قصة علي شمخاني و"إمبراطورية الشحن".. من رجل أمن قوي إلى عائلة تحت العقوبات

علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق خلال حوار مع وسائل إعلام - وكالة تسنيم
علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق خلال حوار مع وسائل إعلام - وكالة تسنيم
طهران/ لندن-الشرق

ظلّ علي شمخاني على مدى أكثر من أربعة عقود، واحداً من أبرز وجوه الأمن للنظام الإيراني، منذ قيادته لقوات "الحرس الثوري" البحرية خلال الحرب مع العراق، إلى تولّيه وزارة الدفاع، ثم أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لعشر سنوات.

لكن اسم العائلة خرج في السنوات الأخيرة من إطار "الجنرال المخضرم" إلى عنوان متهم بتولي شبكة شحن وإتجار بالنفط (في الظل) تخضع اليوم لأكبر حزم العقوبات الغربية على إيران منذ سنوات، وهي التي يقودها نجله حسين (محمد حسين) شمخاني، الموصوف في بيانات أميركية وأوروبية بأنه "مهندس" جزء من "أسطول الظل" الذي ينقل النفط الإيراني والروسي في الخفاء.

مسيرة أمنية تمتد لعقود

وُلد علي شمخاني عام 1955 في الأحواز جنوب غربي إيران. وبرز اسمه خلال الحرب الإيرانية - العراقية قائداً للقوات البحرية في "الحرس الثوري"، ثم تولى لاحقاً قيادة القوات البحرية في الجيش النظامي أيضاً، وهو ما منحه على ما يبدو، نفوذاً واسعاً داخل المؤسستين العسكرية والأمنية.

علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق خلال مقابلة مع شبكة NBC NEWS الأميركية
علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق خلال مقابلة مع شبكة NBC NEWS الأميركية - وكالة "تسنيم" الإيرانية

بين 1997 و2005 شغل منصب وزير الدفاع في حكومة الرئيس "الإصلاحي" محمد خاتمي، وساهم في تلك الفترة في فتح قنوات مع دول الخليج، قبل أن يعود إلى قلب صناعة القرار الأمني عام 2013، حين عُيّن أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، المنصب الذي شغله حتى مايو 2023، في حكومتي حسن روحاني وإبراهيم رئيسي.

في 22 مايو 2023، وبعد استقالته من أمانة المجلس، أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي مرسوماً بتعيين شمخاني مستشاراً سياسياً له، وعضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام، في خطوة عُدّت دليلاً على استمرار قربه من مركز القرار رغم تغيير موقعه الرسمي.

عقوبات 2020.. من المجلس الأعلى إلى القائمة السوداء

في يناير 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من كبار المسؤولين الأمنيين في إيران، بينهم علي شمخاني، على خلفية الضربات الصاروخية التي استهدفت قاعدتين تضمان قوات أميركية في العراق، وذلك إثر اغتيال قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني.

علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني خلال مراسم أداء يمين الرئيس السابق حسن روحاني في البرلمان. 5 أغسطس 2017
علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني خلال مراسم أداء يمين الرئيس السابق حسن روحاني في البرلمان. 5 أغسطس 2017 - REUTERS

وذكرت تقارير متخصصة أن شمخاني أُدرج على القائمة باعتباره الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، والمسؤول عن جزء من إدارة الرد العسكري.

هذه العقوبات لم ترتبط بتهم فساد مالي أو أنشطة تجارية مباشرة، بل استهدفت – وفق الرواية الأميركية – الحلقة العليا من صناع القرار الأمني والسياسي المتهمين بالتورط في "أنشطة تهدد أمن القوات الأميركية وحلفائها".

ابن يتحوّل إلى لاعب رئيسي في تجارة النفط

في يوليو 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية حزمة جديدة وُصفت بأنها "أكبر إجراء مرتبط بإيران منذ 2018"، استهدفت شبكة واسعة من الأفراد والشركات والسفن قالت إنها خاضعة لسيطرة محمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، وتشكيل "إمبراطورية شحن" تنقل النفط الإيراني والروسي، وتُهرّب عوائده عبر "شركات وهمية" وصناديق استثمارية.

الوزارة أعلنت إدراج أكثر من 50 فرداً وكياناً، والتعرّف على أكثر من 50 سفينة ضمن هذه الشبكة، معلنةً أن جزءاً كبيراً من صادرات النفط الخام الإيرانية يُدار عبر هذه المنظومة، وأن عوائده "تُقدَّر بعشرات مليارات الدولارات"، وفق الاتهام الأميركي، وأنها "تُستخدم في تمويل أنشطة إيران الإقليمية وبرامج التسلّح"، بحسب البيان الأميركي.

أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع بالعاصمة طهران، 9 أغسطس 2005.
أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع بالعاصمة طهران، 9 أغسطس 2005. - REUTERS

تقارير تحليلية متخصصة في تعقّب حركة السفن والعقوبات، أشارت إلى أن شبكة شمخاني تدير أسطولاً من ناقلات النفط وسفن الحاويات، وتستعين بشركات مسجلة في الشرق الأوسط وقبرص وبنما ودول أخرى لتبديل أسماء السفن وأعلامها بصورة متكررة، وتغيّر شركات الإدارة على الورق لإخفاء المالك الحقيقي.

كيف يعمل "أسطول الظل"؟

بحسب وثائق وزارة الخزانة وقراءات مؤسسات بحثية، تعتمد الشبكة على أساليب معروفة في "عمليات التهرّب من العقوبات"، بينها استخدام شركات واجهة مسجلة بأسماء مديرين محلّيين، وتبديل أعلام السفن باستمرار، وتعطيل نظام التعريف الآلي (AIS) خلال الاقتراب من الموانئ الإيرانية، والقيام بعمليات نقل من سفينة إلى أخرى في عرض البحر، وخلط النفط الإيراني بشحنات من دول أخرى قبل إعادة تصديره. كما تُستخدم وثائق شحن معدّلة أو مزوَّرة لتغيير منشأ البضائع.

تقارير عن "أسطول الظل" الإيراني تشير أيضاً إلى قفزة في كميات النفط المخزّن على متن ناقلات قبالة السواحل الآسيوية، إذ قدّرت بيانات من شركات تتبّع الشحن أن إجمالي النفط الإيراني الموجود "على الماء" وصل إلى نحو 120 مليون برميل منتصف 2025، وأن قرابة 70 مليون برميل كانت في ناقلات قرب الموانئ الصينية، أو في تخزين عائم قرب ماليزيا وسنغافورة، ما يعادل احتياجات الصين من الخام الإيراني لقرابة شهرين.

من النفط إلى السلاح.. اتهامات بصفقات مع روسيا

إلى جانب تجارة النفط والغاز والبتروكيماويات، يتحدث بيان وزارة الخزانة الأميركية وملخصات متخصصة عن أن شركات ضمن شبكة محمد حسين شمخاني – وخصوصاً Crios Shipping، وشركات أخرى مسجلة في المنطقة، تورطت في نقل صواريخ ومكوّنات طائرات من دون طيار وبضائع ذات استخدام مزدوج من إيران إلى روسيا، في مقابل شحنات من النفط الروسي، في سياق تعميق التعاون العسكري بين موسكو وطهران خلال حرب أوكرانيا.

وتزعم تقارير صحافية أن جزءاً من شحنات الأسلحة هذه نُقل عبر البحر الأسود وبحر قزوين، وأن أوكرانيا استهدفت في 2025 سفينة في ميناء "أوليا" الروسي قالت إنها كانت تنقل قطعاً للطائرات المسيّرة وذخائر من إيران.

دور الشركات الوسيطة.. من "مارفايس" إلى "أوشن ليونيد"

تذكر وزارة الخزانة الأميركية أسماء عدد من الشركات باعتبارها أعمدة لشبكة شمخاني، من بينها Marvise SMC DMCC، وArmada Global، وKoban، وCrios، وFractal Marine، وDraco Buren، وغيرها، التي تدير أسطولاً من عشرات السفن ظاهرياً لصالح شركات مختلفة، بينما تُنسب السيطرة الفعلية إلى حسين شمخاني بحسب الاتهامات الأميركية.

ناقلة نفط قبالة ساحل بوشهر بإيران. 8 يونيو 2022
ناقلة نفط قبالة ساحل بوشهر بإيران. 8 يونيو 2022 - REUTERS

يلعب صندوق التحوّط Ocean Leonid Investments دوراً محورياً في تدوير الأرباح، وفق الاتهامات آنفة الذكر، إذ تشير تقارير متخصصة، استناداً إلى وثائق وإفادات مصرفية، إلى أنه يدير محفظة بمئات ملايين الدولارات مصدرها أرباح مبيعات النفط الإيراني والروسي، تُحوَّل عبر "شركات واجهة" قبل أن تُستثمر في عقود مشتقات مالية على الطاقة والمعادن. كما خضع الصندوق لتدقيق من جهات رقابية أميركية على خلفية علاقته ببنوك دولية قدّمت له تسهيلات ائتمانية.

عقوبات بريطانية وأوروبية.. واتهامات بزعزعة الاستقرار

في أغسطس 2025، انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في استهداف الشبكة، إذ أعلنت لندن إدراج حسين شمخاني على قائمة العقوبات مع شركات من بينها Admiral Shipping Group، وOcean Leonid Investments، وMilavous Group، متهمةً إياها بالمساهمة في تمويل نشاطات "مزعزعة للاستقرار" في الشرق الأوسط وتجاوز العقوبات على التجارة النفطية مع روسيا.

كما سبق أن أشار الاتحاد الأوروبي إلى دور هذه الشبكة في ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الذي يضم مئات السفن ذات "الملكية الملتبسة"، والمستخدمة لنقل النفط الروسي الخاضع لسقف السعر الغربي، إضافة إلى الخام الإيراني.

جدل زفاف الابنة.. صورة فاقعة لـ"ازدواجية المعايير"

بموازاة ملف العقوبات و"أسطول الظل"، انفجرت في أكتوبر 2025 قضية اجتماعية - سياسية داخل إيران عندما انتشر مقطع فيديو من حفل زفاف ابنة شمخاني الذي أقيم في ربيع 2024 في فندق "إسبيناس بالاس" الفاخر في طهران.

الفيديو أظهر العروس بفستان أبيض مكشوف الكتفين، ومن دون حجاب، بينما ظهر شمخاني نفسه وهو يرافقها إلى قاعة الحفل، ما أثار موجة غضب واسعة في الداخل، وعلى شبكات التواصل.

وسائل إعلام دولية وإيرانية معارضة وصفت الحفل بأنه "استعراض صارخ للتمايز الطبقي"، مشيرة إلى أنه أقيم في فندق من الأعلى كلفة في العاصمة، في وقت يعاني فيه ملايين الإيرانيين من التضخم والبطالة. وربط كثير من المنتقدين بين المشاهد المتداولة وبين تشدد السلطات في فرض قانون الحجاب، خصوصاً بعد وفاة مهسا أميني في سبتمبر 2022، وما تلاها من احتجاجات تحت شعار "امرأة، حياة، حرية"، التي قوبلت بحملة قمع واسعة.

تقارير حقوقية وأممية قالت إن السلطات الإيرانية شددت، في حينه، من المراقبة والعقاب على النساء المخالفات لقانون الحجاب، باستخدام الكاميرات وتقنيات التعرّف إلى الوجوه وتطبيقات للإبلاغ الشعبي، مع تشديد العقوبات الجزائية والمالية، ما يجعل صور زفاف ابنة مسؤول أمني بارز من دون حجاب رمزاً لاتهامات "ازدواجية المعايير" بين النخبة والجمهور.

بين العقوبات والغضب الشعبي

ترى واشنطن وحلفاؤها أن "شبكة شمخاني" مثال على كيفية استغلال النخب الحاكمة في إيران لمواقعها السياسية والأمنية من أجل الالتفاف على العقوبات وجمع الثروات وتمويل برامج الصواريخ، والطائرات المسيّرة، وتحالفات إقليمية، فيما تذهب طهران إلى اعتبار العقوبات "عداءً واضحاً للأمة الإيرانية"، ومحاولة لخنق اقتصادها، بحسب تصريحات لمسؤولين إيرانيين.

في الداخل، تُختزل قصة عائلة شمخاني لدى جزء من الرأي العام في معادلة بسيطة: مسؤول أمني رفيع صنّف لسنوات من أبرز المدافعين عن التشدد في قضايا الحجاب والاحتجاجات، فيما يعيش أبناؤه حياة مترفة، ويقود بعضهم شبكة تجارية عابرة للحدود متهمة بالفساد وتجاوز العقوبات. وهي صورة تغذّي، مع الأزمة الاقتصادية العميقة، حالة الاغتراب وعدم الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.

تصنيفات

قصص قد تهمك