عامان على بريكست.. ماذا تغير في بريطانيا؟

مظاهرات مناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في لندن. 22 أكتوبر 2022 - Getty Images
مظاهرات مناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في لندن. 22 أكتوبر 2022 - Getty Images
لندن -بهاء جهاد

بعد مرور عامين على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إذ دخل اتفاق "بريكست" حيز التنفيذ في الأول من يناير 2021، كثرت الأسئلة، إعلامياً وشعبياً بشأن جدوى "بريكست"، وماذا تحقق منه حتى الآن. خاصة أن استطلاع رأي حديث أجرته صحيفة "الإندبندنت" أفاد بأن ثلثي البريطانيين يرغبون في إجراء استفتاء على عودة بلادهم إلى عضوية التكتل. 

قبل شهر من الاستطلاع، أجرت مؤسسة "يوجوف" مسحاً لآراء من صوتوا على الطلاق بين لندن وبروكسل في استفتاء عام 2016، فأظهرت الننائج أن ثلث هؤلاء فقط لا زالوا يتمسكون برأيهم حتى الآن، بينما تغيرت قناعة الباقين إلى النقيض. وعلى الرغم من ذلك لا توجد تصريحات رسمية تلمح إلى إمكانية العودة عن "بريكست".

من وجهة نظر مختصين وخبراء فإن ما تعيشه البلاد من مصاعب اقتصادية بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، هو الدافع الرئيسي وراء شعور البريطانيين بـ"الندم" إزاء الخروج، فضلاً عن أن المملكة المتحدة "لم تستقل" أوروبياً بشكل كامل بعد، وما بقي من قضايا عالقة كشف صعوبة انفصال لندن وبروكسل.

طلاق غير مكتمل 

في مقالة نشرتها صحيفة "الإندبندنت" قبل أيام، قال الأستاذ في جامعة كينجز كولج في لندن، جون رنتول، إن "مراجعة أحداث العامين الماضيين، تشير بوضوح إلى أن المملكة المتحدة لم تتمكن حتى الآن من إنجاز (بريكست) كما يجب. أو كما سوق معسكر الخروج خلال الحملات التي سبقت استفتاء عام 2016". 

ولفت رنتول إلى 4 ملفات رئيسية لم تحسم في الخروج على الرغم من دخوله حيز التنفيذ منذ نهاية 2020، الأول هو إيرلندا الشمالية العالقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والثاني جبل طارق وعلاقاته المتشابكة مع إسبانيا على الرغم من أنه يتبع التاج البريطاني ويعتبر جزءاً من الدولة، والثالث يتعلق بالقوانين الأوروبية النافذة حتى الآن في المملكة المتحدة، والرابع هو سلطة القضاء الأوروبي وقدرته على الفصل في القضايا البريطانية، بما فيها المتعلقة بقرارات حكومية، مثلما حدث في ترحيل المهاجرين.  

ووفقا للأكاديمي في جامعة كينجز كولج، لا تعتبر الملفات الأربعة هامشية عند تقييم إتمام "بريكست". فكل واحد منها يشبه رأس جبل الجليد الذي يهدد مستقبل المملكة المتحدة على طريق "الاستقلال" أوروبياً، مشيراً إلى ذلك الاستعصاء الواضح في معالجة تلك الملفات من قبل حكومة حزب المحافظين طوال عامين كاملين.

خسائر اقتصادية

ويرى المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان، أن المشكلات التي يعيشها اقتصاد المملكة المتحدة منذ الخروج، هي السبب الأبرز لتغير المزاج العام في البلاد إزاء "بريكست"، لافتاً إلى أن هذه المشكلات لا تنحصر في انحسار الأسواق الخارجية أمام منتجات الشركات والمصانع البريطانية، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى مثل نقص اليد العاملة، وتراجع قيمة الأجور، وتبدد وعود استثمار كلفة عضوية الاتحاد الأوروبي على تحسين مستوى الحياة في المدن التي تعاني تراجعاً في جودة خدماتها ومعيشة سكانها. 

وشدد بوسلان لـ"الشرق" على أن طلاق لندن وبروكسل تزامن في عامه الأول مع تفجر وباء كورونا، وهو ما زاد من الآثار الاقتصادية للخروج بنسبة يصعب تقديرها حتى الآن، فيما تزامن العام الثاني مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تسبب في عجز إمدادات الطاقة، وزاد من معدلات التضخم عالمياً إلى مستويات غير مسبوقة انعكست على كل شيء. 

وأشار بوسلان إلى فشل حزب المحافظين حتى الآن في إبرام اتفاقيات التجارة الحرة التي وُعد بها في انتخابات 2019، وهي اتفاقيات تعول عليها الشركات البريطانية لتعويض النقص في السوق الأوروبية، ناهيك عن أن الخروج وما تبعه من أزمات، زاد من تكلفة تشغيل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا.  

