فتحت مراكز الاقتراع في فرنسا، الأحد، أبوابها، أمام الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي تشكّل اختباراً لقدرة الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون، على الاحتفاظ بالأغلبية في البرلمان وتنفيذ برنامجه في ولايته الثانية، في ظلّ تهديد من تحالف بقيادة المرشح اليساري الراديكالي السابق للرئاسة، جان لوك ميلانشون.
وأظهرت 4 استطلاعات للرأي، أن حزب "النهضة" بزعامة ماكرون وحلفاءه سينالون ما بين 268 و310 مقاعد في الاقتراع، وهذا أقلّ بكثير من 350 مقعداً فاز بها في الانتخابات السابقة عام 2017، علماً أنه يحتاج إلى 289 مقعداً لنيل الأغلبية المطلقة، في البرلمان الذي يضمّ 577 مقعداً.
ويُرجّح أن يحتلّ تحالف ميلانشون "الاتحاد البيئي والاجتماعي الشعبي الجديد"، المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد، بين 163 و207، علماً أنه يضمّ حزب "فرنسا الأبيّة" وأحزاب "الخضر" والاشتراكي والشيوعي.
أما حزب "التجمّع الوطني" بزعامة مارين لوبان، فيرجّح أن ينال بين 21 و49 مقعداً، فيما يُتوقّع أن يحصل حزب "الجمهوريين" اليميني على ما بين 38 و52 مقعداً، حسبما أفادت "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن الانتخابات البرلمانية، التي تشمل جولة ثانية مرتقبة، الأحد 19 يونيو، ستحدّد مقدار السلطة التي سيحصل عليها ماكرون خلال ولايته الثانية. وأضافت أن اقتراب تحالف ميلانشون من نيل 200 مقعد لن يمنحه الأغلبية، لكنه سيمكّنه من شلّ البرلمان، من خلال المماطلة في تمرير مشروعات القوانين، وتنظيم استفتاءات وتشكيل لجان تحقيق. واعتماداً على عدد المقاعد التي سينالها، قد يُرغم ماكرون على عقد تحالفات مع اليمين، من أجل تمرير مشروعات القوانين، بما في ذلك قرار مثير للجدل برفع سنّ التقاعد من 62 إلى 65 عاماً، فيما يريد ميلانشون خفضه إلى 60 عاماً.
"التعايش" مجدداً
ويحظى الرئيس في فرنسا بغالبية السلطة، عندما يتمتع حزبه وحلفاؤه بأغلبية في البرلمان، إذ يستطيع اختيار رئيس الوزراء الذي يريده وإقصاءه متى يشاء. ولكن يجب أن يحظى رئيس الوزراء والحكومة التي يشكّلها، بدعم البرلمان. وإذا حصلت مجموعة سياسية أخرى على الأغلبية، فسيُضطر ماكرون إلى اختيار رئيس وزراء يتبنّى سياسات وتوجّهات مختلفة تماماً، ممّا يحدّ من سلطته بشكل كبير، في ما يُسمّى "التعايش"، الذي شهدته فرنسا 3 مرات منذ ثمانينيات القرن العشرين، ولكن ليس خلال العقدين الماضيين.
ماكرون الذي تعهد باعتماد "نهج جديد" في حكم فرنسا، خلال حملته الانتخابية، اختار إليزابيث بورن رئيسة جديدة للوزراء الشهر الماضي، والتي باتت ثاني امرأة تشغل المنصب في تاريخ البلاد.
"تشافيز" الفرنسي
وتشكّل محاولة ميلانشون (70 عاماً) لتولّي رئاسة الحكومة، أحد أعراض المشهد السياسي المشتت في فرنسا، بحسب وكالة "أسوشيتد برس". وأضافت أن الأحزاب التقليدية، مثل الاشتراكيين و"الجمهوريين" في اليمين المحافظ، فقدت مكانتها لدى الناخبين بعد خسائرها في الانتخابات السابقة. وأشارت إلى ظهور 3 كتل سياسية، هي اليسار الراديكالي بقيادة ميلانشون، واليمين المتطرف بزعامة لوبان، والوسط بقيادة ماكرون.
وشبّه وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، ميلانشون بالرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز، علماً أن المرشح اليساري المتطرف أثار ضجة أخيراً، إذ كتب على تويتر، أن "الشرطة تقتل"، بعد وفاة راكبة في سيارة أطلق عليها شرطيون النار، بعدما رفضت التوقف لتفتيشها.
وحذر ماكرون من "تطرّف" ميلانشون، بقوله، الخميس الماضي: "لا شيء يمكن أن يكون أكثر خطراً، من إضافة فوضى فرنسية إلى الفوضى العالمية التي يشيعها المتطرفون". وأضاف: "ما يقترحه أقصى اليمين واليسار المتطرف، هو النأي عن كل ما سمح لفرنسا بأن تكون أكثر قوة وأن تصمد خلال الأزمات الماضية".
وتابع ماكرون: "أريد أن أنبّه النساء والرجال الفرنسيين، إلى أهمية الخيار أمامهم بدءاً من 12 يونيو". وشدد على الأهمية "الحاسمة" لانتخاب النواب، إذ أن نتيجتها تمسّ "مصير فرنسا والحياة اليومية للجميع". ونبّه إلى "لحظة فوضى كبرى" في العالم، سواء كانت "جيوسياسية" أو بيئية أو اجتماعية، أو "تتصل بالقيم مع إضعاف الديمقراطيات في كل مكان بالعالم الغربي".
في المقابل، سخر ميلانشون من "حماسة" ماكرون، مضيفاً: "ليس على رئيس الجمهورية أن يقود الحملة التشريعية التي لا يستطيع أصدقاؤه قيادتها".
واحتل ميلانشون المرتبة الثالثة في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، التي نُظمت في 10 أبريل الماضي، لكن نيله 22% من الأصوات جعله رقماً صعباً في المعادلة السياسية، دفعت ماكرون إلى استمالة أنصاره من أجل هزيمة لوبان في الدورة الثانية.
اقرأ أيضاً: