نجح باحثون من كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا الأميركية في تقليص حجم أورام الدماغ الدبقية السرطانية عن طريق استهداف بروتينين مرتبطين بورم الدماغ، بدلاً من بروتين واحد، باستخدام العلاج بالخلايا التائية.
وأشارت النتائج، المنشورة في دورية "نيتشر"، إلى نجاح تلك الطريقة في تقليص حجم الأورام خلال 48 ساعة فقط في 6 مرضى مُصابين بالورم الأرومي الدبقي المتكرر غير القابل للعلاج.
وتظهر النتائج أن الاستراتيجية الواعدة يُمكنها تقليل نمو الورم السرطاني بشكل فعال، إذ يرى الباحثون أن هذا النهج "ثنائي الهدف" يُعد خطوة مشجعة للغاية نحو تطوير علاجات فعالة وطويلة الأمد للأورام الصلبة.
الورم الأرومي الدبقي
والورم الأرومي الدبقي هو النوع الأكثر عدوانية في أورام الدماغ لدى البالغين، وتنشأ على هيئة نمو للخلايا في الدماغ أو الحبل النخاعي. وينمو هذا الورم سريعاً ويمكنه غزو أنسجة الجسم السليمة وتدميرها. ويتكون الورم الأرومي الدبقي من خلايا تسمى الخلايا النجمية تدعم الخلايا العصبية.
وقد تحدث الإصابة بالورم الأرومي الدبقي في أي مرحلة عمرية. غير أنه غالباً ما يصيب البالغين الأكبر سناً والرجال في أكثر الحالات. وتشمل أعراض الورم الأرومي الدبقي نوبات صداع مستمرة التفاقُم والغثيان والقيء وضبابية الرؤية أو ازدواجها ونوبات الصرع.
ورغم العلاج العدواني، والذي يتضمن عادةً الجراحة والعلاجين الإشعاعي والكيميائي، إلا أن الأورام الدبقية غالباً ما تتكرر، وتصبح أكثر مقاومة للعلاج.
وتتضمن طرق علاج الورم الأرومي الدبقي المتكرر عادةً نهجاً متعدد التخصصات قد يشمل إجراء جراحة إضافية، أو علاجاً إشعاعياً أو علاجاً كيميائياً أو علاجاً مستهدفاً أو علاجاً مناعياً أو المشاركة في التجارب السريرية التي تختبر العلاجات التجريبية.
وعادةً ما يتوقع الأفراد المصابون بذلك النوع من الأمراض أن يعيشوا من 12 إلى 18 شهراً بعد تشخيصهم.
تعديل الخلايا التائية
ورغم عقود من البحث، لا يوجد علاج معروف لتلك الأورام، فالعلاجات المعتمدة لها تأثير محدود في إطالة متوسط العمر المتوقع للفرد، ومع ذلك، حتى بعد العلاج، وحين تعود الأورام للظهور، لا يزيد متوسط معدل البقاء على قيد الحياة عن عام واحد.
في تلك التجربة السريرية، استخدم الباحثون تقنية من تقنيات العلاج المناعي تُعرف باسم "كار تي"، أو العلاج بالخلايا التائية بمستقبلات المستضد الخيمري، وهو نوع من العلاج المناعي الذي يتضمن تعديل الخلايا المناعية للمريض للتعرف بشكل أفضل على الخلايا السرطانية ومهاجمتها.
واستخرج الباحثون من المرضى الـ 6، الخلايا التائية، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تلعب دوراً حاسماً في استجابة الجهاز المناعي للعدوى والسرطان، من دم المريض من خلال عملية تسمى فصادة الكريات البيضاء.
وفي المختبر، عدل الباحثون الخلايا التائية المجمعة وراثياً للتعبير عن مستقبل المستضد الخيمري (CAR) على سطحها، وتم تصميم هذا المستقبل للتعرف على بروتين معين (مستضد) موجود على سطح الخلايا السرطانية.
نوعان من البروتين
لكن، عوضاً عن التعرف على بروتين واحد، برمج الباحثون الخلايا التائية للتعرف على بروتينين شائعين في أورام المخ هما مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، والذي يُقدر أنه موجود في 60٪ من جميع الأورام الدبقية، ومستقبل إنترلوكين -13 ألفا 2 والذي يتم التعبير عنه في أكثر من 75٪ من تلك الأورام.
وفي حين يتم تقديم العلاج بالخلايا التائية المعدلة عادةً من خلال الوريد، قام الباحثون بإعطاء المريض تلك الخلايا مزدوجة الهدف من خلال الحقن في السائل النخاعي، حتى تتمكن الخلايا المهندسة من الوصول إلى الأورام بشكل مباشر أكثر في الدماغ.
وبعد أن وصلت للهدف، ارتبطت بالخلايا السرطانية، وتم تنشيط الخلايا التائية لتبدأ استجابة مناعية قوية، أدت إلى تقليل حجم الورم.
عدم تجانس الأورام
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة ستيفن باجلي، وهو أستاذ مساعد في أمراض الدم والأورام وجراحة الأعصاب: "هذه المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق العلاج بالخلايا التائية بهدفين، بدلاً من هدف واحد فقط، على المرضى الذين يعانون من ورم أرومي دبقي".
وأشار، في بيان، إلى أن "هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، فعند توصيل الخلايا من خلال السائل الشوكي للمريض، يمكن أن تكون المفتاح لتطوير علاجات تتفوق على أنظمة الدفاع المعقدة للأورام الأرومية الدبقية".
وقبل سنوات تمت الموافقة على العلاج بالخلايا التائية المعدلة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، لمحاربة عدد من السرطانات، مثل سرطان الدم، لكن الباحثين واجهوا صعوبات في هندسة الخلايا للبحث بنجاح عن الأورام الصلبة وقتلها، والتي تشكل الغالبية العظمى من أنواع السرطان، بما في ذلك الأورام الأرومية الدبقية.
فالتحدي الذي يواجه الباحثين في البحث عن طريقة لعلاج الأورام الأرومية الدبقية والأورام الصلبة الأخرى هو عدم تجانس الورم، ما يعني أن الخلايا الموجودة داخل الورم ليست جميعها متماثلة أو لديها نفس المستضد الذي تم تصميم الخلايا التائية لمهاجمته، كما أن الورم الصلب لكل شخص فريد من نوعه.
وبالتالي، فالعلاج الذي ينجح مع مريض واحد قد لا يكون فعالاً بالنسبة لمريض آخر.
السمية العصبية
علاوة على ذلك؛ يمكن للأورام الأرومية الدبقية أن تتهرب من الجهاز المناعي للمريض، وتمنع الخلايا المناعية، سواء الخلايا التائية المهندسة أو الخلايا المناعية للمريض التي قد تحارب الورم.
لكن، وفقاً للدراسة، عند برمجة الخلايا التائية للتعرف على نوعي البروتين انخفضت أحجام الأورام لدى جميع المرضى الستة، واستمر ذلك الانخفاض في الحجم لمدة عدة أشهر في مجموعة فرعية من المرضى.
ولفت باجلي إلى أن النتائج تحفز البحث في مجال استهداف أكثر من بروتين، قائلاً: "حريصون على مواصلة تجربتنا، والتي ستمنحنا فهماً أفضل لكيفية تأثير هذا العلاج بالخلايا التائية المبرمجة ثنائي الهدف على نطاق أوسع من الأفراد الذين يعانون من الأورام الدبقية المتكررة".
لكن أحد المخاوف الرئيسية في العلاج بالخلايا التائية المبرمجة، خاصة عند توصيله إلى الدماغ، هو السمية العصبية، والتي تحدث عندما تغير مادة سامة نشاط الجهاز العصبي، ويمكن أن تعطل أو تقتل خلايا الدماغ.
وقد أفاد الباحثون أنه في جميع المرضى الستة الذين عولجوا بعلاج الخلايا التائية المعدلة في هذه التجربة، كانت السمية العصبية كبيرة لكن يمكن التحكم فيها.