"جولدن جلوب" تنحاز إلى "الغرابة" في جوائز حفلها الـ80

الممثل كولين فاريل يحمل جائزة أفضل ممثل في فيلم كوميدي في حفل توزيع جوائز Golden Globe السنوي الثمانين، لوس أنجلوس، 10 يناير 2023 - via REUTERS
الممثل كولين فاريل يحمل جائزة أفضل ممثل في فيلم كوميدي في حفل توزيع جوائز Golden Globe السنوي الثمانين، لوس أنجلوس، 10 يناير 2023 - via REUTERS
القاهرة-عصام زكريا*

إذا كان هناك صفة واحدة يمكن أن نصف بها جوائز "جمعية الصحفيين الأجانب في هوليوود"، التي يطلق عليها "جولدن جلوب" فهي صفة "الغرابة".

حمل عام 2022 أفلاما كثيرة مبتكرة، لعل أبرز ما فيها هو أفكار السيناريوهات الجديدة، وكسرها للحدود المتعارف عليها بين الفني والشعبي، الدرامي والكوميدي، والواقعي والخيالي.

ونظرة سريعة إلى الفائزين بجوائز الجولدن جلوب قد تبين لنا ذلك.

موسم "الجنّيات"

بحصوله على 3 جوائز رئيسية من "جولدن جلوب"، يبدأ فيلم "The Banshees of Inishrin" أو "جنّيات إنيشرين" حملته عبر سلسلة من الجوائز ربما تُتوج بالأوسكار في مارس المقبل.

"The Banshees of Inishrin" الذي عرض لأول مرة في سبتمبر 2022، خلال الدورة 79 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، أعقب عرضه عاصفة من التصفيق المدوي لمدة ربع الساعة، وفاز بجائزتي أفضل سيناريو لمارتن ماكدوناه، وأفضل ممثل كولين فاريل، ومن يومها وهو يحصد الجوائز أينما ذهب.

رشح "The Banshees of Inishrin" لـ8 جوائز "جولدن جلوب"، وحصل منها على أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، وأفضل سيناريو وأفضل ممثل في فيلم كوميدي أو موسيقي. وهو أكبر عدد يحصل عليه فيلم واحد.

رغم كل الجوائز التي حصل وسيحصل عليها "The Banshees of Inishrin"، سيظل فيلماً غريباً في ذاكرة السينما، فكاتبه ومخرجه أيرلندي الأصل مارتن ماكدوناه يتمتع بخيال أسطوري، وقدرة على تحويل أكثر القصص بساطة وعادية إلى حكاية جنّيات عجائبية، كما يفعل منذ فيلمه الأول "In Burge" 2008.

لكن "The Banshees of Inishrin" يظل أعجب ما جادت به قريحة ماكدوناه، والسينما في 2022 بشكل عام. 

في قصة تبدو بلا أهمية في جزيرة أيرلندية منعزلة منذ قرن من الزمان، تتلاشى فيها المسافات بين الواقع والخيال، والكوميديا والمأساة: شاب طيب وبسيط العقل يفاجأ ذات يوم بأن صديقه الوحيد على الجزيرة، وهو رجل يكبره سناً وعقلاً، قرر أن يقطع علاقته به دون أسباب أو مقدمات، وذلك حتى يتفرغ لتأليف الموسيقى على أمل أن يصبح خالداً. 

ولكن الشاب الذي لا يفهم هذه المبررات يظل يلاحق صديقه الكبير، مما يغضب الصديق، وتتصاعد الأحداث، فيعلن المؤلف الموسيقي للشاب أنه سوف يقطع واحداً من أصابعه في كل مرة يتوجه له بالحديث. 

وبالفعل ينفذ الرجل قسمه، ويقطع أحد أصابع يده ويقوم بإلقائها عند بيت صديقه السابق، وإذا كنت تتعجب من هذا السلوك فإن القادم أغرب.

ينسج مارتن ماكدوناه قصة خيالية تدور في عالم خيالي، (لا يوجد أصلا جزيرة أو مكان اسمه إينشرين في الواقع، ولكنه مكان اخترعه ماكدوناه)، ومع ذلك تروي القصة وعالمها الغريب الكئيب قصة شعب له من نوع خاص، ومزاج مكتئب وتاريخ دموي، وطبيعة قاسية، ومع ذلك يتمتع بحس سخرية وفكاهة لا مثيل له، ولعل رواية "يوليسيس" للأديب جيمس جويس، التي نشرت تقريبا في وقت أحداث الفيلم منذ 100 عام خير دليل على هذا الحس الذي يمزج المأساة بالهزل.

فيلم "جنّيات إينشرين" يطرح قضية فنية مهمة تتعلق بالتقسيم المعتاد (منذ عهد أرسطو والمسرح اليوناني)، بين التراجيديا والكوميديا، وهو التصنيف الذي تعتمده جوائز جولدن جلوب، التي تقسم فروعها إلى "أفضل الأعمال الدرامية" و"أفضل الأعمال الكوميدية أو الموسيقية". 

هذا تصنيف قديم وعفى عليه الزمن، منذ أيام فيلم Dancer in the Dark" (2000)" للمخرج لارس فون ترير، الذي كسر الحدود بين المأساة والميوزيكال كوميدي، وبالطبع هناك أعمال كثيرة قبله نذكر منها "عودة الابن الضال" للمصري يوسف شاهين (1977). 

كثير ممن يشاهدون "جنيات إينشرين" لن يروا أبدا أنه عمل كوميدي، حتى لو كان حس السخرية يسري في بدنه، وحتى لو كانت الابتسامة الحزينة لا تفارق وجوهم أثناء مشاهدته.

سبيلبرج طفلا!

فاز فيلم "The Fabelmans" للمخرج ستيفن سبيلبرج بجائزتي أفضل فيلم دراما وأفضل مخرج. 

ومن يعرفون أعمال سبيلبرج التي يغلب عليها أنواع الخيال العلمي، والأكشن، والرعب قد لا يصدقون أنه مخرج هذا الفيلم الذاتي التاريخي، الذي يروي فيه طفولته وحبه للسينما، ومأساته العائلية الصغيرة التي تمثلت في حب أمه لصديق العائلة وهروبها معه.

سبيلبرج قدم من قبل أعمالاً اجتماعية وسياسية مهمة مثل " The Color Purple" و"Munich" و" Bridge of Spies"، ولكنها المرة الأولى، للمخرج الذي يقترب من الثمانين، التي يقدم فيها فيلما ذاتياً حميمياً، هو الأقرب للتويج بجوائز أفضل أفلام 2022، بعد "The Banshees of Inishrin".

الأكشن الخيالي يكسب

ذهبت جائزتا أفضل ممثل وممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي، إلى كي هوي كوان وميشيل يووه، على التوالي، عن فيلم  "Everything Everywhere All at Once".

وهذا الفيلم أيضاً من غرائب 2022، فهو عمل فني متقن ينتمي شكلياً إلى نوعية أفلام القتال اليدوي "Martial Art"، وكوميدي مثل أعمال جاكي شان، ولكنه يحمل عقلاً ووجهة نظر وأسلوب فني مدهش، وهو مثال آخر لكسر الحدود بين الشعبي والفني، والترشيحات الأخرى التي نالها، وسوف ينالها في موسم الجوائز المقبل، تثبت ذلك.

ومن عجائب العام المنصرم ذلك الفيلم الهندي الذي يحمل الاسم العجيب "RRR"، والذي أحدث ضجة في أميركا وأوروبا وينافس بقوة في موسم الجوائز الحالي.

يدور الفيلم منذ حوالي 100 عام في الهند المحتلة، من قبل الامبراطورية البريطانية الاستعمارية، وهو يشبه إلى حد كبير الفيلم المصري "كيرة والجن" للمخرج مروان حامد، الذي صدر العام الماضي أيضاً وحقق أعلى الإيرادات في مصر: تاريخي أكشن عاطفي.

لكن الفارق بين "RRR" و"كيرة والجن" كبير، لمن يعرف دقائق صناعة الأفلام وكتابتها، فعلى عادة الأفلام الهندية، بل وأكثر منها، يحفل الفيلم بمبالغات لا تخطر على بال أحد، ويصعب أن يتخيل أحد أنها يمكن أن تستقيم في فيلم. 

هذا فيلم يصور بشر عاديين يقومون بأعمال تفوق الخيال، وهو كعادة الأفلام الهندية أيضاً، يزيد عن 3 ساعات من الأكشن والغناء والدراما الاجتماعية، وقد رشحه الكثيرون للفوز بجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، التي فاز بها الفيلم الأرجنتيني السياسي "1958Argentina"، ولكن RRR"" فاز فقط بجائزة أفضل أغنية.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات

قصص قد تهمك