فوائد أخرى لأشهر أدوية السكري.. يغير مستويات النحاس والحديد والزنك في الجسم

اكتشاف فوائد أخرى لعقار "ميتفورمين" المخصص لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، صورة تعبيرية - mayoclinic
اكتشاف فوائد أخرى لعقار "ميتفورمين" المخصص لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، صورة تعبيرية - mayoclinic
القاهرة -محمد منصور

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون يابانيون أن عقار "ميتفورمين"، المعروف تجارياً باسم "جلوكوفاج" وأسماء أخرى، وهو الدواء الأكثر شهرة والأكثر وصفاً عالمياً لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، لا يقتصر تأثيره على خفض مستوى السكر في الدم، بل يؤدي أيضاً إلى تغييرات واضحة في مستويات بعض المعادن المهمة في الجسم مثل النحاس والحديد والزنك. 

وتمثل النتائج التي نشرتها دورية المجلة الطبية البريطانية، خطوة مهمة نحو فهم أعمق لآلية عمل الدواء بعد أكثر من 60 عامًا من استخدامه.

وأظهرت دراسات سابقة أن "ميتفورمين" المعروف بتأثيراته المتعددة، يساعد أيضًا في مقاومة الأورام والالتهابات وتصلب الشرايين، ومع ذلك تبقى الطريقة الدقيقة التي يعمل بها غير مفهومة تمامًا، وهو ما يعرقل تطوير أدوية أكثر فاعلية لمواجهة مرض السكري ومضاعفاته.

ويعد "ميتفورمين"، العلاج الأول والأكثر استخداماً لمرض السكري من النوع الثاني، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، كما يستخدم في علاج متلازمة تكيس المبايض، كما يوصف أحياناً خارج نطاق الاستعمال الأساسي لتقليل خطر الإصابة بمتلازمة الأيض لدى من يتناولون أدوية مضادة للذهان. 

ويتميز "ميتفورمين" بفعاليته في خفض الالتهابات، وعدم تسببه في زيادة الوزن، ويؤخذ عن طريق الفم، ولكن على الرغم من أنه دواء جيد التحمل عموماً، إلا أن بعض المرضى ربما تظهر عليهم آثار جانبية مثل الإسهال أو الغثيان أو آلام البطن، مع وجود احتمال ضئيل لانخفاض مستوى السكر في الدم، بينما يبقى خطر الحماض اللبني قائمًا عند استخدامه بجرعات عالية، أو في حالات القصور الكلوي الحاد.

مرض السكري

  • عدد المصابين بالسكري ارتفع من 200 مليون عام 1990 إلى 830 مليون عام 2022، مع تزايد أسرع في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل مقارنة بالدول الغنية.
  • أكثر من نصف المصابين بالسكري لم يتلقوا أي دواء لعلاجهم في عام 2022، وكانت نسبة التغطية العلاجية الأدنى في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
  • مرض السكري يسبب العمى والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلية.
  • في عام 2021 تسبب السكري وأمراض الكلى الناتجة عنه في أكثر من 2 مليون حالة وفاة، كما أن نحو 11% من وفيات القلب والأوعية كانت مرتبطة بارتفاع سكر الدم.
  • يمكن الوقاية من السكري من النوع الثاني أو تأخير ظهوره عبر نظام غذائي صحي، نشاط بدني منتظم، الحفاظ على وزن طبيعي، وتجنب التدخين.
  • يمكن علاج السكري وتفادي مضاعفاته أو تأخيرها من خلال الغذاء الصحي، النشاط البدني، الأدوية، بالإضافة إلى الفحوص الدورية وعلاج المضاعفات مبكرًا.

وينتمي "ميتفورمين" إلى فئة الأدوية المضادة لارتفاع السكر في الدم، ومن غير المعروف كيف يعمل هذا الدواء على وجه الدقة؛ لكن الباحثون يتوقعون أن الدواء يعمل عبر 3 آليات رئيسية؛ تقليل إنتاج الجلوكوز في الكبد، وزيادة حساسية الأنسجة للأنسولين، وتعزيز إفراز بروتين GDF15 الذي يساهم في تقليل الشهية وتناول السعرات الحرارية. 

وعلى الرغم من أن تركيبه الكيميائي وصف لأول مرة عام 1922 على يد إيميل فيرنر وجيمس بيل، إلا أن أول دراسة سريرية أجراها الطبيب الفرنسي جان ستيرن في الخمسينيات مهدت لاعتماده كدواء في فرنسا عام 1957. 

واليوم، يوجد "ميتفورمين" على قائمة الأدوية الأساسية التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية، ويتوافر بصفته دواء جنيس (مطابق للدواء الأصلي) زهيد الثمن، وأصبح ثاني أكثر الأدوية وصفًا في الولايات المتحدة عام 2023 بأكثر من 85 مليون وصفة طبية، كما احتل مكانة متقدمة ضمن أكثر 10 أدوية شيوعًا في أستراليا بين 2017 و2023.

وأظهرت دراسات سابقة أن هذا العقار يساعد أيضاً في مقاومة الأورام والالتهابات وتصلب الشرايين. ومع ذلك، تبقى الطريقة الدقيقة التي يعمل بها غير مفهومة تماماً، وهو ما يعرقل تطوير أدوية أكثر فاعلية لمواجهة مرض السكري ومضاعفاته.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، واتارو أوجاوا، الباحث في مجال الغدد الصماء بجامعة "كوبي" اليابانية، إن "مرضى السكري يعانون تغييرات في مستويات معادن مثل النحاس والحديد والزنك في الدم؛ وأثبتت أبحاث كيميائية أن "ميتفورمين" قادر على الارتباط ببعض المعادن مثل النحاس، وربما يكون هذا الارتباط مسؤولاً عن جزء من فوائده.

وانطلاقاً من هذه الفرضية، قرر أوجاوا وفريقه اختبار ما إذا كان الدواء بالفعل يؤثر على مستويات المعادن لدى البشر.

أجرى الفريق دراسة على نحو 200 مريض بالسكري في مستشفى جامعة كوبي، نصفهم فقط يتناول "ميتفورمين"، وحلل الباحثون عينات الدم لمستويات النحاس والحديد والزنك، إضافة إلى مؤشرات نقص المعادن.

وأظهرت النتائج أن المرضى الذين يتناولون "ميتفورمين" لديهم انخفاض ملحوظ في مستويات النحاس والحديد، وارتفاع في مستويات الزنك.

وهذه التغيرات، بحسب أوجاوا، مرتبطة عادة بتحسن تحمل الجلوكوز والوقاية من بعض مضاعفات السكري، ما يرجح أن تكون جزءاً من آلية عمل الدواء.

وتنظّم عناصر النحاس والحديد والزنك، الطاقة والإجهاد التأكسدي، والمناعة، وحتى طريقة استجابة الخلايا للأنسولين. 

وأظهرت الدراسة أن متناولي "ميتفورمين" لديهم نحاس وحديد أقل وزنك أعلى، وبالتالي لا يغير الدواء مستويات سكر الدم فقط، بل يحرك "كيمياء المعادن" التي تتقاطع مع مسارات السكر والالتهاب.

مستويات المعادن

حين ترتفع مستويات الحديد الضروري لنقل الأكسجين، يتصرف كمحفز لتفاعلات تولد جذورا حرة مؤذية ما يزيد الإجهاد التأكسدي المرتبط بمقاومة الإنسولين وتلف الأوعية، وبالتالي؛ فانخفاض معتدل في الحديد لدى متناولي "ميتفورمين" ربما يعني ضغطاً أقل على هذه المسارات، وبالتالي تحسناً في تحمّل الجلوكوز. 

أما النحاس، فيدخل في إنزيمات تنفس الميتوكوندريا ومضادات أكسدة، وتغذي زيادته المفرطة دوائر أكسدة أو اختزال تزيد الالتهاب، لذلك، فانخفاضه الطفيف ربما يهدئ تلك العملية ما ينعكس على حساسية الإنسولين وصحة الأوعية. 

ويرتبط الزنك تاريخياً بالإنسولين، إذ يساعد على تخزينه في خلايا بيتا، ويشارك في إغلاق قنوات وتنشيط مسارات الإشارة، وله أثر مضاد للأكسدة ومخفض للالتهاب، ويتسق ارتفاعه لدى متناولي "ميتفورمين" مع تحسن التعامل مع الجلوكوز أو تقليل بعض المضاعفات الوعائية. 

دور "ميتفورمين" في هذه التغيرات ما زال غير محسوم، لكن هناك فرضيتان رئيسيتان؛ الأولى أنه يرتبط كيميائياً بمعادن معينة مثل النحاس، فيؤثر على توافرها أو نشاطها الحيوي في الدم والأنسجة، والثانية أنه يغير من امتصاص المعادن في الأمعاء، أو من طريقة توزيعها بين الدم والمخازن مثل الكبد والعضلات؛ ما ينتج عنه بصمة معدنية جديدة تدعم تحسن التحكم في السكر.

وترتبط هذه التغيرات المتمثلة في انخفاض الحديد والنحاس وارتفاع الزنك، عادة بتقليل الإجهاد التأكسدي والالتهابات، وزيادة حساسية الأنسولين، وتقليل تلف الأوعية الدقيقة والكبيرة، وهو ما يشير إلى أن "ميتفورمين" لا يعمل فقط على الكبد والأمعاء والميتوكوندريا كما هو معروف، بل يمتلك طبقة إضافية من التأثير مرتبطة بتنظيم المعادن.

ولا يقتصر الأمر على فهم "ميتفورمين" وحده، إذ يرى أوجاوا أن هذه النتائج ربما تمهد لتطوير جيل جديد من أدوية السكري يعتمد على تعديل مستويات المعادن في الجسم، قائلاً: "نحن بحاجة إلى تجارب سريرية وأبحاث على الحيوانات لتحديد العلاقة السببية الدقيقة بين تأثيرات الدواء وتغيرات المعادن.. إذا تقدم هذا المجال، فربما نتمكن من تصميم أدوية جديدة تعالج السكري ومضاعفاته عبر ضبط هذه المستويات المعدنية".

تصنيفات

قصص قد تهمك