505 أعوام على رحيل دافنشي.. رجل علم وعمارة وفن

تمثال دافنشي في ميلانو مغطى بالأزرق في إطار حملة لدعم المشرّدين في البلاد. 14 فبراير 2024 - AFP
تمثال دافنشي في ميلانو مغطى بالأزرق في إطار حملة لدعم المشرّدين في البلاد. 14 فبراير 2024 - AFP
القاهرة -فادي فرنسيس

"أردت أن أخبركم بأنني قادر على تطوير بلادكم عبر بناء جسور جديدة، وتصميم قصور حديثة، من خلال استخدام المعادن المختلفة. كما أني أملك تصوّراً حول أشكال جديدة للساحات والميادين، وكيفية استخراج المياه من باطن الأرض بوسائل مختلفة. ولديّ القدرة أيضاً على اختراع مدافع حربية لحمايتكم، وتدشين جسور متينة لا يستطيع العدو اختراقها."

تلك السطور هي فحوى الرسالة التي كتبها الفنان العبقري ليوناردو دافنشي، لأمير فلورنسا لودوفيكو عام 1482، وكانت بمثابة وصف مختصر لسيرته الذاتية، إذ قدّم فيها الفنان حلولاً لمشكلات العمارة التي عجز عن حلّها من سبقوه. كما اقترح الطريقة المثلى لبناء قبّة ميلانو الشهيرة المعروفة بـ"الدومو". 

الباحثون في المعهد الجغرافي بمدينة نوفارا الإيطالية، جمعوا على مدى سنوات، الدراسات الخاصة بدافنشي في مختلف المجالات، ونشروها في كتاب كبير باللغة الإيطالية مؤلف من جزأين (1958).

"الشرق" استخلصت أبرز ما تضمّنه الكتاب من دراسات ولمحات من حياة الفنان الإيطالي، الذي تحتفي البلاد ومعارضها الفنية بذكراه هذه الأيام.

الكتاب الموسوعة
الكتاب الصادر عن المعهد الجغرافي الإيطالي-الشرق

تؤكد الدراسات أن دافنشي استخدم موهبته في النحت في مجال المعمار، وساعدته دراساته المتأنية للضوء، في وضع نظام عبقري لإضاءة المباني الضخمة، عن طريق توزيع الشبابيك الزجاجية والفتحات.  

انعكس تأثّر ليوناردو بالهندسة والرياضيات والعلوم الطبيعية على إنتاجه المعماري والفني، إذ يحوي متحف العلوم في ميلانو، الذي ضمّ معظم تصميمات ليوناردو في مختلف الفنون، ومنها تصميمات خاصة بواجهات المباني والجسور والأعمدة التذكارية، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ليوناردو دافنشي، ولد في 15 أبريل 1452 في فلورنسا، كان فناناً ومهندساً ومعمارياً ونحاتاً ورساماً. يُنظر إليه على أنه تجسيد للمثالية الإنسانية في عصر النهضة بسبب مهاراته وذكائه الاستثنائي

لم يتوقّف تأثير ليوناردو عند هذا الحد، بل قام بتطوير الحصون والقلاع، وصمّم أسواراً حصينة لمدينة فلورنسا.

عمل فني لدافنشي
عمل فني لدافنشي - الشرق

مهن عدّة وشخص واحد

هو رسام ونحات ومؤلف موسيقي ومهندس وفيلسوف وطبيب وجغرافي.. ربما تعتقد أنها مواهب ومهن لعدة لأشخاص عدّة مختلفين في الاهتمامات، لكنها في الواقع اجتمعت بشخص واحد، هو ليوناردو دافنشي الملقّب بــ"موسوعة عصر النهضة"، وفي أبريل الحالي، تكون قد مرّت 505 أعوام على رحيله.

ميدان العلوم 

احتل دافنشي موقعاً بارزاً في مجال الفيزياء الميكانيكية والحركة، وهو نَسَب حركة المادة إلى مؤثّرات خارجية، كما أنه سبق نيوتن في الإشارة إلى وجود قوّة تنتج عن تساقط الأشياء في الهواء، وكذلك رد فعل الهواء على الأشياء المتساقطة. 

ركز ليوناردو في دراسته على حركة الطيور، وكانت الدراسة بمثابة مقدّمة لدراسة المراوح وماكينات الريّ والصرف، كما ساعدته حركة الطيور على تخيّل ورسم  ما يطلق عليه النسخة الأولية لطائرة الهليكوبتر. 

لوحة
لوحة "العشاء الأخير" لدافنشي -الشرق

ليوناردو اللغوي

تفرّد ليوناردو في علوم اللغة وقواعدها، واستحدث مفردات كثيرة تمّ إدراجها في  "قاموس ليوناردو". ولم تقتصر إبداعاته اللغوية على مجال الأدب، بل تطرّقت إلى أمور فلسفية. وشملت كتاباته بعض القواعد التعليمية.

 تعدّدت الكلمات المستحدثة في كتاباته باللاتينية والإيطالية، وتجاوزت 9 آلاف كلمة، وأسهمت بوضع أساسات أول قاموس إيطالي لاتيني، وكتب كثيراًعن تصريف الأفعال في اللغة اللاتينية.

عشق الموسيقى

درس دافنشي الموسيقى في مدينة فلورنسا على أيدي موسيقيين مشهورين، وكان عضواً في كورال أغلب الكنائس بفلورنسا عزفاً وترنيماً. تميّز بين أقرانه بشهادة المؤرّخ الإيطالي الشهير فازاري، الذي تخصّص في توثيق حياة دافنشي. 

وذكر الباحثون الإيطاليون، أن ليوناردو ساهم فى تطوير العديد من الآلات الموسيقية، كما وضع تصميماً جدياً للفيولا الميكانيكية، وآلات النفخ المختلفة، وألّف عدداً من المقطوعات الموسيقية. 

إبداعاته في الرسم

اعتبر دافنشي أن الرسم هو حرف وكلمة وجملة، يعبّر عنهم بالفرشاة، مستخدماً قلم الرصاص والفحم، وتعبّر لوحاته عن  نظرته وأفكاره للحياة والأشياء.

 ترك ليوناردو آلاف الاسكتشات التحضيرية للوحاته، واسكتشات أخرى تحمل موضوعات فنية مختلفة. يحوي متحف "أوفيتزي" في فلورنسا، على أول عمل فني معروف لدافنشي، هو لوحة القديسة مريم "سيدة الجليد". 

الثقافة البصرية في عصر النهضة

سعى فنانو عصر النهضة إلى نشر ثقافة بصرية جديدة، تبعث على الإبداع الفني، وهو ما لاقى تشجيعاً من الحكّام وبابوات تلك الفترة، وسمح لليوناردو بأن يتعمّق بدراساته العلمية، لتشريح الأجساد، ولم يكن قصده فنيا بحتاً، بل جعل هذه الدراسات موضوعاً لأبحاث علمية . 

وذكر بعض الفنانين أنهم درسوا التشريح لأغراض طبية، لكن دافنشي أظهر تفوّقاً كبيراً، ويمكننا القول بأنه كان عالِم التشريح الأوّل في المجال الفني ، ولوحة "الرجل الفيتروفي" تؤكد عبقريته في مزج العلم والطب بالفن.  

لم يقتصر دوره على تشريح الجسد البشري، بل درس أيضا تشريح الحيوانات، وعبّر عن ذلك بقوله: "إن الرسام الماهر يجب أن يجيد رسم جسد الإنسان وكذلك ما يدور في عقله" . 

كما تعمّق دافنشي في علم النباتات وقام بتطويعها فنياً، ورسم مشاهد من الحياة اليومية وأيضاً رسومات للحدائق والحقول الإيطالية. 

تصنيفات

قصص قد تهمك