دفع الغزو الروسي لأوكرانيا، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة صياغة كبرى لاستراتيجية الأمن القومي في الولايات المتحدة، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وتُظهر نسخ أولية من نصّ هذه الاستراتيجية، التي لا تزال قيد الإعداد، كيف تتبدّل أولويات الإدارة استجابةً للحرب في أوكرانيا والشراكة المزدهرة بين بكين وموسكو.
كان نشر الوثيقة مقرراً في يناير الماضي، لكنه أُرجئ بعدما رجّح مسؤولون أميركيون أن تغزو روسيا أوكرانيا. وأشارت "بلومبرغ" إلى إعادة صياغة النصّ بشكل كبير الآن، ليعكس التبدّلات التي يشهدها العالم منذ اندلاع الحرب، علماً أن موعد نشره ليس واضحاً.
وتؤكد المسوّدة الجديدة للنصّ على أهمية أوروبا وآسيا بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، في تحوّل عن النسخة السابقة التي ركّزت بشكل أكبر على الصين وآسيا. وبدلاً من التقليل من أهمية الصين، تفيد الوثيقة بأن الأحداث التي تشهدها أوروبا وآسيا مرتبطة ببعضها بعضاً بشكل معقد.
تحديات روسيا والصين
استراتيجية الأمن القومي، التي أعدّتها كل إدارة أميركية منذ عهد الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريجان، تتيح إحدى أفضل طرق الولوج إلى أسلوب تفكير البيت الأبيض بشأن ملفات السياسة الخارجية، بحسب "بلومبرغ".
هذه الوثيقة، التي تُعدّ بطلب من الكونجرس، تستهدف مساعدة المشرعين على تقييم أولويات موازنة الأمن القومي التي تطرحها الإدارة، من أجل توضيح علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء والخصوم، وضمان أن ممثلين من كل أقسام جهاز الأمن القومي الأميركي يتحدثون إلى نظرائهم الأجانب بصوت واحد.
ويشير خطاب ألقاه أخيراً وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، إلى صياغة محتملة للطريقة التي ستزن بها الوثيقة التهديدات التي تطرحها بكين وموسكو. وقال بلينكن إن روسيا تمثل "تهديداً واضحاً وحاضراً"، فيما تشكّل الصين "أخطر تحدٍ بعيد المدى للنظام الدولي".
والأهم من ذلك، يُرجّح أن تعتبر هذه الاستراتيجية أن التعامل مع التحدي الروسي في أوروبا وذاك الصيني في آسيا، لا يمكن أن يتم بشكل منفصل.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في 18 مايو: "بالنسبة إلينا، هناك مستوى معيّن من التكامل والتكافل في الاستراتيجية التي نتبعها في أوروبا وتلك التي نتبعها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. أعتقد بأن القدرة الفريدة التي يتمتع بها الرئيس بايدن لربط هذين الأمرين معاً، ستكون سمة مميّزة للسياسة الخارجية خلال رئاسته".
معضلة تايوان
غزو أوكرانيا دفع صنّاع السياسة في الولايات المتحدة، إلى التركيز على طموحات الصين بشأن تايوان. وحتى قبل اندلاع الحرب، رجّح مسؤولون في إدارة بايدن أن ترى الصين في أسلوب تعامل واشنطن مع أزمة أوكرانيا، دليلاً على كيفية تعاملها مع إجراءات أكثر عدوانية تتخذها بكين ضد تايبيه.
ومنذ اندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي، اعتبر مسؤولون أميركيون أن تطوّرات كثيرة توجّه رسالة قوية إلى الصين، بما في ذلك الإسراع في فرض عقوبات على روسيا، بالشراكة مع الحلفاء الأوروبيين، وتعزيز دول أوروبية موازناتها الدفاعية، واستعداد أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" للتخلّي عن عقود من السياسات الحذرة، من أجل مساعدة أوكرانيا مالياً وعسكرياً.
وقال الجنرال سكوت بيرييه، مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، في إشارة إلى غزو أوكرانيا: "سيراقب الصينيون هذا الأمر بعناية شديدة. سيستغرق الأمر منهم بعض الوقت لفهم ذلك".
ورفض مسؤولون صينيون مرات، اتهامات بالسعي إلى مهاجمة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتلوّح باستعادتها، ولو بالقوة إذا لزم الأمر، رغم أنها لم تسيطر عليها إطلاقاً. في الوقت ذاته، حذرت الحكومة الصينية من أن الولايات المتحدة تعتمد نهج "الحرب الباردة" تجاه آسيا. وسعت بكين إلى مواجهة ذلك، من خلال تعزيز علاقاتها مع دول جزرية في المحيط الهادئ، مع تكرار مطالبتها بمناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، بحسب "بلومبرغ".
وأضافت الوكالة أن تركيز إدارة بايدن على ترابط أوروبا وآسيا، كان مدفوعاً أيضاً باعتراف متزايد بالشراكة بين بكين وموسكو، فضلاً عن استعداد دول آسيوية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لفرض عقوبات على موسكو بعد غزو أوكرانيا.
التهديدات العابرة للحدود الوطنية
نتيجة ذلك، أجرت الولايات المتحدة حواراً مثمراً مع دول آسيوية بشأن الأحداث التي تشهدها أوروبا، ومع دول أوروبية حول الأحداث التي تشهدها آسيا. وكانت النقاشات مع الدول الأوروبية بشأن المحيطين الهندي والهادئ خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، "صعبة ومليئة بالتحديات وحذرة غالباً"، لكنها باتت الآن "منتجة جداً"، كما قال منسّق منطقة المحيطين الهندي والهادئ في البيت الأبيض، كورت كامبل.
يُرجّح أيضاً أن تتضمّن الوثيقة الأمنية المنقحة، توضيحاً للرابط بين التهديدات الناشئة العابرة للحدود الوطنية، مثل الاحتباس الحراري والتنافس الجيوسياسي التقليدي، علماً أن الفضاء الخارجي، على سبيل المثال، هو مسألة عابرة للحدود وخاضعة أيضاً للجغرافيا السياسية، كما نقلت "بلومبرغ" عن مصدر.
في ديسمبر 2017، نشرت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، استراتيجيتها للأمن القومي، التي ركّزت على "السيادة الأميركية". كذلك نشرت إدارة بايدن "التوجيه الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي"، في مارس 2021، لكنها لم تنشر بعد استراتيجيتها الكاملة للأمن القومي.
اقرأ أيضاً: