تُجري تونس انتخابات برلمانية جديدة السبت، وسط دعوات أحزاب المعارضة لمقاطعة التصويت، معللة ذلك بأن المجلس التشريعي الذي سيتشكل في ظل إصلاحات ركزت السلطة في يد الرئيس قيس سعيد "غير قانوني" و"من دون صلاحيات".
والبرلمان المقبل الذي سيصوت لاختياره التونسيون هو الأول في ظل الدستور الجديد، الذي أقرّه استفتاء شعبي، شارك فيه حوالي 30% من جمهور الناخبين.
ويتكون البرلمان الجديد من 161 نائباً ويحلّ محل البرلمان الذي جمّد سعيّد أعماله في 25 يوليو 2021، ثم حلّه لاحقاً، كما قرّر آنذاك احتكار السلطات في البلاد، معلّلا قراره بعدم فاعلية البرلمان السابق ومعلناً انطلاق "عهد جديد".
وكان البرلمان السابق معززاً بصلاحيات حكم فعلية وواسعة، بينما سيكون البرلمان المقبل مجرّداً منها بموجب الدستور الجديد، وفقاً لـ"فرانس برس".
"مستقبل الديمقراطية"
ونقلت "بلومبرغ" عن عضو المكتب السياسي لحزب "آفاق تونس" (معارضة) القول إن الانتخابات التشريعية المقبلة "جزء أساسي من عملية إرساء نظام دكتاتوري".
وأرجعت وزيرة الشباب والرياضة السابقة ذلك إلى كون البرلمان الجديد "مُجرّداً" من صلاحيات الرقابة التنفيذية وسلطة عزل الرئيس، لافتةً إلى أن تونس ستصبح خطوة أخرى أقرب إلى "حكم الرجل الواحد" قبل ثورة 2011، حسب تعبيرها.
وبحسب الدستور الجديد، يمكن للبرلمان اقتراح مشاريع قوانين على أن تُقدّم من جانب 10 نواب على الأقل، مع إعطاء الأولوية للنصوص التي يقدّمها الرئيس.
في المقابل، يدافع الرئيس التونسي على المسار الذي أطلقه منذ يوليو 2021، والذي شمل إقالة البرلمان وتنظيم استفتاء على دستور جديد وإقرار قانون جديد للانتخابات.
وقال سعيّد، الأربعاء، خلال لقاء مع بوب ميننديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي إن "الخطوات التي تم قطعها جاءت بدعم شعبي واسع"، مشيراً إلى أن "تونس مقبلة على تنظيم انتخابات تشريعية في احترام تام للموعد المحدد لها سلفاً".
وشدد في الوقت ذاته على أن تونس "متشبثة بقيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتقاسمها مع كل شعوب العالم"، حسب ما جاء في بيان نشرته الرئاسة التونسية.
وكرّر الرئيس التونسي دفاعه عن إجراءاته خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن، الأربعاء، رافضاً الانتقادات الأميركية.
وقال سعيّد في الاجتماع على هامش القمة الأميركية الإفريقية: "أينما ذهبت، كان المواطنون التونسيون يطالبون بحل البرلمان وانتهى بي الأمر بحله.. لماذا؟ لأن البلاد كانت على شفا حرب أهلية، لذلك لم يكن لدي خيار آخر لإنقاذ الشعب التونسي".
وأوضح أنه استقبل وقتها "العديد من النواب في قرطاج (مقر القصر الجمهوري) وطالبوني بحل البرلمان".
في المقابل، أشاد بلينكن بـ"الشراكة طويلة الأمد" بين الولايات المتحدة وتونس، كما أعرب عن دعم بلاده لـ"انتخابات شاملة وشفافة"، من أجل ضمان "سماع أصوات متنوعة في تونس".
المعارضة: برلمان دون صلاحيات
وعقب الانتخابات المرتقبة السبت، من المقرر أن يتم الإعلان في 20 مارس المقبل عن تركيبة البرلمان النهائية بعد تنظيم الدورة الثانية للانتخابات التشريعية بين شهري فبراير ومارس.
وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف من مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات، وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتهم بدون انتماءات سياسية.
وقاطعت أحزاب سياسية الانتخابات وفي مقدمتها حزب النهضة، المعارض الأول لسعيّد والذي كان أكبر الأحزاب المهيمنة على البرلمان طوال عشر سنوات، إذ إنه يعتبر إجراءات الرئيس سعيد "انقلاباً على الدستور وعلى الثورة".
بدوره، جدد أحمد نجيب الشابي رئيس "جبهة الخلاص" وهي تكتل لأحزاب معارضة، في مؤتمر صحافي الخميس مقاطعة الانتخابات و"عدم الاعتراف بنتائجها"، وقال إن "نداءنا الأخير لعامة المواطنين بأن يمسكوا عن المشاركة في انتخابات يوم السبت" لأن "البرلمان سيكون مسخاً دون صلاحيات".
وتضم الجبهة 5 أحزاب معارضة هي "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل"، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، وعدد من أعضاء البرلمان المنحل.
أمّا الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة العمالية الرئيسية في البلاد والذي قبل بقرارات الرئيس يوم 25 يوليو 2021 بدون منحه "شيكاً على بياض"، فقد أظهر في الأيّام الأخيرة موقفاً مختلفاً وأكثر حدة تجاه مشروع سعيّد السياسي. واعتبر أمينه العام نور الدين الطبوبي في خطاب أمام أنصار الاتحاد أن الانتخابات القادمة "لا طعم ولا لون لها" وهي نتاج "دستور لم يكن محلّ توافق".
في الوقت ذاته، شدد الطبوبي لإذاعة "موزاييك" التونسية على أن الاتحاد لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكداً أن الهيئة الإدراية للاتحاد المنعقدة منذ الاستفتاء أعطت حرية التصويت الفردي للناخبين.
9 ملايين ناخب
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، الخميس، أن 9 ملايين و200 ألف ناخب مدعوون للتصويت في الانتخابات التشريعية السبت، في 11 ألفاً و485 مكتب اقتراع.
وأوضح في مؤتمر صحافي أن "الناخبين ينقسمون إلى 50.8% من النساء و49.2% من الرجال"، لافتاً إلى أن "الشباب (بين 18و45 سنة) يمثل 55% من كتلة الناخبين".
وعبّر بوعسكر عن أمله في ارتفاع المشاركة في الانتخابات "إلى أكثر من مليونين و900 ألف ناخب في انتخابات السبت" وهو الرقم المسجل في الانتخابات التشريعية لعام 2019.
يأتي ذلك، فيما تحدّثت وسائل إعلام في تونس عن "لا مبالاة" بهذه الانتخابات، بحسب وكالة "فرانس برس".
ويتنافس 1058 مرشحاً وفق نظام الترشح الفردي على 154 من أصل 161 مقعداً في مجلس نواب الشعب، في ظل عدم الترشح في 7 دوائر خارج تونس.
اقرأ أيضاً: