أظهرت تصريحات ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال جولته الخليجية، نيته العمل على إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة التي وصفها بـ"الوحشية"، لكن القلق يساور الوسطاء وكثير من المراقبين من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يبحث عن أي سبب لإطالة أمدها، تحقيقاً لأهدافه السياسية.
واستهل ترمب زيارته إلى دول الخليج العربي السعودية وقطر والإمارات، باستخدام دبلوماسية نشطة اتسمت بالانفتاح والإيجابية وحملت الكثير من الرسائل حول نيته إنهاء الحرب مثل قيام فريق أميركي بعقد سلسلة لقاءات مباشرة مع قادة حركة "حماس" الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة، أسفرت عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر.
وأكدت مصادر في الحركة لـ "الشرق"، أن هذه المباحثات تركزت حول البحث عن أرضية سياسية لإنهاء الحرب، وأن إطلاق سراح ألكسندر لم تكن سوى بادرة حسن نية هدفت إلى "كسر الجمود" في العملية التفاوضية.
مصادر دبلوماسية غربية وعربية قالت لـ"الشرق"، إن الرئيس الأميركي، "لديه العديد من الدوافع للعمل على إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ووضع ترتيبات أمنية دائمة، قد يتبعها خطوات لحل سياسي أو على الأقل، خلق واقع جديد أكثر استقراراً خاصة من الناحية الأمنية".
واعتبرت المصادر، أن أولى هذه الدوافع، هو العمل على إنجاز الترتيبات الإقليمية الكبرى التي يسعى لها ترمب، والتي تهدف إلى إبعاد النفوذ الصيني عن المنطقة، خاصة الخليج العربي، وحل أزمة الملف النووي الإيراني، وتعزيز الشراكة الاقتصادية الأميركية مع الدول العربية الغنية ذات المستقبل الاقتصادي الواعد.
كما أن من أهدافه أيضاً، حسبما ترى المصادر، إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، واستقرار إسرائيل، ما يؤدي إلى تغيير سياسي يسمح للدولة العبرية بالانخراط بفاعلية في الترتيبات المستقبلية في المنطقة.
وأوضحت المصادر، أن ترمب استمع إلى نصائح ومطالب من القادة العرب، أثناء الزيارة واللقاءات التحضيرية، بضرورة اتخاذ خطوات جدية لوقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، والتي باتت تجسد "حرب إبادة وتطهير عرقي".
دبلوماسية ترمب الخشنة
وترى إسرائيل أن ترمب يمارس "دبلوماسية خشنة" مع نتنياهو، بدأت في عزله تماماً عن ترتيبات المنطقة، بدءاً بالاتفاق الأميركي مع الحوثيين على وقف إطلاق النار، وصولاً إلى التفاوض مع إيران وفق اعتبارات أميركية وليس إسرائيلية.
وإضافة إلى ذلك، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقات مع السعودية، وفق مصالح مشتركة بين الدولتين، دون أخذ المطالب الإسرائيلية بعين الاعتبار، وفتح حوار أولي مع "حماس" بشأن مستقبل قطاع غزة، ودور الحركة في الاستقرار الأمني والسياسي.
ويرى مراقبون في إسرائيل، أن هذه المسارات السياسية للرئيس الأميركي، شكلت أدوات ضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية، وصلت إلى حد "العزلة" وحملت له رسائل قوية تطالبه بإحداث تغيير جوهري في سياسته، وإلا فإنه يقف في تصادم مع مسارات ترمب.
وبحسب العديد من المراقبين في إسرائيل، فإن ردود فعل رئيس الحكومة الإسرائيلية، على مبادرات ترمب اتسمت بالانفعالية، ومنها تصريحاته التي قال فيها بأنه "سيواصل الحرب على حماس، حتى لو سلمت جميع الأسرى الإسرائيليين، وأنه لن يوقف هذه الحرب حتى القضاء على الحركة".
واعتبر الكثير من المحللين هذه التصريحات، رسائل موجهة إلى الجانب الأميركي، أكثر مما هي موجهة للأطراف الأخرى.
وظهرت تسريبات إعلامية من مكتب نتنياهو في الساعات الأخيرة، يرى كثير من المراقبين أنها هدفت لاستفزاز حركة "حماس"، ودفعها للتشدد في مواقفها، وبالتالي إفشال الجهود والمساعي الأميركية.
ومن هذه التسريبات، ما نقل على لسان مصدر سياسي كبير (عادة ما يكون نتنياهو نفسه)، يؤكد على أن العروض التي قدمتها "حماس" من خلال الوسطاء مؤخراً في مفاوضات غزة، مثل تسليم السلاح الثقيل، غير مقبولة لإسرائيل، وأن الهدف منها هو "المراوغة".
وأضاف المصدر السياسي الإسرائيلي الكبير، وفق التسريبات، أن الحكومة الإسرائيلية "لن تقبل بأي حل لا يتضمن القضاء على حماس كلياً وتجريدها من كامل أسلحتها بما فيها الأسلحة الفردية".
تهجير الفلسطينيين على أجندة نتنياهو
ولوحظ عدم تطرق الرئيس الأميركي، أثناء جولته الخليجية، والتي تعد أول جولة خارجية رسمية له في ولايته الثانية، بعد حضور جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان، لأفكار متطرفة كان عرضها في السابق كحل للحرب، مثل تهجير سكان قطاع غزة، بل وأنه ناقض تلك الأفكار، حينما قال إن أهالي القطاع يستحقون حياة أفضل، وهو ما لم يرضِ نتنياهو، الذي أعاد التذكير بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كأحد أهداف الحرب.
ونقلت وسائل إعلام عن نتنياهو قوله، في لقاء أخير مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أنه يسعى لتدمير البيوت في غزة، بحيث لا يكون للفلسطينيين مكان يعودون إليه، وبالتالي لا يكون أمامهم خيار آخر سوى البحث عن الهجرة.
وأشار في هذا اللقاء، إلى أن العائق الوحيد الذي حال دون تهجير الفلسطينيين من غزة حتى اليوم هو عدم قبول دول العالم استقبالهم، مؤكداً أنه سيواصل الحرب حتى تحقيق الهدف.
عودة المفاوضات
وأدت جهود ومساعي الإدارة الأميركية، في الأيام الأخيرة إلى عودة الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى العاصمة القطرية الدوحة، لاستكمال المفاوضات، لكن التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن مستوى الوفد، والتعليمات التي تلقاها من المستوى السياسي لا تشير إلى فرصة لتحقيق اختراق.
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن الإدارة الأميركية تسعى في هذه المرحلة للتوصل إلى صفقة كاملة، بدلاً من اقتراح سابق للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف نص على تجزئة الصفقة إلى مراحل.
وقالت المصادر، إن الاجتماعات الأخيرة التي عقدها فريق، ويتكوف مع قيادة "حماس" في الدوحة، شجعته على البحث عن صفقة شاملة تؤدي إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين مرة واحدة، مقابل وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة، ومعالجة ملف سلاح حركة "حماس".
ولفتت المصادر في الحركة لـ "الشرق"، إلى أنها أبدت استعدادها في اللقاءات مع ويتكوف، للاتفاق على ترتيبات وقف إطلاق نار دائم تصاحبها ترتيبات أمنية تجري تحت إشراف الوسطاء خاصة مصر وقطر وتركيا.
وتقوم الترتيبات الأمنية المقصودة، على "وقف عمليات التدريب العسكري، ووقف التصنيع العسكري، ووقف حفر الأنفاق، وحفظ السلاح الهجومي تحت إشراف الوسطاء".
وقال دبلوماسي غربي لـ"الشرق"، إن إدارة ترمب "تريد نتائج عملية، وفي حال كانت حماس جدية في شأن الترتيبات الأمنية الدائمة، فإن هذا سيكون مقبولاً لهذه الإدارة".
رفض إسرائيلي
وسارعت إسرائيل لرفض هذه الأفكار والمقترحات، وأصرت على مواصلة الحرب حتى تحقيق هدف القضاء على "حماس" وتجريدها من سلاحها كاملاً، بحسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر كبير (يُعتقد أنه نتنياهو) قوله ساخراً: "حماس تريد تسليم سلاحها الثقيل من دبابات وطائرات ومدرعات، وبعد عشر سنوات تسلم سلاحها الفردي"، مضيفاً: "لن نوقف الحرب حتى تسليم الأسلحة الفردية والقضاء على الحركة".
والسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين في إسرائيل، وفي منطقة الشرق الأوسط، يتعلق بمدى امتلاك الرئيس الأميركي أدوات للضغط على نتنياهو، لوقف الحرب والتوجه نحو اتفاق كامل، أو تركه لديناميكيات السياسية الإسرائيلية الداخلية.