روسيا تستغل انشغال الغرب بأوكرانيا وتوسع نفوذها في مالي

مواطن مالي يحمل العلم الروسي خلال احتفالات اليوم الوطني للجيش المالي في كاتي بمالي 20 يناير 2022 - AFP
مواطن مالي يحمل العلم الروسي خلال احتفالات اليوم الوطني للجيش المالي في كاتي بمالي 20 يناير 2022 - AFP
دبي- الزبير الأنصاري

مع انشغال القوى الغربية بالأزمة الأوكرانية، تستمر روسيا في تعزيز وجودها العسكري بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، خصوصاً في مالي، حيث تشكل تحالفاً بين النخبة العسكرية الحاكمة، ومجموعة عسكرية موالية لموسكو.

وأقامت القيادة العسكرية في مالي علاقات وثيقة مع روسيا بعد تدهور علاقاتها مع الغرب، وتحديداً فرنسا الحليف التقليدي والقوة الاستعمارية السابقة التي أعلنت التزامها بخفض قواتها في منطقة الساحل الإفريقي.

ووفقاً لتقارير غربية، تعتمد القيادة المالية تحديداً على مجموعة "فاجنر" الروسية، التي يعتقد أنَّ علاقات وثيقة تربطها بالكرملين، لتعزيز موقفها السياسي على المستوى المحلي، وضمان التصدي لأي انقلابات محتملة ضد النظام.

خريطة الانتشار

وبمجرد وصولها إلى مالي في ديسمبر 2021، بدأت قوات "فاجنر" في بناء معسكر خاص خارج محيط مطار "موديبو كيتا" الدولي في العاصمة باماكو، جنوب غربي القاعدة الجوية 101، التي تستخدمها القوات الجوية المالية. 

وخلال الأيام الماضي، لاحظت مصادر الحكومة الفرنسية، بناء ما يقرب من 12 خيمة عسكرية داخل المعسكر، إضافة إلى شاحنات نقل الجنود، والعديد من المركبات المدرَّعة.

كما أظهرت صور أقمار اصطناعية حديثة، حلَّلها "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" الأميركي، أعمال بناء مستمرة لقاعدة عمليات عسكرية في مطار باماكو، من المرجح أنْ تكون مركزاً للجنود الروس، وأن تستخدمها "فاجنر" لتسهيل انتشارها في مالي.

ولا يقتصر انتشار العناصر الروسية على باماكو، وإنما شمل أيضاً وسط مالي، وهي منطقة متوترة أمنياً، وتخضع إلى حد كبير لنفوذ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة"، والجماعات المسلحة المحلية الأخرى.

وفي هذه المنطقة تكبَّدت المجموعة الروسية أولى خسائرها في 5 يناير الماضي، عندما اصطدمت دورية مختلطة من قوات "فاجنر" والجيش المالي بعبوة ناسفة بين بلدتي "باندياجارا" و"بانكاس" في منطقة موبتي.

كما يعتقد أنَّ نحو 200 من عناصر "فاجنر" يتمركزون في بلدة "سيجو" وسط البلاد. وفي المجمل تشير تقديرات غربية إلى انتشار نحو ألف من مقاتلي "فاجنر" حالياً في مالي.

وتم نشر جنود روس أيضاً، في مدينة تمبكتو، محتلين القواعد التي كانت تشغلها عملية "برخان" الفرنسية، والتي سلمتها القوات الفرنسية إلى مالي في ديسمبر 2021.

أنشطة أمنية واقتصادية

ولا يعرف على وجه التحديد نطاق أو طبيعة أنشطة "فاجنر" في مالي، لكن تقارير سابقة تحدثت عن صفقة بين الحكومة المالية وروسيا، تقوم بموجبها المجموعة بتدريب قوات الجيش المالي، وتقديم خدمات الحماية الأمنية لكبار القادة السياسيين في البلاد.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، يشير وجود الجيولوجيين والمحامين المرتبطين بالجماعة في مالي، إلى أنَّ المجموعة ربما تقدم أيضاً خدمات أمن الموقع للشركات الروسية العاملة في نشاط التعدين.

واعتبر المركز أنَّ هذا النوع من العمل ينسجم مع أنشطة مجموعة "فاجنر" في البلدان الأخرى التي حصلت فيها روسيا على امتيازات تعدين في مقابل الخدمات الأمنية للمنظمة.

وبحسب المركز، فإنَّ المجموعة تستغل الأوضاع الحالية في مالي لنشر النفوذ الروسي في المنطقة، وتأمين المكاسب المالية.

ووفقاً لتقديرات وزارة الخارجية الأميركية، فإنَّ أنشطة المجموعة الروسية تكلف الحكومة المالية 10 ملايين دولار شهرياً.

تسليح القوات المالية

وتعمل المجموعة أيضاً، على تسهيل عمليات نقل الأسلحة الروسية إلى مالي، حيث تنشط بعض الطائرات العسكرية المرتبطة بالمجموعة في هذا المجال.

والأسبوع الماضي، تسلَّمت الحكومة المالية مروحيتين وجهاز رادار ومعدات عسكرية أخرى وصلت على متن طائرة شحن روسية إلى قاعدة عسكرية في مطار باماكو. وتنضم هذه الشحنة العسكرية الجديدة إلى أربع مروحيات أخرى وأسلحة وفرتها روسيا.

وذكرت وزارة الدفاع المالية على موقعها الإلكتروني، أنَّ الشحنة الجديدة "ثمرة شراكة مخلصة وطويلة الأمد" مع موسكو، موضحة أنها تتضمن "مروحيات قتالية ورادارات حديثة والكثير من المواد الأخرى اللازمة لمكافحة الإرهاب والتطرف".

وفي مارس الماضي، زار وزير الدفاع المالي ساديو كامارا موسكو مصحوباً بقائد القوات الجوية آلو بوا ديارا في رحلة غير معلنة تزامنت مع الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا.

وناقش القائدان توفير معدات عسكرية لبلدهما، على ما أفاد مصدران عسكريان وكالة "فرانس برس" حينها.

تنسيق سياسي

ومع هذا التعاون الأمني على الأرض، بدأ تقارب سياسي آخر يتشكل لتقترب باماكو من موسكو بقدر ابتعادها عن شركائها التقليديين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا.

وظهر التقارب الروسي - المالي في عدة مناسبات، حيث كانت مالي ضمن 35 بلداً امتنعت عن التصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس الماضي، دان الغزو الروسي لأوكرانيا بأغلبية كبيرة، وطالب الكرملين بوقف عملياته العسكرية فوراً.

كما امتنعت مالي عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

في المقابل، عرقلت روسيا السبت طلباً لمجلس الأمن الدولي بإجراء "تحقيقات مستقلة" في مزاعم تحدثت عن مجزرة بحق مئات مدنيين حدثت أواخر مارس، في مورا بمالي ارتكبها الجيش المالي والقوات شبه العسكرية الروسية.

تحديات تحقيق الاستقرار 

لكن إلى أي مدى تستطيع روسيا وقوات "فاجنر" المحسوبة عليها تحقيق الاستقرار في مالي بعد عقد من الاضطرابات والصراعات الداخلية.

تشكك تقارير غربية في مدى قدرة المجموعة الروسية على مواجهة الجماعات المسلَّحة في مالي والقضاء عليها، خصوصاً بالنظر إلى مهمتها المتعثرة في محاربة المتمردين في موزمبيق، والتي أظهرت خلالها المجموعة قلة خبرة وإعداداً سيئاً في مواجهة التهديدات المحلية.

وتنشر المجموعة عدداً محدوداً من القوات لا يتجاوز 1000 عنصر، وهو ما يقارب ثلث القوات التي كانت منتشرة في إطار مهمة "تاكوبا" الأوروبية، ومن غير المرجح، بحسب هذه التقارير، أن تحقق "فاجنر" ما لم تستطع قوة أكبر منها وأكثر خبرة تحقيقه.

كما تواجه هذه القوات المحسوبة على روسيا اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان آخرها في بلدة مورا، حيث تحدثت تقارير عن سقوط عشرات المدنيين في ما اعتبره الجيش المالي عملية ناجحة لمكافحة الإرهاب أدت إلى تحييد 203 مسلحين.

ونقلت منظَّمة "هيومن رايتس ووتش" عن مصادر محلية مزاعم بأن أكثر من 100 رجل روسي شاركوا في العملية الأخيرة للجيش المالي بمورا، والتي وصفتها المنظمة بأنها أسوأ الفظائع التي تم الإبلاغ عنها خلال الصراع المالي الممتد لأكثر من عقد. وتحدَّث شهود عيان عن جنود بيض البشرة يتحدثون لغة غير مألوفة يعتقد أنها الروسية.

استمرار الدعم الروسي

وسبق لبامكو وموسكو أن أكدتا أن هؤلاء المتعاقدين ليسو "مرتزقة"، بل مدربين يساعدون القوات المحلية بتجهيزات تم جلبها من روسيا.

وفي بيان الجمعة، قالت وزارة الخارجية الروسية، إنَّ موسكو "تعتبر الحملة الإعلامية حول من يسمون بالمرتزقة الروس جزءاً من لعبة جيوسياسية خبيثة".

وأكدت الخارجية أنَّ موسكو تقدم المساعدة للقوات المسلحة المالية "على أساس الاتفاقات الثنائية" بما يسهم في تحسين قدرات هذه القوات، مشيرة إلى أنَّ نحو 200 جندي و9 ضباط شرطة من مالي يتلقون حالياً تدريبات في روسيا.

وشدَّدت على أن روسيا "ستواصل مساعدة الماليين في إطار الجهود الجماعية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة"، داعية في الوقت نفسه السلطات في باماكو إلى تنفيذ ما وصفته بـ"سياسة متوزانة لتسوية الأزمات".

وكانت فرنسا أعلنت مع حلفائها الأوروبيين في منتصف فبراير الماضي عن انسحاب مهمتي برخان الفرنسية و"تاكوبا الأوروبية، احتجاجاً على ما وصفته بالهيمنة العسكرية على المشهد السياسي في البلاد، وعلاقات حكومة باماكو بالمجموعات الروسية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات