أبرزها لبنان وزامبيا.. هل تنتقل "عدوى سريلانكا" إلى دول أخرى؟

متظاهرون بالقرب من مجمع القصر الرئاسي في العاصمة السريلانكية كولومبو - 9 يوليو 2022 - AFP
متظاهرون بالقرب من مجمع القصر الرئاسي في العاصمة السريلانكية كولومبو - 9 يوليو 2022 - AFP
دبي -الشرق

مثلت الاحتجاجات في سريلانكا تحذيراً قوياً بشأن أوضاع اقتصادية مشابهة في عدة دول مثل زامبيا ولبنان، وبدرجة أقل في باكستان، وسط مخاوف من اندلاع أزمات طاحنة في بلدان أخرى بسبب تقديم معونات للمواطنين تستهدف تفادي وقوع اضطرابات رغم عجز الميزانيات وترنح الاقتصاد.

واعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الأزمة المالية والسياسية في سريلانكا المدفوعة بالمديونية المرتفعة، والتضخم الشديد، وسوء الإدارة الاقتصادية، تمثل "تحذيراً مباشراً" لعدد من الدول المثقلة بالديون، والتي "باتت الآن عرضة لاجتماع عوامل نقص الغذاء، والتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية فوق كاهلها".

وواصل المحتجون في سريلانكا احتلال القصر الرئاسي، وسط حالة عدم يقين بشأن القيادة السريلانكية، إذ لا يزال مكان الرئيس جوتابايا راجاباكسا مجهولاً. 

ولم يتطرق الرئيس بشكل مباشر حتى الآن إلى إعلان رئيس البرلمان بأن راجاباكسا سيتقدم باستقالته، الأربعاء. ولم يصدر عنه منذ اجتياح مقر إقامته الرسمي، سوى بيان من مكتبه يأمر المسؤولين بالتعجيل بتوزيع شحنة الغاز الطبيعي المقرر وصولها الأحد.

أزمة باكستان

وبينما تعاني دول، مثل زامبيا ولبنان، من هذه الأزمات، وتسعى للحصول على مساعدات دولية للحصول على قروض، أو إعادة هيكلة ديونها، قالت حكومة باكستان الجديدة، التي وصلت إلى السلطة أبريل الماضي، إنها نجت بصعوبة من التخلف عن سداد ديونها في الأسابيع الأخيرة، مدفوعة بارتفاع فواتير الوقود. 

وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي الباكستاني إلى قيمة لا تغطي شهرين كاملين من الصادرات، ما أدى بنسبة كبيرة إلى ضياع آمال إسلام أباد في الاستفادة من الأسواق المالية الدولية.

وقدمت الصين، الحليف القوي لباكستان قرضاً بقيمة 2.3 مليار دولار في يونيو لدعم احتياطيات العملة الأجنبية. 

وفي إطار مساعيها للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، ألغت حكومة باكستان، في يونيو، دعم البنزين، الذي بلغت قيمته 600 مليون دولار شهرياً، لتحقيق الاستقرار للميزانية الحكومية، وتمكين المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي.

كما رفعت السلطات الباكستانية سعر البنزين والكهرباء بشكل متكرر في الأسابيع القليلة الماضية لتواكب الأسعار العالمية للنفط.

الحالة السريلانكية

أما في الحالة السريلانكية، فرغم أن انهيار عائدات السياحة بسبب جائحة كورونا، والتضخم العالمي، واللذان ساعدا بقوة على دفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية، إلا أن وضع سريلانكا المالي غير المستقر ترسخ في مرحلة سابقة بسبب تراكم ديون الإنفاق على البنية التحتية، والتخفيضات الضريبية التي استنزفت إيرادات الحكومة، إلى جانب حظر استيراد الأسمدة ما أدى إلى انخفاض إنتاج المحاصيل.

ومن ثم، تخلفت سريلانكا عن سداد ديونها في مايو، وترك النقص الحاد في العملات الأجنبية الحاد البلاد في حالة عجز صارخ عن تأمين إمدادات الطاقة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتراجع ضخ الغاز. والشهر الماضي، ارتفع تضخم أسعار المواد الغذائية إلى 80.1%.

وقد تؤدي الاضطرابات السياسية في سريلانكا إلى إبطاء جهودها للتخلص من أزمتها الاقتصادية. ويقود ويكرميسنجه، الذي يشغل منصبي رئيس الوزراء ووزير المالية، مفاوضات بلاده مع صندوق النقد الدولي من أجل وضع خطة إنقاذ محتملة بمليارات الدولارات. 

وقال صندوق النقد الدولي، الأحد، إنه يراقب تطورات الأوضاع في سريلانكا عن كثب. وأضاف: "نأمل في التوصل إلى حل للوضع الراهن يسمح باستئناف الحوار بشأن تدشين برنامج يدعمه صندوق النقد الدولي".

"تناقض صارخ"

وفي الأشهر الأخيرة، دارت رحى الحياة اليومية لمعظم السريلانكيين بشأن قضاء الساعات في طوابير الحصول على الوقود، أو انتظار عودة التيار الكهربائي. لكن هؤلاء الذين أحاطوا بمقر إقامة الرئيس، الأحد، رأوا بأعينهم نمط حياة النخبة السياسية، التي تشرف على الأزمة الاقتصادية الحالية.

والسبت، بلغت أشهر المظاهرات المناهضة للحكومة والغضب الشعبي الناجم عن تعاملها مع الأزمة الاقتصادية ذروتها باقتحام آلاف المحتجين في العاصمة السريلانكية، كولومبو، مقار الإقامة الرسمية الخاصة براجاباكسا، ورئيس الوزراء رانيل ويكرميسنجه، واحتلالها. 

وقال رئيس الوزراء السريلانكي في تغريدة على تويتر، إن تنحيه عن منصبه "سيمهد الطريق أمام قادة الأحزاب السياسية في سريلانكا لتشكيل حكومة مؤقتة من جميع الأحزاب"، قبل إجراء انتخابات جديدة في موعد لم يتم تحديده بعد. 

وقال الموظف بأحد أرصفة الموانئ ويجيتها كومارا، الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، لـ"وول ستريت جورنال"، "ليس لدينا وقود أو طعام أو غاز للطهي، ولكن.. بينما نقع نحن تحت وطأة هذا العوز يعيش جوتابايا حياة الرغد والإسراف".

وأوضح كومارا، أنه حث جميع من حوله على عدم الإضرار بالممتلكات، بالنظر إلى أنها من المال العام. 

وبرغم الحزن الذي خيم عليه عندما رأى نمط حياة الترف والإسراف التي يتقلب فيها راجاباكسا، قال كومارا إنه سمح لنفسه بالتقط صورة "سيلفي"، مضيفاً: "لدينا أيضاً شعور بالانتصار على حاكم سيء".

والأحد، عاد الهدوء إلى شوارع العاصمة السريلانكية كولومبو. وسمح الحضور الأمني غير المكثف للمحتجين بالدخول والخروج من دون عوائق من المقر الرئاسي، وهو مبنى محصن يعود إلى الحقبة الاستعمارية.

مخاطر إعانات المواطنين

وتعمل بعض الحكومات في أماكن متفرقة من العالم جاهدة للتخفيف من وطأة تضخم أسعار الغذاء والطاقة عن طريق إطلاق إعانات جديدة، وتعزيز برامج الإنفاق الاجتماعي لتفادي وقوع الاضطرابات والجوع في خضم ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية.

كما توافق العديد من الدول على تقديم معونات جديدة، حتى في الوقت الذي تعاني فيه من عجز الميزانيات، وترنح الاقتصادات بسبب الاضطرابات الناجمة عن تفشي الوباء. 

وحذر المحللون من أن هذه الإعانات وبرامج الإنفاق الاجتماعي الجديدة قد تدفع بحكومات هذه الدول إلى أتون أزمات مالية طاحنة. 

وفي أوروبا، أعلنت حكومات من ألمانيا إلى اليونان وإسبانيا والبرتغال، في الأشهر الأخيرة، تخفيضات ضريبية ودعم الطاقة. وفي إفريقيا، أعلنت نيجيريا مؤخراً رصد 9.6 مليار دولار لدعم أسعار الوقود، بينما تنفق زامبيا 200 مليون دولار لتمديد دعم الوقود، برغم ارتفاع الدين في كلتا الدولتين.

وفي الوقت نفسه، تعمل دول آسيوية، من بينها الفلبين وسنغافورة وإندونيسيا، على تعزيز الإنفاق الاجتماعي، الذي غالباً ما يستهدف الأسر منخفضة الدخول، بمساعدات نقدية مباشرة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات