دراسة تربط بين "السمنة البطنية" وحدوث ضرر في بنية القلب

مريض يعاني من السمنة يجري قياساً لمحيط الخصر  في عيادة للتغذية بتايلندا. 16 يونيو 2023 - Getty Images
مريض يعاني من السمنة يجري قياساً لمحيط الخصر في عيادة للتغذية بتايلندا. 16 يونيو 2023 - Getty Images
القاهرة -محمد منصور

ذكرت دراسة علمية أن "السمنة البطنية" ترتبط بتغيرات أشد ضرراً في بنية القلب مقارنة بالزيادة العامة في وزن الجسم، خاصة لدى الرجال.

وأشارت الدراسة إلى أن هذه التغيرات القلبية قد تتطور تدريجياً إلى قصور في وظائف القلب إذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب.

وكشف الباحثون في اجتماع الجمعية الإشعاعية لأميركا الشمالية أن تراكم الدهون في منطقة البطن يرتبط بنمط مرضي من إعادة تشكيل القلب يسمى التضخم المركز، حيث يزداد سمك عضلة القلب دون زيادة في حجمه الكلي، ما يؤدي إلى تقلص حجم حجرات القلب وانخفاض كمية الدم التي تضخها مع كل نبضة.

وأوضح فريق الدراسة أن هذه المشكلة تبدو أكثر حدّة لدى الرجال مقارنة بالنساء، ما يسلط الضوء على أهمية التركيز على السمنة البطنية، وليس الوزن العام فقط عند تقييم المخاطر القلبية.

وأظهرت الدراسة، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي القلبي المتقدم، أن السمنة البطنية التي تُقاس بنسبة محيط الخصر إلى الورك ترتبط بتراجع قدرة القلب على الاسترخاء بين الانقباضات، وهو عامل معروف بارتباطه لاحقاً بالإصابة بقصور القلب.

ارتفاع نسبة السمنة

وكشفت النتائج أن السمنة العامة التي تُقاس بمؤشر كتلة الجسم ترتبط غالباً بتوسع حجرات القلب، بينما السمنة البطنية ترتبط بسماكة عضلة القلب وانخفاض حجم حجراته الداخلية.

وبيّنت الدراسة أن هذه التغيرات البنيوية كانت أكثر وضوحاً في البطين الأيمن عند الرجال، وهو الجزء المسؤول عن ضخ الدم إلى الرئتين، ما قد يشير إلى أن الدهون البطنية تؤثر على التنفس وضغط الرئتين مسببة إجهاداً قلبياً مبكراً لديهم.

وتمّت دراسة بيانات 2244 بالغاً تراوحت أعمارهم بين 46 و78 عاماً، دون وجود أمراض قلب معروفة لديهم، ضمن إطار دراسة صحة مدينة هامبورج طويلة المدى في ألمانيا.

وكشف التحليل أن 69% من الرجال و56% من النساء كانوا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة وفق مؤشر كتلة الجسم، بينما ارتفعت نسبة السمنة بشكل كبير عند اعتماد محيط الخصر إلى الورك، حيث وصل معدل السمنة البطنية لدى الرجال إلى 91% مقابل 64% لدى النساء، وفق معايير منظمة الصحة العالمية.

وأكد الباحثون أن السمنة البطنية تعكس تراكم الدهون الحشوية المتوضعة عميقاً حول الأعضاء الداخلية، وهي أكثر أنواع الدهون خطورة على القلب مقارنة بالدهون السطحية أو الوزن الزائد العام.

وواصلت الدراسة توثيق انتشار التغيرات الدقيقة في أنسجة القلب لدى الرجال الذين يعانون من السمنة، وهي تغيرات لا يمكن اكتشافها إلا باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة، ما يشير إلى إجهاد مبكر لعضلة القلب حتى قبل ظهور أعراض ملموسة أو تشخيص مرضي رسمي.

وبيّنت التحليلات أن هذه التأثيرات السلبية للسمنة على القلب بقيت ثابتة حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخطر القلبية الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والتدخين والسكري ومستويات الكوليسترول، ما يؤكد أن السمنة، وخصوصاً البطنية، تمثّل عاملاً مستقلاً في تدهور صحة القلب.

ووجهت الباحثة الرئيسية في الدراسة، جنيفر إرلي، وهي أيضاً طبيبة أشعة في المركز الطبي الجامعي هامبورج-إيبندورف بألمانيا، رسالة واضحة مفادها بأن السمنة البطنية قد تكون أخطر مما يعتقد كثيرون، وأن تأثيرها على القلب يتجاوز مجرد زيادة الوزن.

وأكدت إرلي أن التركيز على خفض الوزن العام قد لا يكون الحل الأمثل للجميع، وأن التدخلات الصحية يجب أن تستهدف بالدرجة الأولى منع تراكم الدهون في منطقة البطن عبر النشاط البدني المنتظم، واتباع نظام غذائي متوازن، واللجوء إلى التدخل الطبي في حال تطلب الأمر.

التدخل المبكر

ولفتت الدراسة إلى أن الفروق بين الجنسين قد تكون ناتجة عن ظهور السمنة البطنية في وقت أبكر وبحدة أكبر لدى الرجال، أو عن الدور الوقائي المحتمل لهرمون الإستروجين لدى النساء، مع الحاجة إلى دراسات إضافية للتأكد من هذه الفرضيات.

وتواصل الدراسة تشجيع الأفراد على استخدام أدوات ذاتية بسيطة لمراقبة صحتهم القلبية، مؤكدة أن قياس نسبة محيط الخصر إلى الورك يمكن لأي شخص القيام به في المنزل باستخدام شريط قياس، وذلك عبر قسمة محيط الخصر عند أضيق منطقة على محيط الورك عند أوسع منطقة.

وأشارت إلى أن النسبة التي تتجاوز 0.90 لدى الرجال و0.85 لدى النساء تُعد مؤشراً على السمنة البطنية، وترتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب وفق معايير منظمة الصحة العالمية.

اقرأ أيضاً

كيف تكتشف "الدهون الحشوية" حتى لو كنت نحيفا؟

تراكم الدهون الحشوية يهدد صحة القلب والكبد حتى لدى النحفاء. تعرف على مخاطرها، طرق اكتشافها، وأبسط الأساليب للتخلص منها بنمط حياة صحي.

ولفت الباحثون كذلك إلى أن الوعي بهذه القيمة قد يساعد على التدخل المبكر وتغيير نمط الحياة قبل الوصول إلى مراحل صحية خطيرة.

ودعت الدراسة الأطباء إلى أن يكونوا أكثر وعياً بالصلة بين السمنة البطنية والتغيرات القلبية البنيوية، مؤكدة أن اختصاصيي الأشعة عند ملاحظة نمط تضخم عضلة القلب مع انخفاض حجم حجراته يجب أن يضعوا السمنة في الحسبان كسبب محتمل، وليس فقط اعتباره ناتجاً عن اعتلال عضلة القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو أمراض أخرى.

وأوضحت الباحثة إرلي أن الربط السريري بين مظهر القلب في التصوير بالرنين المغناطيسي وبين السمنة قد يسهم في الكشف المبكر وتحسين فرص العلاج والوقاية.

وأظهرت الدراسة أيضاً الحاجة إلى أن يتم التعامل مع السمنة البطنية باعتبارها عامل خطر رئيسي مستقل لأمراض القلب، وليس مجرد نتيجة لزيادة الوزن.

ودعت النتائج إلى أن يبدأ الأطباء والمرضى في تبنّي آليات استطلاع بسيطة ومستمرة لمراقبة الدهون البطنية، مع تعزيز التوعية بشأن مخاطرها الخاصة مقارنة بالسمنة العامة.

كما كثفت النتائج الدعوة إلى سياسات صحية عامة تستهدف السمنة البطنية تحديداً، بالنظر إلى انتشارها المتزايد بين الرجال في منتصف العمر.

مقاييس تقليدية

كما أشارت النتائج إلى أهمية تدخلات المجتمع والممارسات الصحية التي تساعد على تقليل خطر الإصابة بالسمنة البطنية، بما في ذلك نشر ثقافة النشاط البدني ودعم البيئات الصحية داخل العمل وخارجه، وتوفير برامج تغذية عملية وليست مكلفة، إضافة إلى تعزيز دور أوعية الرعاية الأولية في الاكتشاف المبكر.

وأقرّت الدراسة بأن زيادة الوزن قد لا تكون بالخطورة نفسها عبر جميع مناطق الجسم، وأن المكان الذي تتراكم فيه الدهون يلعب دوراً أساسياً في التأثير على القلب والصحة العامة.

وطرحت الدراسة منظوراً جديداً لمخاطر السمنة يتجاوز المقاييس التقليدية مثل الوزن ومؤشر كتلة الجسم، ودعت إلى دمج قياسات السمنة البطنية في الإرشادات الطبية المستقبلية الخاصة بتقييم مخاطر القلب.

وأكدت النتائج أن هذا التحول سيسمح بالتشخيص المبكر والموجّه، وسيعزز فاعلية خطط الوقاية من أمراض القلب قبل الوصول إلى مراحل يصعب علاجها.

كما نبّهت إلى أن الاستثمار في أدوات القياس المبكرة قد يوفر على منظومات الرعاية الصحية تكاليف طويلة الأمد ناتجة عن علاج أمراض القلب المتقدمة.

واختتمت الدراسة بتأكيد الباحثين على أن السمنة البطنية يجب أن تعامل بوصفها مؤشراً طبياً مهماً لا يقل أهمية عن ضغط الدم أو مستويات الكوليسترول، وأن فهم المخاطر المرتبطة بها يمثّل خطوة أساسية في حماية صحة القلب لدى الرجال والنساء، مع الإشارة إلى أن الرجال أكثر تأثراً بهذه المخاطر، وأن التدخل المبكر هو أفضل خط دفاع ضد تطور التغيرات القلبية التي قد تؤدي إلى فشل القلب لاحقاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك