ليز تروس.. من الاحتجاج ضد تاتشر إلى "محبوبة" حزب المحافظين

وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس على دبابة خلال تفقدها وحدات عسكرية بريطانية في إستونيا عام 2021 - Twitter/@TheDeadDistrict
وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس على دبابة خلال تفقدها وحدات عسكرية بريطانية في إستونيا عام 2021 - Twitter/@TheDeadDistrict
دبي- الشرق

أعادت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، ابتكار نفسها سياسياً، بحيث باتت المرشحة المفضلة لخلافة بوريس جونسون في زعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء المملكة المتحدة، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

قادت تروس حملة من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتبنّى بحماس الانسحاب من التكتل (بريكست). كما أنها تحوّلت من ترديد شعارات مناهضة لحكومة رئيسة الوزراء المحافظة الراحلة مارجريت تاتشر، في ثمانينات القرن العشرين، وقيادة فرع حزب الليبراليين الديمقراطيين في جامعة أكسفورد، لتصبح العضو المفضّل لليمين في حزب المحافظين.

وقالت تروس خلال مناظرة تلفزيونية مع مرشحين لقيادة الحزب: "كان والداي ناشطين يساريّين، وأنا في رحلة سياسية منذ ذلك الحين". كما اعتبرت أنها أخطأت في موقفها المؤيّد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

بعد 6 أسابيع، قد تتولّى تروس أبرز منصب في بريطانيا، ولا منافس لها سوى وزير الخزانة السابق ريشي سوناك. وأشارت مكاتب المراهنات في المملكة المتحدة إلى أنها المرشحة للفوز، كما أظهر استطلاع أعدّه معهد "YouGov" إلى أنها ستهزم سوناك بسهولة في الدورة الثانية، خلال تصويت أعضاء الحزب.

مع "بريكست" وضده

تروس التي ستبلغ 47 عاماً الأسبوع المقبل، حظيت بإعجاب الجناح اليميني في حزبها، نتيجة أفكارها الليبرتارية (التحررية)، في إشارة إلى فلسفة سياسية تؤيّد الحدّ الأدنى من تدخل الدولة في السوق والحياة الخاصة للمواطنين، إذ تروّج دوماً لقيمة الأسواق الحرة، وتدعم خفض الضرائب، وتوجّه انتقادات متكرّرة للدولة التي تتدخل في حياة البريطانيين، بحسب "بلومبرغ".

كذلك حازت وزيرة الخارجية البريطانية إعجاب أبرز مؤيّدي "بريكست"، من خلال تحديها الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق الخروج الذي أبرمته حكومة جونسون، بما في ذلك طرح مشروع قانون يلغي الجزء الأكبر من بنوده المرتبطة بإيرلندا الشمالية.

وحتى حين أظهرت ولاءها لجونسون، لم تخفِ تروس طموحها إلى تولّي رئاسة الحكومة، إذ أدارت حساباً على تطبيق "إنستجرام" لمنافسة حسابات يديرها فريق سوناك على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما أنها دفعت مواطنين لمقارنتها بتاتشر، وهي أيقونة لحزب المحافظين، بما في ذلك وقوفها داخل دبابة في إستونيا، كما فعلت رئيسة الوزراء الراحلة خلال تفقدها القوات البريطانية في ألمانيا عام 1986.

تُعدّ تروس الأطول خدمة في الحكومة البريطانية، إذ شغلت مناصب وزارية منذ عام 2012 بقيادة ثلاثة رؤساء وزراء.

والدان يساريان

وُلدت تروس في عام 1975 لوالدين يساريين، وشاركت معهما في احتجاجات مناهضة للأسلحة النووية.

ونشأت في اسكتلندا، ثم انتقلت إلى ليدز حيث تابعت دراستها قبل أن تلتحق بجامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وبعد تخرّجها عملت في شركة "شل" النفطية بوصفها خبيرة اقتصادية صناعية، قبل أن تنتقل إلى شركة "Cable & Wireless" ومركز "Reform" البحثي.

وعملت تروس لأربع سنوات كعضو مجلس بلدي في جنوب شرقي لندن، قبل أن تدخل مجلس العموم (البرلمان) كنائبة عن جنوب غربي نورفولك في عام 2010.

وفي سبتمبر 2012، منحها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، أول منصب وزاري في وزارة التعليم، قبل أن تصبح وزيرة للبيئة في عام 2014. ثم تولّت حقيبتَي العدل والتجارة الدولية، قبل ترقيتها العام الماضي لتصبح وزيرة للخارجية، وهو أحد المناصب الأربعة الكبرى للدولة في السياسة البريطانية.

واعتبرت تروس أن تجربتها في الحكومة جعلتها مستعدة لتولّي رئاسة الوزراء، قائلة: "أظهرت أنني قوية تحت الضغط. تعاملت مع بعض أسوأ الفيضانات خلال جيل، ومع أسوأ أعمال الشغب في السجون منذ سترانجويز (في إشارة إلى شغب شهده سجن سترانجويز لمدة 25 يوماً في عام 1990، أسفر عن مصرع سجين وجرح 147 شرطياً و47 سجيناً)، ومع أسوأ حرب في أوروبا"، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا.

ورغم فترة خدمتها الطويلة في مجلس الوزراء البريطاني، عانت تروس أحياناً من سخرية زملاء لها، والصحافة والمواطنين، بما في ذلك نتيجة خطاب ألقته في عام 2014، وصفت فيه استيراد المملكة المتحدة معظم الجبن الذي تستهلكه، بأنه "عار".

مواقف محرجة

وتحدثت "بلومبرغ" إلى أكثر من 10 أشخاص يعرفون تروس، ذكروا أنها معروفة بالتعرّض لمواقف محرجة. وأشار أعضاء في حزب المحافظين إلى عادتها في "التحديق" بعينيّ محاورها والابتسام، من دون التحدث، لعدة ثوان. ورأى مقرّبون منها في ذلك محاولة كي تكون ودودة، فيما يعتبره آخرون أمراً مثيراً للتوتر.

وذكر آخرون أنها معروفة بين موظفي الخدمة المدنية، لمحاولتها السيطرة على الاجتماعات، من خلال التدخل عندما يتحدث مسؤولون، وإبلاغهم بصراحة أنها لا توافقهم الرأي بشكل كامل.

وأشار أشخاص عمِلوا مع تروس عن كثب، إلى صعوبة معرفة آرائها الشخصية الحقيقية بشأن ملفات سياسية مختلفة. وقال أحدهم إنها فشلت في إقناع مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأنها فهمت تفاصيل المفاوضات معهم، مضيفاً أنهم لم يتأثروا بمحاولاتها إبداء موقف حازم، خلال اجتماعات مع نظيرها الأوروبي ماروس سيفكوفيتش.

لكن تروس قدّمت نفسها بوصفها ابنة أسرة متواضعة. وحين سألها سوناك خلال مناظرة الأحد، عمّا إذا كانت نادمة عن كونها سابقاً عضواً في حزب الليبراليين الديمقراطيين، ردّت منتقدةً تلقيه تعليمه في واحدة من أرقى المدارس الخاصة في البلاد، وأشارت إلى أنها تلقت تعليمها في مدرسة حكومية عادية "تخذل" الأولاد.

في السياق ذاته، بُثّ تسجيل مصوّر لتروس، حين كانت بعمر 19 عاماً، تتحدث خلال مؤتمر للحزب ذاته في عام 1994، عن حملة روّجت لها لإلغاء الملكية في بريطانيا.

وتحظى خطط تروس لخفض الضرائب بنحو 34 مليار جنيه إسترليني (41 مليار دولار)، واتهامها سوناك بكبح النموّ، بتأييد الجناح اليميني لحزب المحافظين، كما تعهدت بخفض الإنفاق العام، وأشارت مرات إلى اتفاقات تفاوضت بشأنها أثناء كونها وزيرة للتجارة الدولية.

تلك الوعود مكّنت تروس من نيل دعم عدد كافٍ من نواب الحزب، لخوض عملية التصويت النهائي بين أعضاء الحزب البالغ عددهم 175 ألفاً، علماً أنها حظيت منذ فترة طويلة بشعبية لديهم، بحسب "بلومبرغ".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات