ما مصير الوجود العسكري الأوروبي في مالي؟

time reading iconدقائق القراءة - 5
جنود فرنسيين من قوة تاكوبا الجديدة خلال إحاطة في مقرهم في جاو ، مالي. 20 أغسطس 2021 - REUTERS
جنود فرنسيين من قوة تاكوبا الجديدة خلال إحاطة في مقرهم في جاو ، مالي. 20 أغسطس 2021 - REUTERS
باريس-أ ف ب

تثير العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين العسكريين في مالي وباريس تساؤلات حول مستقبل الحضور العسكري الفرنسي والأوروبي في البلد الغرب إفريقي، لكن خيار الانسحاب لا يبدو سهلاً سياسياً لفرنسا مع اقتراب انتخاباتها الرئاسية وفي ظل رئاستها الاتحاد الأوروبي.

وفي الأسابيع الأخيرة، تجاوز العسكريون الذين يسيطرون على السلطة في باماكو الخطوط الحمر التي وضعتها دول المنطقة وشركاء مالي الأجانب، فرفضوا تنظيم انتخابات في وقت قصير بهدف إعادة السلطة إلى المدنيين، ولجأوا إلى مجموعة "فاجنر" شبه العسكرية الروسية المثيرة للجدل، رغم نفيهم ذلك رسمياً.

وحاولت كل من باريس والاتحاد الأوروبي وواشنطن ثني حكام مالي عن السير في هذا الطريق. وشجب وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيين جان إيف لودريان وفلورنس بارلي مؤخراً احتمال نشر مرتزقة "فاجنر" في مالي، معتبرين أن ذلك "غير مقبول" و"يتعارض" مع وجود الآلاف من العسكريين الفرنسيين.

مكان أكثر أمناً

ولكن لم يكن للتهديدات والضغوط أي تأثير، ما دفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إلى اتخاذ حزمة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد مالي في منتصف يناير.

أما رد فعل باريس، فلم يمض حتى الآن أبعد من التنديد، مع التأكيد أن الروس لا ينشطون حالياً في نفس منطقة نشاط قواتها في مالي.

وتنخرط فرنسا عسكرياً منذ عام 2012 في مكافحة المسلحين في مالي، وقد كلفها ذلك 52 ضحية ومليارات اليوروهات. وأعلن وزير الخارجية جان إيف لودريان الجمعة أن فرنسا وشركائها الأوروبيين يعتزمون البقاء في مالي "لكن ليس تحت أي ظروف".

ومن المنتظر أن يتناول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الموضوع الأربعاء، في كلمة سيوجهها للجيوش الفرنسية. لكن شركاء أوروبيين آخرين مضوا أبعد من الاستياء والتنديد، فقد أشارت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريخت مؤخراً إلى إمكانية نقل الوحدة المشاركة في بعثة الاتحاد الأوروبي، والمكلفة بتدريب القوات المالية "إلى مكان آخر أكثر أماناً لجنودنا".

"تصفية الحسابات"

وقالت السويد التي تنشر نحو 300 عسكري في مالي، الخميس إنها "قلقة للغاية" بشأن الوضع في البلاد وتعتزم "تحليل تداعياته".

ولم يطلب العسكريون في مالي رسمياً من القوات الفرنسية والأوروبية المغادرة، لكنهم زادوا رسائلهم العدائية، في خضم انتشار مشاعر معادية لفرنسا في المنطقة.

وقد نظمت تظاهرات حاشدة ضد عقوبات "إيكواس"، الجمعة، في أنحاء مالي بدعوة من المجلس العسكري، هتف خلالها المحتجون بالكثير من الشعارات التي تنتقد القوة الاستعمارية السابقة.

بدوره، اتهم رئيس الوزراء المؤقت تشوجويل كوكالا مايجا فرنسا، الأحد، باستخدام "إيكواس" أداة "لتصفية حسابات أخرى"، وأشار إلى احتمال مراجعة اتفاقيات الدفاع التي تربط باريس وباماكو. 

وقال "نريد مراجعة الاتفاقات غير المتوازنة التي تجعلنا دولة لا تستطيع حتى التحليق فوق أراضيها من دون إذن من فرنسا".

وانتقدت باماكو، الأسبوع الماضي، حرية حركة الطائرات العسكرية الفرنسية التي تدخل المجال الجوي المالي أو تغادره. ولكن هيئة الأركان الفرنسية أكدت، الاثنين، أنه "لا توجد عقبات أمام العمليات الجوية" على أراضي مالي.

التمدد الروسي

وفي حال قررت مالي إغلاق حدودها الجوية، فإن ذلك سيمنع الجيوش الفرنسية من مواصلة مهمتها ويعطّل عمليات تناوب القوات، لا سيما مع استمرار الحظر على تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الجزائر الساري منذ أكتوبر.

وتعليقاً على هذا السيناريو المحتمل، قال مصدر فرنسي مقرب من الحكومة، إنه "لا يمكننا مساعدة الناس رغماً عنهم". لكنه نبّه بعض الفاعلين في الملف من خطر إفساح المجال أمام النفوذ الروسي في المنطقة.

وخفضت فرنسا قواتها العاملة في مالي منذ الصيف في إطار إعادة تنظيمها، لكنها تعتزم حتى الآن الإبقاء على قوات في جاو وميناكا وجوسي، تتقدمها مجموعة القوات الخاصة الأوروبية الجديدة "تاكوبا" التي أطلقتها باريس منذ أكثر من عامين، لتقاسم العبء مع حلفائها.

و"تاكوبا" رمز لـ"سياسة الدفاع الأوروبية" التي ينادي بها إيمانويل ماكرون، لكنها ستختفي في حالة الانسحاب، بعد أن نجحت فرنسا في إقناع عشرات الدول بالمساهمة فيها. وقد أعلنت النيجر المجاورة أنها لن تستضيف "تاكوبا".

وفي حال حدوث ذلك، فإنه سيمثل انتكاسة كبيرة في خضم الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، وقبل 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

ومما سيفاقم المرارة هو أن حصيلة 9 سنوات من التدخل العسكري بعيدة كل البعد عن أن تكون مرضية، إذ لا يزال للجماعات المسلحة التابعة لتنظيم "القاعدة" حضور بارز رغم تحييد العديد من قادتها.

ومن جانبها، لم تحاول الدولة المالية أبداً تثبيت حضورها بشكل دائم في المناطق المهمّشة. وامتد العنف إلى وسط البلاد ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، قبل أن يمتد جنوباً وصولاً إلى شمال ساحل العاج وبنين وغانا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات