في خضم الأزمة العالمية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، أخضع الوباء الحكومات إلى اختبار قاس للتعامل مع تداعياته المالية والاقتصادية، ليصبح مدى نجاح التجربة المحلية أو فشلها في إدارة الأزمة عاملاً مؤثراً في العملية الديموقراطية للحكومات.
وخلال الشهور الماضية، تم تأجيل الانتخابات العامة في أكثر من 70 دولة، مقابل إجراء 55 دولة وإقليم انتخاباتها في المواعيد المحددة، وسط تضاربات سياسية في التعامل مع الأزمة العالمية جلعتها نقطة رابحة للبعض وخاسرة لأطراف أخرى.
مطالبات بالتنحي
في إسرائيل عاد الآلاف من المحتجين إلى الشوارع، السبت، لمواصلة المظاهرات المنددة بسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التعامل مع أزمة تفشي فيروس كورونا، والمطالبة باستقالته، تزامناً مع أزمة سياسية استقال خلالها عدد من الوزراء احتجاجاً على الإغلاق.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق عن "خطة الخروج" من أزمة كورونا، لم تمنع الخطة المتظاهرين من استئناف الاحتجاجات المناوئة لها.
وكانت الحكومة الإسرائيلية مددت قانون الطوارئ وأقر "الكنيست" قانوناً يحظر التظاهرات والصلاة في أماكن العبادة في إطار حالة الطوارئ المفروضة لاحتواء الوباء.
لكن معارضي التشريع اعتبروا أن قانون التظاهرات، يرمي إلى إسكات الاحتجاجات ضد نتنياهو الذي يواجه 3 تهم فساد إلى جانب اتهامه بالفشل في إدارة أزمة كورونا.
وبسبب التداعيات الاقتصادية التي تعانيها البلاد بعد أزمة كورونا والاضطرابات السياسية التي أعاقت إقرار الموازنة العامة، شهدت وزارة المالية استقالات لمسؤولين اقتصاديين كبار منهم المديرة العامة لوزارة المالية كيرن تيرنير، ورئيس قسم الميزانية شاؤول ميرودور، الذي انتقد سياسة الحكومة في التعامل مع أزمة كورونا "بقرارات قصيرة المدى وتجاهل الأعراف الاقتصادية".
وتضع الأزمة الأحزاب في مفترق طرق، بعد تهديد الكنيست بحل نفسه وإجراء انتخابات عامة جديدة للمرة الرابعة خلال عام، إن لم تتم الموافقة على الموازنة العامة التي يطالب نتنياهو، زعيم حزب "الليكود"، بإقرارها لعام واحد، في حين يصر وزير الدفاع ورئيس الوزراء المناوب، بيني غانتس، على إقرار ميزانية لعامين.
وتضغط أزمة كورونا على الأطراف السياسية وتصعّد الخلاف في الائتلاف الحكومي وسط ارتفاع شديد في أعداد الإصابات وانهيار الاقتصاد الذي تشهده البلاد منذ عمليات الإغلاق التام.
تعطيل خطط
برز ملف الخطة التحفيزية والتعامل مع جائحة تفشي فيروس كورونا في المناظرة الانتخابية الأولى بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومنافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن، إذ يتهم الأخير إدارة ترمب بالإخفاق في إدارة الأزمة والتسبب في الانتشار الواسع للفيروس ووفاة أكثر من 200 ألف مصاب، فضلاً عن أزمة اقتصادية كبّدت الولايات المتحدة خسائر وصلت إلى 16 تريليون دولار، بحسب ما نقلت وكالة بلومبرغ عن خبراء اقتصاديين.
وأدت تدابير الإغلاق التي بدأت في مارس الماضي إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 14.7%، في سنة يعمل فيها القطبان السياسيان، الحزب الجمهوري والديمقراطي، على الفوز بالرئاسة في الانتخابات المرتقبة في 3 نوفمبر المقبل.
وتواجه الأطراف السياسية المتنازعة في الانتخابات المقبلة أزمة بشأن إبرام اتفاق حول خطة جديدة لتحفيز الاقتصاد الأميركي، ما دفع الرئيس ترمب إلى تجميد المحادثات في هذا الصدد إلى ما بعد الانتخابات.
وكان مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، أقر في الأول من أكتوبر حزمة دعم بقيمة 2.2 تريليون دولار، لم تنل موافقة الجمهوريين في المجلس، علماً أنها أدنى بأكثر من تريليون دولار عن الاقتراح السابق للديمقراطيين، فيما بلغت قيمة آخر خطة تحفيز اقتصادي أُقرت أواخر أبريل الماضي500 مليار دولار.
ويصر البيت الأبيض على ألا تتجاوز الحزمة 1.6 تريليون دولار، وكتب ترمب على "تويتر" سابقاً أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تريد "مساعدة ولايات ديمقراطية تُدار بشكل سيئ وترتفع فيها معدلات الجريمة، وهذه أموال لا علاقة لها بأي شكل بكوفيد-19".
وأشار البيت الأبيض إلى "عرض سخيّ جداً بلغ 1.6 تريليون دولار"، متهماً بيلوسي بأنها "لا تفاوض بحسن نية" مضيفاً "سنصوّت بعد فوزي مباشرة (في الانتخابات) على مشروع قانون تحفيز ضخم، يركز على الأميركيين الكادحين والشركات الصغيرة".
انتصار الأزمة
في حين تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً من المعارضة وتهديدات بإجراء انتخابات عامة ويتبادل الديمقراطيون والجمهوريون الاتهامات بشان إقرار الحزم التحفيزية للاقتصاد المتهاوي في الولايات المتحدة، نجحت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن في احتواء تفشي الوباء واستخدام ذلك في حملاتها الانتخابية، لإحراز فوز ساحق في الانتخابات التشريعية.
وعلى الرغم من تأجيل نيوزيلندا الانتخابات التي كانت مقررة في 19 سبتمبر الماضي، بسبب موجة التفشي الثانية لفيروس كورونا في البلاد، كانت سبل إدارة الجائحة التي اعتمدتها أرديرن من الأسباب التي حققت لحزبها الفوز الساحق بـ 64 مقعداً في البرلمان خلال انتخابات 17 أكتوبر، بحسب وكالة رويترز.
وذكر غرانت روبرتسون وزير المالية النيوزيلندي لرويترز أن "الناس كانوا سعداء للغاية وممتنين للطريقة التي تصدينا بها للجائحة"، وذلك بعدما أعلنت نيوزيلندا رفع كل القيود وإجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضت للحد من انتشار الفيروس خلال أوائل شهر يونيو الماضي.
وعززت أرديرن، زعيمة حزب العمال الذي حصل على الأغلبية الساحقة وقد يشكل الحكومة الجديدة منفرداً، خلال حملتها الانتخابية طرق تصديها للجائحة، إذ أوضحت في تجمع انتخابي في العاصمة ويلينغتون قبل 6 أيام من الانتخابات، أنه على الرغم من عدم وجود كتيب إرشادي لمواجهة الوباء، "فقد عمل الجميع بجد وبشكل مبكر على الالتزام باستراتيجية الحكومة لمواجهة الفيروس، حتى استطعنا محاصرة الحالات الجديدة، وفتح اقتصاد البلاد بشكل أسرع من الدول الأخرى".
وتسعى أرديرن التي وصفت الاقتراع بأنه "انتخابات كوفيد" إلى الإشارة المستمرة لنجاح حكومتها في التعامل مع الأزمة الصحية، بعد احتوائها تفشي الوباء لمرتين منذ بدء الجائحة العالمية. وتشير استطلاعات الرأي بحسب وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن أرديرن في طريقها للفوز بولاية ثانية لرئاسة الحكومة في نيوزيلندا.