"لن ينجحوا".. كتاب يكشف خطة قائد الجيش الأميركي لمواجهة "انقلاب ترمب"

الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية - Getty Images
الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية - Getty Images
دبي -الشرق

أشارت مقتطفات من كتاب جديد حصلت شبكة "سي إن إن" على نسخة منه، إلى أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، خطط مع مسؤولين كبار بالجيش لإحباط محاولة الرئيس السابق دونالد ترمب، مع عدد من حلفائه "الانقلاب" على نتائج الانتخابات في نوفمبر الماضي. 

ووفقاً لما ورد في مقتطفات الكتاب، فإن الجنرال ميلي، وهو أعلى مسؤول عسكري في الجيش الأميركي، كان يخشى بقوة من أن يحاول الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب وحلفاؤه الانقلاب، أو "اتخاذ أي تدابير أخرى خطيرة أو غير قانونية بعد الانتخابات"، إلى درجة أن ميلي ومسؤولين كبار آخرين في الجيش الأميركي، لجأوا إلى التخطيط بشكل غير رسمي لوضع طرق مختلفة لإجهاض أي محاولة من قبل الرئيس السابق.

ويصف الكتاب، الذي ألفه صحفيا "واشنطن بوست" الحاصلين على جائزة "بوليتزر" للصحافة، كارول ليونيغ وفيليب روكر، كيف ناقش ميلي وغيره من قادة الأركان المشتركة خطة لتقديم استقالتهم، الواحد تلو الآخر، بدلاً من تنفيذ أوامر من ترمب اعتبروها "غير قانونية وخطيرة وغير حكيمة".

وكتبت ليونيغ وروكر، "كان ذلك نوعاً من مجزرة ليلة السبت"، في إشارة إلى سلسلة الأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة ليلة السبت 20 أكتوبر 1973 في أعقاب فضيحة "ووترغيت" التي أدت إلى استقالة الرئيس ريتشارد نيكلسون.

كتاب I Alone Can Fix It (أنا فقط من بيده إصلاح الأمر)، المقرر نشره، الثلاثاء المقبل، يؤرخ أحداث السنة الأخيرة من ولاية ترمب، ويلقي نظرة من وراء الكواليس على كيفية تعامل كبار مسؤولي الإدارة، والدائرة المقربة من ترمب مع سلوكه شديد التقلب بعد خسارته انتخابات 2020 الرئاسية.

وأشارت "سي إن إن" إلى أن المؤلفين التقيا ترمب لمدة تزيد عن الساعتين.

ويروي الكتاب كيف كان يعد الضابط الأعلى بالجيش الأميركي، الذي يتمثل دوره في تقديم النصح والمشورة للرئيس، لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، لمواجهة مع القائد العام للقوات المسلحة، خشية وقوع محاولة انقلاب بعد خسارة ترمب السباق الرئاسي في نوفمبر 2020.

"نذير شر"

ويوضح المؤلفان مخاوف ميلي المتزايدة من أن تكون تحركات بعض العناصر التي وضعت مساعدي ترمب في مواقع السلطة في البنتاغون بعد انتخابات نوفمبر 2020، بما في ذلك إقالة وزير الدفاع مارك إسبر، واستقالة النائب العام ويليام بار، "نذير شر قادم".

وتحدث ميلي، وفقاً لما ورد في مقتطفات الكتاب التي نشرتها "سي إن إن"، إلى أصدقاء ومشرعين وزملاء بشأن خطر حدوث انقلاب، وشعر رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه يجب أن يكون "على أهبة الاستعداد" لما قد يأتي.

وبحسب المؤلفين، قال ميلي لنوابه، "قد يحاولون، لكنهم لن ينجحوا"، مضيفاً: "لا يمكنهم القيام بذلك من دون الجيش، أو وكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي. نحن من يحمل السلاح".

وفي الأيام السابقة على أحداث اقتحام مبنى الكابيتول هيل في 6 يناير الماضي، كان ميلي قلقاً من دعوة ترمب لعمل شيء ما. و"أخبر طاقمه أنه يعتقد أن ترمب يؤجج اضطرابات ربما على أمل الحصول على ذريعة لاستدعاء قانون التمرد، واستدعاء الجيش"، وفقاً للكتاب.

وكتب المؤلفان أن ميلي كان ينظر إلى ترمب باعتباره "زعيم سلطوي كلاسيكي ليس لديه ما يخسره"، وكان يرى "أوجه تشابه بين خطاب أدولف هتلر كضحية ومنقذ في آن واحد، وادعاءات ترمب الزائفة بشأن تزوير الانتخابات".

ووفقاً للكتاب، قال ميلي لمساعديه، "هذه لحظة الرايخستاغ.. إنجيل الفوهرر"، في إشارة إلى المقر الخاص والأخير لهتلر.

وقبل مسيرة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" التي قام بها أنصار ترمب في نوفمبر، احتجاجاً على نتائج الانتخابات، قال ميلي لمساعديه إنه يخشى من أن "هذه يمكن أن تكون المعادل الأميركي الحديث للقمصان البنية في الشوارع"، في إشارة إلى الميليشيا الموالية للنازي التي دعمت صعود هتلر إلى السلطة.

"الإطاحة بالحكومة"

أجرى روكر وزميلته ليونيغ مقابلات مع أكثر من 140 مصدراً لجمع مادة الكتاب، لكن البعض لم يتم الكشف عن هوياتهم للتحدث بصراحة.

ويستشهد الكاتبان بميلي بكثافة، ويرسمان له صورة إيجابية باعتباره شخص "حاول الحفاظ على الديمقراطية عندما اعتقد أنها على حافة الانهيار بعد أن تلقى تحذيراً بعد أسبوع واحد من الانتخابات من صديق قديم".

ونقل الكتاب عن الصديق الذي لم يسمه، "ما يحاولون القيام به هنا هو الإطاحة بالحكومة.. كل هذا حقيقي يا رجل، أنت أحد القلائل الذين يقفون بيننا وبين بعض الأشياء السيئة حقاً".

وتلقت سمعة ميلي صفعة قوية في يونيو 2020، عندما انضم إلى ترمب في اللقطة التي أثارت الكثير من الجدل في كنيسة سانت جون، بعد أن فرقت القوات الفيدرالية بعنف حشداً سلمياً من متظاهري العدالة الاجتماعية في ساحة لافاييت خارج البيت الأبيض.

ومما زاد الطين بلة، أن ميلي كان يرتدي زياً عسكرياً مموهاً طوال فترة التصوير. لكنه اعتذر عن ذلك لاحقاً، وأكد: "ما كان يجب أن أكون هناك".

لكن، وراء الكواليس، أكد الكتاب أن ميلي كان على خط المواجهة في محاولة حماية البلاد، بما في ذلك قصة محاولته منع ترمب من إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريس راي، ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل.

وتروي ليونيغ وروكر مشهداً لميلي مع ترمب وكبار مساعديه في جناح في مباراة كرة قدم بين الجيش والبحرية في ديسمبر، عندما سأل ميلي رئيس موظفي البيت الأبيض، مارك ميدوز، أمام الجميع: "ماذا يحدث؟ هل ستتخلصون من وراي أو جينا؟"، وتابع: "هيا يا رئيس موظفي البيت الأبيض، ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟ ماذا تفعلون يا رفاق؟".

وأجابه ميدوز، "لا تقلق بهذا الشأن.. فقط بعض تغييرات في الموظفين". فرد ميلي: "فقط كن حذراً"، ما وصفه البعض، وفقاً لما كتبته ليونيغ وروكر، "تحذيراً من شيء كان يراه".

"بلا معنى"

يلقي الكتاب أيضاً الضوء على ولوج ترمب إلى فراغ مظلم ومعزول من نظريات المؤامرة وأوهام خدمة الذات، بعد إعلانه الطرف الخاسر في انتخابات 2020.

وبعد "تمرد 6 يناير"، وفقاً للكتاب، كان ميلي يجري مكالمة عبر تقنية الفيديو كونفرانس يومياً مع ميدوز ووزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو.

واستخدم المسؤولون هذه المكالمات لمقارنة الملاحظات وبحث ما يمكن أن تصل إليه هذه الاضطرابات بشكل جماعي.

وقال مسؤول رفيع لمؤلفي الكتاب، "كان الموضوع الرئيسي لهذه المكالمات هو مهما كانت الصعوبات سيكون هناك انتقال سلمي للسلطة في 20 يناير".

وقال ميلي لمساعديه إنه رأى هذه المكالمات فرصة لمراقبة ترمب، وفقاً للكتاب.

وروت ليونيغ وروكر أيضاً مشهداً بشأن زيارة بومبيو للجنرال ميلي في منزله في الأسابيع السابقة على الانتخابات، وأجرى الطرفان حواراً من "القلب إلى القلب" حيث كانا يجلسان على طاولة الجنرال.

وقال بومبيو، وفقاً لرواية الكاتبين عن أشخاص مطلعين على هذا الحوار: "تعلم أن المجانين يسيطرون". وكتب المؤلفان أن بومبيو نفى، عبر شخص مقرب منه، أن يكون أدلى بالتصريحات التي نسبت إليه، وقال إنها لا تعبر عن رأيه.

وفي الأسابيع الأخيرة، هاجم ترمب، ميلي، الذي لا يزال رئيساً لهيئة الأركان المشتركة في إدارة بايدن، بعد أن أدلى بشهادته أمام الكونغرس بشأن أحداث 6 يناير.

اتهامات

يحتوي الكتاب أيضاً على العديد من الحكايات اللافتة عن نساء اضطلعن بأدوار بارزة إبان رئاسة ترمب، مثل العضوة الجمهورية في مجلس النواب ليز تشيني، ورئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما.

ويسرد الكتاب تفاصيل محادثة هاتفية في اليوم التالي لـ"تمرد 6 يناير" بين ميلي وتشيني، التي كانت تتمتع بعلاقات عسكرية وثيقة.

وكانت تشيني صوتت لصالح محاكمة ترمب، وانتقدت بقوة الأكاذيب التي كان يرددها عن تزوير الانتخابات، ما أسفر عن عزلها من قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب.

