معلومات استخباراتية: اتفاق سري لتصنيع المسيرات الإيرانية في روسيا

إيرانيون يعيشون في أوكرانيا يشاركون بوقفة احتجاجية في وسط كييف بأوكرانيا ضد تزويد الحكومة الإيرانية روسيا بطائرات بدون طيار. 28 أكتوبر 2022. - REUTERS
إيرانيون يعيشون في أوكرانيا يشاركون بوقفة احتجاجية في وسط كييف بأوكرانيا ضد تزويد الحكومة الإيرانية روسيا بطائرات بدون طيار. 28 أكتوبر 2022. - REUTERS
دبي-الشرق

بعد أسابيع من قصف المدن الأوكرانية بطائرات مسيرة إيرانية الصُنع، توصلت موسكو سراً إلى اتفاق مع طهران لبدء تصنيع مئات الطائرات بدون طيار على الأراضي الروسية، وفقاً لمعلومات استخباراتية جديدة اطلعت عليها وكالات أمنية أميركية وغربية أخرى.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن 3 مسؤولين مطلعين على تفاصيل الاتفاق قولهم إن المسؤولين الروس والإيرانيين وضعوا اللمسات الأخيرة على الصفقة، خلال اجتماع عُقد في إيران في أوائل نوفمبر الجاري، وأن البلدين يتحركان بسرعة لنقل تصميمات الطائرات ومكوناتها الرئيسية، التي قد تسمح ببدء الإنتاج في غضون أشهر.

وقال المسؤولون، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم أو جنسياتهم بسبب ضرورة حماية جهود جمع المعلومات الحساسة والمستمرة، إنه في حال تم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل فإنه سيمثل تعميقاً إضافياً للتحالف الروسي-الإيراني، الذي قدم بالفعل دعماً حاسماً لحملة موسكو العسكرية المتعثرة في أوكرانيا.

وأشاروا إلى أنه من خلال الحصول على خط خاص بها لتجميع الطائرات المسيَرة، ستتمكن روسيا من زيادة مخزونها بشكل كبير من أنظمة الأسلحة غير المكلفة نسبياً لكنها شديدة التدمير، والتي غيَرت طابع الصراع الأوكراني في الأسابيع الأخيرة.

نشر المسيرات

وذكر مسؤولو الاستخبارات أن روسيا نشرت أكثر من 400 طائرة مسيرة هجومية إيرانية الصُنع ضد أوكرانيا منذ أغسطس الماضي، مع استخدام العديد منها في شن ضربات ضد أهداف للبنية التحتية المدنية مثل محطات الطاقة.

ولفتت المصادر الاستخباراتية إلى أنه بعد إجبار روسيا على التخلي عن الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها قواتها في وقت مبكر من الحرب، تحولت موسكو إلى استراتيجية الهجمات الجوية التي لا هوادة فيها على المدن الأوكرانية، باستخدام مزيج من صواريخ كروز وطائرات بدون طيار ذاتية التفجير لقطع الكهرباء والمياه عن ملايين السكان.

وأكد المسؤولون، الذين تحدثوا إلى "واشنطن بوست"، أنه بالنسبة لموسكو يمكن للاتفاقية الجديدة أن تسد حاجتها الماسة إلى الذخائر دقيقة التوجيه، والتي تعاني من نقص في الحجم المعروض منها بعد 9 أشهر من القتال. 

كما ستوفر الصفقة أيضاً فوائد اقتصادية وسياسية كبيرة لإيران، إذ أنه بينما سعت الأخيرة إلى تصوير نفسها على أنها محايدة في الصراع الأوكراني، فإن ظهور طائرات بدون طيار إيرانية الصُنع فوق المدن الأوكرانية أثار تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية جديدة من أوروبا، مشيرين إلى أن قادة إيران قد يعتقدون أن بإمكانهم تجنب التعرض لعقوبات جديدة في حال تم تجميع الطائرات بدون طيار في الأراضي الروسية.

ووفقاً لمسؤولين أمنيين من دولتين راقبتا الأمر، تم الانتهاء من تفاصيل الصفقة الإيرانية-الروسية في اجتماع عُقد في أوائل نوفمبر، شارك فيه فريق من مفاوضي صناعة الدفاع الروسية الذين سافروا إلى طهران لترتيب الأمور اللوجستية.

ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية والإيرانية التي تديرها الدولة، سافر وفد منفصل برئاسة أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف إلى طهران في 9 نوفمبر الجاري، لمناقشة العقوبات الاقتصادية وغيرها من "التدخلات الغربية" في شؤون حكوماتهم من بين مواضيع أخرى.

خطوات سريعة

وتحدث أحد المسؤولين المطلعين على الاتفاق السري عن وجود محاولات حثيثة من كلا البلدين لتسهيل إنتاج طائرات مُسيَرة إيرانية التصميم داخل الأراضي الروسية، وقال المسؤول "إن الأمر يمضي بسرعة بدءً من اتخاذ القرارات إلى التنفيذ، فالخطوات تتم بسرعة وتحظى بالكثير من الزخم".

وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما في ذلك الولايات المتحدة، اطلعت على هذه المعلومات الاستخباراتية، لكن المسؤولين الحكوميين رفضوا مناقشة التفاصيل، كما رفض البيت الأبيض التعليق على المعلومات الواردة في هذا التقرير بشأن التعاون الروسي-الإيراني.

وفي تصريح لـ "واشنطن بوست"، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون: "يمكن لإيران وروسيا الكذب على العالم، لكن لا يمكنهما إخفاء الحقائق، فطهران تساعد في قتل المدنيين الأوكرانيين من خلال توفير الأسلحة ومساعدة روسيا في عملياتها في كييف، وهو ما يعد علامة على مدى عزلة كل منهما".

وأضافت: "تسعى الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها لاستخدام كل الوسائل المتاحة لفضح وردع ومواجهة توفير إيران لهذه الذخائر واستخدام روسيا لها ضد الشعب الأوكراني، وسنواصل تزويد كييف بالمساعدة الأمنية الحاسمة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي".

من جانبه، أحال متحدث باسم السفارة الروسية في واشنطن مراسلي الصحيفة إلى وزارة الدفاع الروسية، التي لم ترد على طلب "واشنطن بوست" للحصول على تعليق، كما رفضت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، الرد على المزاعم المذكورة في التقرير، لكن متحدثاً باسم البعثة اعترف بأن إيران وروسيا "مستمرتان في الحفاظ على تعاونهما الدفاعي والعلمي والبحثي الثنائي والذي يسبق بداية الصراع الأوكراني".

"تعاون دفاعي"

ونقلت الصحيفة عن مستشار البعثة الإيرانية مهدي نوريان قوله إنه بينما أعلنت طهران علناً ​​حيادها في الصراع، فإنها أعطت الأولوية لزيادة التعاون الدفاعي مع الدول الأخرى في العامين الماضيين، منذ انتهاء صلاحية قرار الأمم المتحدة الذي يقيد قدرتها على بيع الأسلحة. 

وأضاف: "بعد مزاعم استخدام طائرات إيرانية بدون طيار في نزاع أوكرانيا، طلبت طهران عقد اجتماع خبراء مشترك مع السلطات الأوكرانية للنظر في هذه المزاعم، وقد تم اتخاذ خطوات مهمة حتى الآن في الحوار التعاوني بين خبراء الدفاع الإيرانيين والأوكرانيين، وسيستمر الحوار في توضيح أي سوء تفاهم بشأن هذا الأمر".

وبعد أن أنكر سابقاً أن بلاده زودت روسيا بطائرات مسيرة أو صواريخ، أقر متحدث إيراني في وقت سابق من هذا الشهر بأن طهران باعت بعض طائراتها بدون طيار إلى موسكو، لكنه أشار إلى أنها فعلت ذلك قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.

وقالت الصحيفة إن هذا الادعاء بات محل تساؤلات، بعد العثور على طائرات بدون طيار داخل أوكرانيا، والتي احتوت بعضها على أجزاء إيرانية مختومة بتاريخ تصنيع فبراير 2022، مما يلقي بظلال من الشك حول ما إذا كان من الممكن تجميع الطائرة وشحنها إلى روسيا ونشرها قبل بدء الحرب.

وأوضح أحد المسؤولين للصحيفة: "لسنا متأكدين، ولكن من الواضح أن الروس يعرضون المساعدة الدبلوماسية والاقتصادية، كما أنهم يدركون أيضاً الضغط الدولي على إيران، ويريدون المساعدة في تخفيفه".

تحدي أمام روسيا

ونقلت "واشنطن بوست" عن خبراء سلاح قولهم إن السؤال الرئيسي الآن هو "ما إذا كان بإمكان روسيا اقتناء أو تصنيع الإلكترونيات والأنظمة البصرية التي تمكن الطائرات الإيرانية بدون طيار من تنفيذ ضربات دقيقة بنجاح على مسافات طويلة"، إذ كشف تحليل مستقل للطائرات الإيرانية بدون طيار التي تم العثور عليها في ساحة المعركة في أوكرانيا عن مدى اعتماد طهران المستمر على الدول الأجنبية للحصول على المكونات الرئيسية لهذه الطائرات.

وكشف تقرير أصدره معهد العلوم والأمن الدولي، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، في أكتوبر الماضي، وجود أجزاء محركات وإلكترونيات صنعتها شركات أميركية وألمانية وصينية، وذلك استناداً إلى فحص ثلاثة أنواع من الطائرات بدون طيار الإيرانية الصُنع.

وقال تقرير المعهد إنه في حين أنه من غير الواضح على وجه التحديد كيف حصلت إيران على هذه الأجزاء، فإن طهران لديها تاريخ طويل في الالتفاف على العقوبات الدولية، التي تهدف إلى تعطيل العمل على تصنيع الأسلحة وكذلك منشآت الطاقة النووية.

وأشار التقرير إلى أن انتهاء صلاحية الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على مبيعات الصواريخ الباليستية الإيرانية العام المقبل؛ قد يمنح طهران دفعة إضافية بصفتها تاجر لهذه الأسلحة، مما يعني أنها "ستكون حرة في مواصلة بيع أسلحتها إلى روسيا وآخرين".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات