تقارير: مصنع روسي لإنتاج طائرات بدون طيار يعتمد على تكنولوجيا صينية وأيدي عاملة من إفريقيا

"صناعة المسيرات" رهان روسي لإعادة رسم مستقبل الحرب في أوكرانيا

صورة بالأقمار الاصطناعية لمصنع روسي لإنتاج الطائرات المسيرة - "وول ستريت جورنال"
صورة بالأقمار الاصطناعية لمصنع روسي لإنتاج الطائرات المسيرة - "وول ستريت جورنال"
دبي -الشرق

في حلقة جديدة من حروب المُسيَّرات، أظهرت صور التُقطت بكاميرا هاتف محمول، في أبريل الماضي، طائرة بدون طيار أوكرانية تحلق ببطء نحو وجهتها النهائية. وكانت الطائرة تُستخدم لضرب موقع يجري فيه تصنيع مسيرات روسية، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

كان الهدف مجمعاً للتصنيع في السهوب الروسية، حيث تعمل موسكو على زيادة إنتاج الأسلحة التي تحتاجها لتحقيق تقدم في أوكرانيا.

وقالت الصحيفة، إن 20 شخصاً أُصيبوا عندما اصطدمت المُسيَّرة بمساكن الطلاب في منطقة ألابوجا الاقتصادية الخاصة، معظمهم من طلاب الهندسة الشباب الذين تم إحضارهم من شرق إفريقيا.

وقالت السلطات الروسية، إن منشآت التصنيع لم تتضرر، لكن المخابرات العسكرية الأوكرانية قالت إن الانفجار تسبب في تعطيل الإنتاج بشكل كبير. ولم ترد منطقة ألابوجا الاقتصادية الخاصة، وكذلك الكرملين، على طلبات الصحيفة للتعليق على الأمر.

المسيَّرات والحرب في أوكرانيا

ويرى خبراء عسكريون، أن الهجوم سلَّط الضوء على جانب جديد مهم من الحرب في أوكرانيا، وهو مدى سرعة روسيا في زيادة إنتاج المُسيَّرات الاستطلاعية والهجومية إيرانية التصميم، عبر الاعتماد على مكونات صينية، وقوى عاملة إفريقية، والشبكات اللوجستية التي عززتها إيران خلال مواجهتها التي دامت سنوات مع الغرب.

وتلعب الطائرات المُسيَّرة دوراً مهماً على نحو متزايد في الصراعات الحالية، وخاصة في أوكرانيا. وشنَّت روسيا عشرات الهجمات باستخدام مُسيّرات "شاهد" الإيرانية، والتي يطلق عليها الأوكرانيون اسم "الدراجات البخارية" بسبب الضجيج الذي تصدره، بحسب الصحيفة.

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن وحدات الدفاع الجوي الأوكرانية تلجأ، في بعض الأحيان، إلى استخدام المدافع الرشاشة لإسقاط المُسيَّرات الروسية، نظراً لتكلفتها المنخفضة مقارنة بالصواريخ باهظة الثمن التي تستخدمها أوكرانيا.

وأشارت الصحيفة، إلى إطلاق إيران سرباً من المُسيَّرات في الهجوم الذي شنته مؤخراً على إسرائيل، في محاولة لإرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية لتسمح للصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز بتجاوزها، وهو التكتيك الذي تستخدمه روسيا أيضاً.

وأثارت أوكرانيا على تصنيع مُسيَّرات خاصة بها، سباقاً لكسب الأفضلية في توظيفها في الحرب، وفق الصحيفة الأميركية، إذ تمكنت الطائرات المُسيَّرة الأوكرانية من ضرب مصافي نفط، وبنى تحتية أخرى في عمق الأراضي الروسية.

تكنولوجيا صينية

وبعد فترة وجيزة من بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، نجحت أوكرانيا في استخدام المسيَّرة "بيرقدار تي بي 2"، التركية لإبطاء الزحف نحو كييف في بداية الحرب، ما تسبب في تغيير جذري في خطط موسكو للحرب. وفي المقابل، لجأت موسكو لإيران للحصول على طائراتها المُسيرة، مستفيدة من العلاقات التجارية والأمنية المتزايدة بين البلدين.

ومنذ ذلك الحين، شنَّت روسيا أكثر من 4000 هجوم باستخدام طائرات "شاهد" المُسيرة الإيرانية، وفقاً للجيش الأوكراني، ومكّن ذلك روسيا من استهداف محطات الطاقة وغيرها من المواقع الحيوية في عمق أوكرانيا.

وقال خبراء عسكريون إن النماذج الأولية للطائرات المُسيَّرة نُقلت مباشرة من إيران، لكن الهجمات الأخيرة نُفذت باستخدام أجهزة مُصنعة بالكامل في روسيا. ومنذ ذلك الحين، استفادت موسكو من التحالفات الرئيسية لبناء قدراتها الدفاعية.

وقال مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في أوائل أبريل الماضي، إن الصين زودت روسيا بالتكنولوجيا التي يُمكن استخدامها في الطائرات المُسيرة، بالإضافة إلى معدات عسكرية أخرى.

وقالت ذراع بحثية تابعة للجيش الأوكراني في سبتمبر الماضي، إن روسيا تستورد محركات من الصين لتشغيل مُسيرات "شاهد" الهجومية. وأضافت أن المورد هي شركة "بكين مايكروبايلوت لأنظمة التحكم في طيران المُسيرات".

وجاء في تقرير، أصدرته الأمم المتحدة في عام 2020، أن شركة "بكين مايكروبايلوت" قد تكون أحد موردي المحركات المستخدمة في مُسيرات "شاهد" التي عُثر عليها في الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن، وإيران على منشآت نفطية في السعودية العام الماضي، وفقاً للصحيفة.

وقال خبراء إن تكلفة محركات المُسيرة قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات عند تصنيعها بمواد عالية الجودة، ولكن هذه التكلفة يُمكن خفضها إلى بضعة آلاف إذا تم استخدام مواد أرخص. وأضافوا أن طول عمر المُسيرات لم يعد يمثل مشكلة، كما هو الحال مع المُسيرات الانتحارية.

"بكين مايكروبايلوت"

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن شركة "بكين مايكروبايلوت"، لم ترد على طلبها للتعليق على الأمر.

وأبرم رؤساء شركات روس صفقة بناء مصنع المُسيرات في منطقة ألابوجا الاقتصادية الخاصة في أواخر عام 2020، عندما زاروا طهران حاملين معهم عرضاً مغرياً بقيمة 1.7 مليار دولار، يتم دفع جزء منه في شكل سبائك ذهبية.

وكشفت مجموعة قراصنة تدعى "شبكة برانا" عن الشروط "غير العادية" للصفقة، والتي أكدتها "وول ستريت جورنال" مع مسؤولين أمنيين أميركيين. وقالت المجموعة إنها اخترقت خوادم بريد إلكتروني تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وتتمثل الخطة في إنتاج 6000 طائرة مُسيرة هجومية من طراز "شاهد" سنوياً في منشأة ألابوجا، بالإضافة إلى مُسيرات استطلاعية، وفقاً للعقد المُبرم بين مديري المصنع الروسي وشركائهم الإيرانيين، والذي سربته "شبكة برانا".

وفي نهاية أبريل، تمكن المصنع من إنتاج 4500 مُسيرة "شاهد" قبل الموعد المحدد، وفقاً لمؤسسة "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" البحثية البريطانية.

ويجري بالفعل تدريب الجنود الروس على تشغيل المُسيرات في سوريا على يد مدربين من الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" المدعوم من إيران، وفقاً للمخابرات العسكرية الأوكرانية وضابط سوري سابق يعمل لدى مؤسسة "إيتانا".

وتمكنت العشرات من مُسيرات "الباتروس" الاستطلاعية التي تم تصنيعها في مصنع ألابوجا من جمع معلومات استخباراتية مفصلة عن المواقع والتحركات الأوكرانية على خط المواجهة. وقالت الشركة المصنعة إن الطائرات المُسيرة ساعدت بالفعل في صد محاولة توغل أوكرانية في منطقة بيلجورود الحدودية الروسية.

وقال هنري طومسون، خبير المُسيَّرات الذي عمل سابقاً في المصنع، وفي الأمم المتحدة، للصحيفة إن روسيا تنتج الآن الرؤوس الحربية الخاصة بها بدلاً من انتظار مثيلاتها الإيرانية، ما يسرع إنتاج الأسلحة الجاهزة للقتال.

"عمالة ماهرة" من إفريقيا

وكانت روسيا بحاجة إلى عمالة ماهرة لتجميع الطائرات المُسيرة وزيادة الإنتاج. وكان الإنتاج الأولي لطائرات "الباتروس" الاستطلاعية يعتمد على طلاب من الكليات الفنية القريبة من المصنع، ولكن لم يكن هناك ما يكفي من الطلب لتلبية طموحات موسكو، ما دفع المصنعين إلى البحث في أماكن أبعد: إفريقيا.

وفي أوائل العام الماضي، استأجر رجال أعمال روس من منطقة ألابوجا الاقتصادية الخاصة قاعة في مدرسة راقية في العاصمة الأوغندية، كمبالا، حيث جمعوا مجموعة من الطالبات للاستماع إلى أفكارهن، وفقاً لصور التقطها المصنع وأشخاص حضروا الحدث.

وتضمن العرض الذي قدمه رجال الأعمال للطالبات وظيفة يحصلن من خلالها على راتب يزيد عما يحصلن عليه في أوغندا بثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى تذكرة سفر، وإقامة مجانية، وشهادة جامعية للانضمام إلى برنامج للعمل والدراسة.

تصنيفات

قصص قد تهمك