في هذه المحادثة سأل ميلي النائبة الجمهورية عن وايومنغ عن حالها، فأجابته: "ذلك الرجل اللعين جيم جوردان، ذلك الابن العاهر"، وفقاً لما ورد في الكتاب.

ونقلت تشيني إلى ميلي صراحة ما تعرضت له داخل قاعة مجلس النواب في 6 يناير بعدما انتهك مؤيدو ترمب الحواجز الشرطية واجتاحوا مبنى الكابيتول هيل، بما في ذلك مواجهتها مع جوردان، الحليف القوي لترمب في مجلس النواب، الذي حاول بشدة إلغاء الانتخابات.

ووصفت تشيني لميلي حوارها مع جوردان، قائلة: "بينما كان يسير هؤلاء المجانين خلال المبنى، وكنت أقف في الممر، قال جوردان: نحتاج إلى أن نخرج السيدات بعيداً عن الممر. دعيني أساعدك، ضربتُ يده بعيداً، وقلت له ابتعد عني. أنت من فعل هذا".

"أحمق ومجنون وخطير"

ويكشف الكتاب عن محادثات بيلوسي الخاصة مع ميلي خلال هذه الفترة المتوترة. فعندما أقال ترمب إسبر في نوفمبر، كانت بيلوسي ضمن العديد من المشرعين الذي اتصلوا بميلي، وقالت له "إننا جميعاً نثق فيك. تذكر القسم الذي أديته".

وبعد تمرد 6 يناير، قالت بيلوسي للجنرال أنها تشعر بقلق عميق من أن يستخدم ترمب "الأحمق والخطير والمجنون" الأسلحة النووية في الأيام الأخيرة من ولايته.

وأجابها ميلي: "سيدتي، أضمن لك أن هذه الأمور مُحكمة للغاية"، وأضاف: "لن يكون هناك إطلاق نار عرضي بالأسلحة النووية". فسألته بيلوسي: "كيف تضمن لي"، أجاب: "سيدتي، توجد إجراءات. لن نتبع إلا الأوامر القانونية. لن نفعل إلا ما هو قانوني وأخلاقي ومهني"، أجابها ميلي.

وبعد أسبوع من التمرد، قادت بيلوسي الديمقراطيين في مجلس النواب من أجل إقامة ثاني محاكمة عزل ضد ترمب بداعي التحريض على التمرد. وفي مقابلة مع المؤلفين، قالت بيلوسي إنها تخشى من أن يحاول رئيس آخر "القيام بما تركه ترمب".

وقالت: "قد نحصل على شخص عاقل مثله، وسيكون هذ أمراً خطيراً حقاً، لأنه قد يكون شخصاً ذكياً واستراتيجياً إلى غير ذلك من الصفات الجيدة.. هذا كارثي. إنه لا يؤمن بالعلم، ولا بالحوكمة. إنه يبيع زيوت الثعابين، وهو داهية. فلنمنحه الموثوقية لبراعته".

شتائم وعلاقات متوترة

وينقل الكتاب عن ترمب، الذي كان يحتفظ بعلاقة متوترة مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أنه قال عنها لمستشاريه أثناء اجتماع في المكتب البيضاوي عن دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" وعلاقة الولايات المتحدة بألمانيا: "هذه الساقطة، ميركل".

وأضاف: "أعرف هذه الألمانية اللعينة"، مستخدماً عبارة مهينة للجنود الألمان من الحرب العالمية الأولى والثانية"، حسبما ورد في الكتاب.

وبحسب الكتاب، أشار ترمب إلى صورة داخل برواز لوالده، فريد ترمب، معروضة على طاولة وراء المكتب الرئاسي، وقال: "تربيت على يدي أكبر ألماني فيهم جميعاً"، وفقاً للكتاب.

وبعد 6 يناير، شارك ميلي في تدريب مع قادة عسكريين وقادة من وحدة إنفاذ القانون للتحضير لحفل تنصيب الرئيس جو بايدن في 20 يناير.

كانت واشنطن في حالة إغلاق بسبب مخاوف من قيام بعض الجماعات اليمينية المتطرفة، مثل "براود بويز" بمحاولات لعرقلة انتقال السلطة.

وأخبر ميلي مجموعة من كبار القادة، "ها هي الصفقة يا رفاق، هؤلاء العناصر نازيون، هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين قاتلناهم في الحرب العالمية الثانية. سنضع حلقة من الفولاذ حول هذه المدينة، ولن نسمح للنازيين بولوجها".

ولم يحضر ترمب حفل التنصيب في خروج لافت على التقاليد، انقضى الحفل دون وقوع حوادث. ومع انتهاء الحفل، توقفت كامالا هاريس، التي أدت القسم كنائبة للرئيس لتقديم الشكر إلى ميلي. وقالت له: "نعلم جميعاً ما فعلته أنت وآخرون. شكراً لكم"، حسبما ورد في الكتاب.

ويختم الكتاب بميلي الذي يعرب عن ارتياحه لعدم وقوع انقلاب، ويقول في نفسه: "الحمد لله القدير، لقد وصلنا بالسفينة إلى بر الأمان".