تترقب موسكو تداعيات قرار الولايات المتحدة ودول حليفة، بمنع مصارف روسية من استخدام نظام "سويفت" للتحويلات المالية في العالم، بعد غزو أوكرانيا، والذي يُرجّح أن يمسّ بمواطنين روس، إضافة إلى شركات ومصارف.
وتشكّل "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف" (سويفت) شبكة مؤمنة للتراسل، لضمان المدفوعات السريعة عبر الحدود وباتت آلية أساسية لتمويل التجارة العالمية.
الجمعية التي أسّستها مصارف رائدة عالمياً، في عام 1973، تتخذ من بروكسل مقراً وتدير طلبات الدفع والمراسلات بين أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية من 210 دول في العالم.
وشكّل "سويفت" بديلاً لنظام "التلكس" لإرسال واستقبال الرسائل النصية بين الدول، إذ لا يحتفظ هذا النظام بالأموال ولا يحوّلها، بل يسهّل عملية إبلاغ المصارف بالتبادلات المالية. وأعلنت الجمعية أن شبكتها تنقل 42 مليون رسالة في اليوم.
"خنجر في قلب المصارف الروسية"
وستجد المصارف الروسية المحرومة من الاستفادة من "سويفت" صعوبة في التواصل مع المصارف الأخرى على المستوى الدولي، حتى في دول صديقة مثل الصين، ممّا سيؤدي إلى إبطاء حركة التجارة ويزيد من كلفة المعاملات.
ونقلت "رويترز" عن كيم مانشستر، الذي تقدّم شركته برامج تدريب على الاستخبارات المالية للمؤسسات، قوله إن قرار إقصاء بعض المصارف من الشبكة، وليس كلها، قد يدفع بعض الكيانات الروسية إلى التحوّل لمصارف ومؤسسات كبرى متعددة الجنسيات غير خاضعة للعقوبات، ممّا يسبّب مشكلة للمصارف العالمية. وتابع: "هذا فعلاً خنجر في قلب المصارف الروسية".
وذكر أن الحظر سيرغم المصارف الروسية على مزيد من الابتكار في التواصل مع النظام المالي، إذ قد تصبح المؤسسات متعددة الجنسيات، التي لديها عمليات ضخمة في العملات والمصارف المتصلة بشبكة "سويفت"، المراكز الجديدة للتعاملات المالية من روسيا مع الخارج، علماً أن معاملات روسيا في "سويفت" بلغت في عام 2021، 1.5% من المعاملات الإجمالية لهذا النظام.
ورجّح سيرجي أليكساشينكو، نائب الرئيس السابق للمصرف المركزي الروسي، والذي يقيم الآن في الولايات المتحدة، أن تمسّ العقوبات الغربية بالروبل الروسي بشدة، بما يؤدي لاختفاء كثير من الواردات المتجهة إلى روسيا. وأضاف: "هذه هي النهاية لشطر رئيسي من الاقتصاد. فنصف السوق الاستهلاكية سيختفي"، بحسب "رويترز".
شبكة "سويفت" روسية
وبعد ضمّ موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، وتهديد واشنطن بعزلها عن نظام "سويفت"، أنشأت روسيا نظاماً بديلاً للمدفوعات، نفذ بنجاح أول معاملة في عام 2017، ولديه الآن أكثر من 400 مؤسسة مالية في شبكته.
وأشار المصرف المركزي الروسي إلى أن عدد المراسلات على هذه الشبكة بلغ نحو مليونين في عام 2020، أي نحو خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية، ويستهدف المصرف رفع النسبة إلى 30% في عام 2023. لكن الشبكة الروسية، التي تقيّد عدد المراسلات وتعمل في أيام العمل الأسبوعية فقط، واجهت صعوبة في ضم أعضاء أجانب إليها.
وسيقيد منع مصارف روسية من استخدام "سويفت" وصول البلاد إلى الأسواق المالية في كل أنحاء العالم. كما سيواجه أفراد وشركات روسية صعوبات في دفع ثمن الواردات وتلقي أموال نقدية في مقابل الصادرات، كما أن بيع سلع إلى روسيا سيصبح أكثر خطورة وتكلفة.
ويمكن للمصارف الروسية استخدام أنظمة تراسل بديلة، مثل الهواتف أو تطبيقات المراسلة أو البريد الإلكتروني، لإجراء مدفوعات عبر المصارف في البلدان التي لم تفرض عقوبات على موسكو، ولكن يُرجّح أن تكون هذه الوسائل أقلّ كفاءة وأماناً، كما قد ينخفض حجم المعاملات وترتفع تكاليفها.
تعطّل مدفوعات وارتفاع تكاليف
ويستهدف حظر استخدام "سويفت" في روسيا، أن تخسر شركاتها إمكانية الوصول إلى المعاملات العادية السلسة والفورية التي تقدّمها هذه الشبكة، ما يرجح أن تتعطّل بشدة المدفوعات في مقابل صادرات روسيا من الطاقة والمنتجات الزراعية.
وقد تضطر المصارف إلى التعامل مباشرة مع بعضها بعضاً، ممّا يثير تأخيراً ويُحدث تكاليف إضافية، ويؤدي في النهاية إلى قطع إيرادات عن الحكومة الروسية، علماً أن المصرف المركزي الروسي رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 20% من 9.5%، لكبح تراجع قياسي في سعر صرف الروبل.
وأعلن المصرف المركزي الروسي، إجراءات لدعم الأسواق المحلية، بما في ذلك استئناف شراء الذهب في السوق المحلية، وإطلاق مزاد لعملية إعادة شراء بلا حدود، وتخفيف القيود على المراكز المفتوحة للعملات الأجنبية لدى المصارف.
أوردت مجلة "ذي إيكونوميست" أن حظر "سويفت" قد يؤدي إلى تجميد 630 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي في روسيا. واستدركت أن تداعياته ستكون تدريجية، ولن تشكّل "تغييراً في اللعبة". واعتبرت أن النظام المالي الروسي "المحصّن"، بدا قادراً على تحمّل الأسلحة الاقتصادية التي تجرأ الغرب على استخدامها، علماً أن وزير المال الفرنسي، برونو لومير، وصف حظر استخدام "سويفت" بأنه "سلاح نووي مالي".
اقرأ أيضاً: