"غلاء وانتفاضات محتملة".. هذا ما سيحدث إذا قطع بوتين الغاز عن أوروبا

منشآت طاقة خاصة بخط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 1" في مدينة لوبمين الألمانية. 8 مارس 2022 - REUTERS
منشآت طاقة خاصة بخط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 1" في مدينة لوبمين الألمانية. 8 مارس 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

مع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد المخاوف الأوروبية بشكل كبير من إمكان لجوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قطع إمدادات الغاز، "انتقاماً" للعقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

وأوردت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريراً استشرفت فيه الانعاكاسات المحتملة لمثل هذه الخطوة، كشف أنها "تتراوح بين آثار اقتصادية كارتفاع أسعار وإغلاق مصانع، وتبعات سياسية مثل انتفاضات شعبية وعصيان مدني عبر عدم دفع فواتير الطاقة الباهظة، وصولاً إلى الإخلال بأهداف الحد من تغير المناخ".

وأشارت الصحيفة إلى أن الغاز الطبيعي يمثل نحو 25% من استهلاك الطاقة في أوروبا، منبهة إلى توريد روسيا 40% منه قبل غزو أوكرانيا، بشكل أساسي عن طريق خط أنابيب "نورد ستريم 1" الذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، والقادر على توصيل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.

وتم الانتهاء من خط أنابيب "نورد ستريم 2"، في أواخر العام الماضي، لكن الغرب عطل موافقات تشغيله كجزء من عقوبات بسبب هجوم بوتين على إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، ومحيطه.

نفوذ روسيا

واعتبرت الصحيفة أن "نفوذ روسيا لا يزال كبيراً"، مشيرة إلى أنه "عندما خفّضت موسكو فجأة الإمدادات عبر شبكاتها إلى 40% فقط من طاقتها، منتصف يونيو، لم يصدق كثيرون المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عندما قال إن الأمر يتعلق ببساطة بصيانة يجري تنفيذها".

وأشارت إلى أن "كثيرين رأوا في الخطوة الروسية تهديداً ضمنياً، وتذكيراً بأن روسيا تمسك بيد رابحة، ولديها القدرة على منع منشآت التخزين في أوروبا من الامتلاء قبل ما يُعد بالفعل "شتاءً مكلفاً للغاية".

وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول، دعا دول أوروبا صراحةً في مقابلة مع صحيفة  "فاينانشال تايمز"، في يونيو الماضي، إلى "تقليل اعتمادها على الإمدادات الروسية في أسرع وقت، والاستعداد للوصول إلى وسائل أخرى مثل إبقاء محطات الطاقة النووية مفتوحة وتسريع الدفع نحو مصادر الطاقة المتجددة".

وأضاف بيرول أن "أوروبا يجب أن تكون مستعدة في حال قطع الغاز الروسي تماماً"، موضحاً أنه "كلما اقتربنا من فصل الشتاء، كلما فهمنا نوايا روسيا". وأعرب عن اعتقاده في أن "تخفيض الإمدادات موجه نحو تجنيب ملء منشآت التخزين الأوروبية، وزيادة نفوذ موسكو في أشهر الشتاء".

وأبلغت شركات الطاقة في ألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبلغاريا عن تلقي كميات أقل من الغاز الروسي عما كانت تتوقعه هذا العام. وقالت شركة "جي آر تي جاز" الفرنسية إنها لم تتلق أي شيء من "نورد ستريم 1" منذ مايو الماضي، في حين حصلت "إيني" الإيطالية على النصف فقط.

ارتفاع الأسعار

وتطرقت "اندبندنت" إلى تحليل أجراه بنك "جولدمان ساكس"، يفيد بأنه إذا فعل بوتين "ما لا يمكن تصوره" وقطع إمدادات الغاز بشكل كامل، فإن تكاليف الطاقة المنزلية الأوروبية سترتفع بنحو 65%.

ويحذر البنك في تحليله من أن صناعات مثل إنتاج الأسمنت والكيماويات في ألمانيا وإيطاليا سيتعين عليها خفض استخدامها للغاز بنسبة تصل إلى 80%، لينكمش الناتج المحلي الإجمالي لهاتين الدولتين بنسبة 3% و4% على التوالي.

وقالت الصحيفة إنه حتى مجرد الاستمرار في التلاعب بالإمدادات كما فعلت روسيا في يونيو الماضي، يعني أن "من شبه المستحيل" تحقيق الدول الأوروبية هدف التخزين البالغ 80% بحلول نوفمبر، ما يفتح الباب أمام عجز الإمدادات.

بدائل أكثر تكلفة

ونقلت "اندبندنت" عن ناثان بيبر، محلل شؤون النفط والغاز في مجموعة "إنفيستيك" المصرفية قوله إن "الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها (تلك الدول) من الاقتراب من الهدف هي دفع أسعار مرتفعة للغاية".

وأضاف: "ترسل الولايات المتحدة الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا عبر آسيا لأن دولاً في أوروبا تدفع أكثر".

وزاد: "بما أن روسيا لم تعد مورداً مرغوباً فيه، أو يمكن الاعتماد عليه في عهد بوتين، تواجه الدول الأوروبية الاضطرار إلى الحصول على الغاز من أماكن أخرى، إما واردات الغاز الطبيعي المسال الأميركية المكلفة أو توصيل الإمدادات مباشرة من منتجين آخرين مثل النرويج وأذربيجان".

ورأت الصحيفة البريطانية أن القيام بذلك يعني التمسك بالموارد التي كان من الوارد اتجاهها إلى الأسواق الآسيوية، ما يزيد من المخاطر، وربما يجعل دولة أقل ثراءً مثل باكستان خارج اللعبة، وهذا ما يترك لها قليل من الخيارات، مثل العودة إلى الوقود الأحفوري المحدود مثل الفحم لتوليد الطاقة.

 أهداف المناخ

وأشارت "اندبندنت" إلى أن من شأن ما تقدم أعلاه أن يمثل "انتكاسة أخرى لأهداف المناخ العالمي الطموحة، في مواجهة نفاد الوقت بسرعة لمعالجة تلك الحالة الطارئة". وأضافت: "كما أن إيجاد بدائل، مثل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، أو إعادة فتح محطات الطاقة القديمة الملوِّثة للبيئة، أو بناء محطات جديدة، يستغرق دائماً وقتاً، وهو ما لا تملكه أوروبا ببساطة".

وقالت الصحيفة إنه "حتى المملكة المتحدة، التي تعد أقل اعتماداً على روسيا في إمداداتها من الغاز مقارنةً بالعديد من جيرانها الأوروبيين، لن تكون بمعزل عن ارتفاع الأسعار الناجم عن النقص في أماكن أخرى".

وأضافت: "من دون اتخاذ إجراء كبير، سيتعين على دول أوروبا الغربية كبح جماح استخدامها للطاقة هذا الشتاء، وهي عملية ستبدأ بتحرك الحكومات لتقييد الكمية التي تستخدمها الصناعة من خلال فرض قيود صارمة. وقد يعني القيام بذلك أن يصبح إنتاج بعض السلع غير مربح في ظل ارتفاع التكاليف".

وأشارت "إندبندنت" إلى أن "تبعات ذلك من الناحية النظرية بدأت تظهر في تخفيف الإضاءة الإلزامي لأضواء الشوارع كجهد للحفاظ على البيئة أو حتى توفير الطاقة، ما يتطلب من الشركات الترفيهية إغلاق أبوابها مبكراً لتوفير الطاقة".

وزادت: "مع ذلك، فإن مثل هذه الخطوات ستكون جذرية". وذكّرت بتحذير وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بالفعل من أن التدابير المماثلة "يمكن أن تشعل شرارة الانتفاضات الشعبية"، وهو احتمال حقيقي عندما يفكر الناس بالفعل في التخلي عن دفع فواتير الطاقة الخاصة بهم كعمل من أعمال العصيان المدني احتجاجاً على الفواتير المتصاعدة.

استناداً إلى ما تقدم، و"قبل أن تصبح الأمور مروعة للغاية"، رأت الصحيفة أن "روسيا ستكون مترددة في المخاطرة بالتسبب بمزيد من الضرر لاقتصادها الذي يعاني بالفعل نتيجة العقوبات، وإنها ستفكر ملياً قبل حجب مثل هذه السلعة المربحة، والتي يمكن أن تخلق مشاكل سياسية لبوتين واضطرابات في شوارعها". واستشهدت بالاتحاد السوفيتي عندما أبقى إمدادات الغاز تتدفق طوال الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات