خطوة نحو استراتيجيات علاجية تقلل الجرعة ومدة العلاج والآثار الجانبية

مادة رخيصة تضاعف قوة المضادات الحيوية 10 آلاف مرة في قتل البكتريا

الجمع بين المضادات الحيوية التقليدية وجزيء الكلورات يزيد فعالية الأدوية ضد البكتيريا، صورة تعبيرية - getty
الجمع بين المضادات الحيوية التقليدية وجزيء الكلورات يزيد فعالية الأدوية ضد البكتيريا، صورة تعبيرية - getty
القاهرة -محمد منصور

توصلت دراسة حديثة إلى أن الجمع بين المضادات الحيوية التقليدية، وجزيء بسيط يدعى "الكلورات" ربما يشكل مدخلاً جديداً لعلاج الجروح المزمنة التي يصعب شفاؤها، ويتيح في الوقت نفسه وسيلة لتعزيز فعالية الأدوية الحالية ضد البكتيريا المقاومة.

وأظهرت الدراسة التي أعدها فريق باحثين جامعة أوريجون الأميركية ونشرتها دورية Applied and Environmental Microbiology، أن إضافة جرعات صغيرة من الكلورات إلى المضادات الحيوية في التجارب المعملية، تجعلها أكثر فاعلية بمعدل 10 آلاف مرة في قتل البكتيريا مقارنة باستخدامها منفردة. 

وتفتح هذه النتائج الباب أمام استراتيجيات علاجية قادرة على تقليص مدة العلاج بالمضادات، وتقليل جرعاتها وبالتالي الحد من السمية والآثار الجانبية.

ركزت التجارب على البكتيريا المعروفة باسم الزائفة الزنجارية Pseudomonas aeruginosa، وهي من الكائنات الدقيقة التي تستوطن الجروح المزمنة وتعرقل التئامها وتعرف بمقاومتها الكبيرة للمضادات الحيوية.

وتصيب هذه البكتيريا بالذات القروح الناتجة عن مرض السكري، مثل تقرحات القدم السكرية، والتي تصيب واحداً من كل 4 مرضى بالسكري من النوع الثاني، وفق بيانات الجمعية الأميركية للسكري. وفي نصف هذه الحالات تقريباً تتطور العدوى بشكل خطير، فيما يضطر واحد من كل 5 مرضى إلى إجراء عملية بتر.

وأوضح فريق البحث أن هذه هي الخطورة الظاهرة، إذ لا تؤدي الجروح المزمنة إلى الإعاقة وفقدان الأطراف فقط، بل تضع المرضى أمام مخاطر مضاعفة العدوى وتراجع جودة الحياة.

تعرف الجروح المزمنة بأنها التي لا تبدأ بالشفاء خلال فترة تتراوح بين 4 و12 أسبوعاً، وتبقى مفتوحة ومعرضة لمزيد من التدهور.

وهناك العديد من الأسباب البيولوجية وراء عدم التئام الجروح، بينها ضعف تدفق الدم، وارتفاع حاجة الخلايا المناعية إلى الأكسجين مع وجود البكتيريا في موقع الإصابة، ما يقلل كمية الأكسجين المتاحة للأنسجة. 

وتمثل البيئة الفقيرة بالأكسجين التحدي الأكبر أمام المضادات الحيوية، لأنها تكشف عن آليات المقاومة والتحمل الكامنة لدى البكتيريا، فعندما ينخفض الأكسجين، تتحول البكتيريا إلى "تنفس النترات" للحصول على الطاقة، ورغم أن نموها يتباطأ في هذه الحالة، لكنها تستمر في البقاء والانتشار، ما يجعلها أقل عرضة للتأثير التقليدي للمضادات التي صممت أصلاً لاستهداف البكتيريا سريعة النمو في بيئات غنية بالأكسجين، بحسب ميلاني سبيرو، قائدة فريق البحث.

والكلورات هي مجموعة من المركبات كيميائية رخيصة تحتوي على أيون الكلورات وهو أيون يتكون من ذرة كلور مرتبطة بثلاث ذرات أكسجين، وتعرف هذه المركبات بقدرتها العالية على إطلاق الأكسجين عند تعرضها للحرارة أو في ظروف معينة، ما يجعلها مواد مؤكسدة قوية تستخدم في مجالات صناعية وأحيانًا كمطهرات.

ورغم أن الكلورات بجرعات عالية قد تكون سامة، إلا أن الأبحاث الحديثة أشارت إلى أن استخدام جرعات صغيرة جداً منها يمكن أن يُحدث ضغطاً بيولوجياً على بعض أنواع البكتيريا، ما يجعلها أكثر حساسية تجاه المضادات الحيوية.

جاءت الدراسة امتداداً لأبحاث سابقة أجرتها سبيرو في معهد كاليفورنيا للتقنية، ولاحظت من خلالها للمرة الأولى قدرة الكلورات على قلب موازين المعركة ضد البكتيريا في زراعة الخلايا ونماذج الفئران المصابة بالسكري.

وأوضحت: "حتى الآن تبين أن المرّكب يعطل قدرة البكتيريا على الاستفادة من النترات في غياب الأكسجين، لكنه لا يقضي عليها وحده في جميع الظروف. غير أن تزامنه مع المضادات يخلق بيئة داخلية للبكتيريا لا تحتمل الضغط المزدوج، فتصبح عاجزة عن المقاومة".

التآزر الدوائي

الدراسة لم تقتصر على مضاد حيوي واحد، بل شملت أنواعاً متعددة، ما يعني أن الاستراتيجية قد تكون عامة وليست مرتبطة بدواء محدد.

وقالت سبير: "هنا تبرز أهميتها في ضوء التحدي العالمي المتصاعد المتمثل في مقاومة المضادات الحيوية".

وبينما يعكف الباحثون حول العالم على ابتكار أجيال جديدة من الأدوية، يطرح فريق هذه الدراسة فكرة مغايرة تعتمد على إعادة إحياء فعالية الأدوية القديمة عبر دمجها مع جزيئات بسيطة ذات تأثير تكاملي.

وربما تقلل مثل هذه المقاربة من الحاجة الملحة لاكتشاف مركبات جديدة معقدة ومكلفة، وتتيح الاستفادة من ترسانة الأدوية المتوفرة بالفعل، غير أن الطريق إلى التطبيق السريري لا يزال طويلاً، كما تؤكد سبيرو، مشيرة إلى أن التجارب أجريت في المختبر على مزارع خلوية، بينما تظل العدوى المزمنة في الواقع أكثر تعقيداً لكونها تضم مجتمعات ميكروبية متنوعة تتفاعل في ما بينها. 

وقال الباحثون إن الخطوة القادمة تتمثل في اختبار هذه التراكيب في نماذج أكثر قرباً من الواقع، مثل الحيوانات التي تحاكي بيئة الجرح البشري، قبل الانتقال لاحقاً إلى التجارب السريرية على المرضى. 

وشددت الدراسة على أن فهم الآليات الجزيئية بدقة ضرورة ملحة، إذ لا يكفي رصد النتيجة النهائية المتمثلة في قتل البكتيريا دون معرفة التفاعلات الداخلية التي تقود إلى ذلك.

وأوضحت سبيرو، أن السبيل إلى تصميم أدوية عقلانية يمر عبر كشف "الأجهزة الحيوية" التي يجري الضغط عليها داخل الخلية.

يمثل هذا العمل جزءاً من جهد علمي يتصاعد في مواجهة ما يعرف بـ"أزمة المضادات الحيوية"، فبحسب تقديرات حديثة، تتسبب البكتيريا المقاومة في مئات الآلاف من الوفيات سنوياً، وربما تصبح أكبر التهديدات الصحية عالمياً، بحلول منتصف القرن أحد، إذا لم يتم تطوير حلول جذرية.

ويراهن الباحثون على مبدأ "التآزر الدوائي"، أي البحث عن تركيبات تجعل الأدوية الموجودة أكثر فاعلية مما هي عليه منفردة، وإذا جرى التوصل إلى فهم آليات هذا التآزر، كما تأمل سبيرو، فلن يكون الأمر مجرد "لعبة تخمين" لتجريب كل تركيبة محتملة، بل عملية تصميم عقلاني تستند إلى معرفة ميكانيكية دقيقة.

وإذ ثبتت فاعلية الكلورات في تعزيز أداء المضادات ضد بكتيريا الزائفة الزنجارية، فمن المرجح أن تنطبق النتائج على أنواع أخرى من البكتيريا العنيدة التي تثير قلقاً متزايداً في المستشفيات حول العالم. 

والكلورات مادة معروفة منذ زمن طويل وغير مكلفة، ما يسهل استخدامها إذا جرى اعتمادها طبياً، لكن لا تزال هناك حاجة لإثبات سلامتها على المدى الطويل، وللتأكد من عدم حدوث تأثيرات جانبية غير متوقعة في بيئات حيوية معقدة.

وتقول سبيرو: "سيكون لهذه النتائج انعكاسات مهمة ليس فقط على علاج الجروح المزمنة بل على مجال الأمراض المعدية عموماً، ومعركتنا ضد مقاومة المضادات وفشل العلاجات".

وأوضحت أن الوصول إلى فهم أفضل لآليات التآزر الدوائي سيتيح البحث عن جزيئات أخرى تثير سلوكيات مشابهة، ويقود إلى حقبة جديدة من "تصميم الأدوية العقلاني" باستخدام مركبات تمت الموافقة عليها مسبقا. 

تصنيفات

قصص قد تهمك