعات الأعمال والسياحة، مع أن البعض يعتبر أن فصل الشتاء فيها طويل وقاسٍ، وأنها لا تمتلك مطبخاً جيداً، وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى الرغم من أن فنلندا تعتلي منذ عام 2018 صدارة "مؤشر السعادة" العالمي، يعترف كثير من سكان البلد الاسكندنافي، المتاخم لروسيا والبالغ عددهم 5.5 مليون نسمة، بأنهم "صامتون، وباردو الطباع، وكئيبون إلى حدّ ما، وبأنهم ليسوا من النوع الذي ينبض بالفرح".
وعلّق المنتج التلفزيوني توني إلموني على فوز فنلندا للمرة الرابعة باللقب، الجمعة، "عندما سمعت ذلك للمرة الأولى، انفجرت ضاحكاً، وأعتقد أنني لم أكن الوحيد".
عوامل السعادة
وتستند الدراسة التي ترعاها الأمم المتحدة والتي تنشر سنوياً منذ 2012، إلى استطلاعات رأي من معهد "غالوب" في 149 دولة يجيب فيها السكان عن استبيانات بشأن درجة السعادة الشخصية. وتتم مقاطعة هذه البيانات مع إجمالي الناتج المحلي ومؤشرات التضامن والحرية الفردية والفساد، لوضع درجة نهائية على 10.
ومع أن ثمة من ينتقد أحياناً هذه المنهجية، فهي تشكّل منذ 10 سنوات مقياساً لـ"يوم السعادة العالمي" الذي حددته الأمم المتحدة في 20 مارس من كل عام.
وتشكّل فاعلية الخدمات العامة وانخفاض معدلات الجريمة وانحسار الفروق الاجتماعية ودرجة الثقة العالية بالسلطات، عوامل مكّنت فنلندا من أن تفرض نفسها على رأس هذا التصنيف الذي سبق أن تصدّرته دول اسكندنافية أخرى كالنرويج والدنمارك (حالياً في المرتبة الثانية). وحتى الانتحار الذي كان يشوّه هذه الصورة انخفض، إلى النصف منذ تسعينات القرن الفائت.
وشرحت ريتا ماتيلاينن، وهي بائعة زهور في العاصمة، أن "الأساسيات جيدة حقاً" في فنلندا. وأضافت "ليس لدينا أي شخص يعيش في الشوارع، ومع أن لدينا بطالة فإن النظام الصحي يعمل جيداً، إضافة إلى أمور مهمة من هذا القبيل".
وأكثر من يُفرِحهم لقب "أسعد دولة في العالم" هم المسؤولون عن السياحة والترويج لفنلندا، إذ شكّل هذا التصنيف بالنسبة إليهم نعمة سارعوا إلى الاستفادة منها واستثمارها.
مئة ألف بحيرة
ولاحظ الخبير البريطاني في التسويق الرقمي جويل ويلانز، المقيم في فنلندا منذ مطلع الألفية، أنّ "ثمة تأثيراً قوياً جداً لوصف بلد ما بأنه الأسعد في العالم، فما من أحد لا يرغب في العيش فيه".
واستثمرت شركات كثيرة نيل هلسنكي هذا اللقب، لتعزيز مبيعات منتجاتها، أو لتشجيع من توظفهم على الاستقرار في فنلندا.
وحتى المطبخ الفنلندي الذي سخر منه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلوسكوني، سنحت له فرصة الأخذ بالثأر؛ فالمطاعم والمنتجون على حد سواء باتوا يثنون على بساطة مكوناته الطبيعية وعلى واقعيته.
أما السياحة التي تشكّل العنصر الرئيسي في الحملة التسويقية لفنلندا، فباتت وسيلة أخرى للترويج، بعد أن عمدت الحكومة الفننلدنية إلى تعزيزها عبر تعيين "سفراء السعادة" الذي يتولون تعريف السياح بأسرار الرفاهية الفنلندية.
وقال بافو فيركونين، مدير الترويج في مؤسسة "بيزنس فنلندا"، إن سعادة بلده "تثير الفضول لدى الناس الذين يودّون معرفة المزيد".
وتركّز جهود التسويق للسياحة في فنلندا على عدد من مقوّماتها، ومنها ما توفّره من مساحات طبيعية تتمثل في الغابات الشاسعة وعشرات آلاف البحيرات، وكونها منشأ غرف البخار أو "الساونا"، إضافة إلى ما تشتهر به منطقة "لابلاند" من كونها "المقر الرسمي" لـ"سانتا كلوز" أو ما يعرف بـ"بابا نويل". وكانت هذه المنطقة تُسجّل قبل الجائحة أرقاماً قياسية سياحياً.
لو فُقد اللقب!
وعلق ويلانز، أنه في حال فقدت البلاد لقب "الأسعد" فإن "إحدى نقاط الضعف تكمن في أن الفنلنديين اعتادوا على مجتمع منخفض التوتر يسير فيه كل شيء بانتظام وعلى ما يرام، وتراجعت بالتالي قدرتهم على تقبّل العقبات".
وأشار إلى أنهم "يتأثرون جداً بذلك، فكل ما يمنع الأمور من أن تسير على أكمل وجه كفيل بتخريب فقاعة سعادتهم بسهولة".
إلا أن فيكونين واثق بأن منافع اللقب ستدوم على المدى الطويل، وقال "لقد حققنا تقدماً كشعب بفضل فهمنا أساسيات السعادة، أكثر مما كنا نفهمها من قبل".