وخلص مركز الإصلاح الأوروبي أخيراً إلى أن "بريكست" ترك الاقتصاد البريطاني أصغر بنسبة 5.5% مما كان يمكن أن يكون لو بقيت المملكة المتحدة ضمن التكتل، كما زاد الخروج من الضغط على الخدمات العامة وتسبب في الإضرابات التي طالت قطاعي النقل والخدمات الصحية.

ونوه المركز إلى أن تباطؤ نمو الاقتصاد البريطاني يؤثر على عائدات الخزانة، معتبراً أن الزيادات الضريبية المُعلن عنها في البيان المالي للخريف لم تكن ضرورية لو بقيت لندن في الاتحاد الأوروبي.

تنظيم الهجرة

كان تنظيم الهجرة إلى بريطانيا من أهم دوافع المؤيدن للخروج في استفتاء عام 2019، ولكن خلال العامين الماضيين، ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى المملكة المتحدة بنسب كبيرة، ووصل إلى الشواطئ البريطانية خلال 2021 و2022 أكثر من 70 ألف مهاجر حملتهم قوراب صغيرة عبرت بحر المانش انطلاقاً من السواحل الفرنسية، الأمر الذي دفع حكومة لندن إلى إبرام اتفاق مع باريس بعشرات ملايين الجنيهات سنوياً من أجل وقف ما وصفته وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بـ "غزو المهاجرين". 

وأعدت الحكومة البريطانية أيضاً خطة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى دولة راوندا في إفريقيا، لكنها عندما جهزت طائرة لنقل أول دفعة منهم تدخلت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وأوقفت الرحلة، وهو ما يعكس النفوذ المستمر للقانون والقضاء الأوروبيين في المملكة المتحدة. خاصة أن البريطانيين لا زالوا حتى اليوم يستخدمون أكثر من 2500 تشريع أوروبي في مختلف مجالات عملهم وحياتهم. 

وفي مقابل مساعيها لوقف الهجرة غير الشرعية، تحاول الحكومة البريطانية تسهيل عملية وصول العمالة الأجنبية لتعويض نقص الأيدي العاملة الأوروبية، وتشير أرقام غير رسمية إلى أن نحو نصف مليون أوروبي كان يحق لهم العمل في المملكة المتحدة بعد "بريكست" عادوا إلى دولهم بسبب الجائحة ولم يعودوا ثانية.  

وأوضح البروفيسور في الاقتصاد والسياسة العامة جوناثان بورتز لصحيفة "الجارديان"، أن نظام الهجرة الجديد في بريطانيا مرن إلى حد ما بالنسبة للوظائف التي تحتاج مستويات علمية أو مهنية متقدمة، ويدفع فيها مرتبات تزيد على 25 ألف جنيه استرليني سنوياً، أما العمالة منخفضة الأجر فلا يستطيع أصحاب المال والشركات إصدار تأشيرات لهم، وهنا تكمن مشكلة قطاعات مثل الحانات والمزارع والمطاعم.

وقالت الدكتورة ابتسام عباس، مديرة مركز متخصص في إعداد الأطباء الأجانب للعمل في المملكة المتحدة، لـ"الشرق"، إن استقبال العمالة من خارج الاتحاد الأوروبي لا يزال صعباً جداً بسبب المعايير البريطانية في ممارسة بعض التخصصات، موضحة أن رحلة تعديل الشهادات في الطب والتمريض مثلاً، قد تمتد إلى سنوات وهي مكلفة جداً خاصة بالنسبة للذين لا يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى في أوطانهم.  

انفصال اسكتلندا

وامتدت تداعيات "بريكست" خلال العامين الماضيين إلى جوانب أخرى غير الاقتصاد والهجرة، فالوحدة بين دول المملكة المتحدة الأربع أصبحت على المحك، بعد أن أخذت مساعي الحزب القومي الاسكتلندي للانفصال طابعاً قانونياً، ولجأ الحزب إلى المحكمة البريطانية العليا لانتزاع موافقتها على استفتاء جديد بشأن زواج لندن وأدنبرة بحجة أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أضر بمصالح اسكتلندا، وبدل الظروف التي أيد على ضوئها الاسكتلنديون الوحدة بين الدولتين عام 2014.  

صحيح أن القضاء البريطاني رد طلب الحكومة الاسكتلندية بإجراء الاستفتاء، ولكن رئيسة الحكومة نيكولا ستيرجن أعلنت أن الانفصال عن بريطانيا هو العنوان الوحيد على برنامج حزبها الحاكم في الانتخابات العامة عام 2024، وبالتالي ستجعل ستيرجن وحزبها القومي الاسكتلندي، الانتخابات بمثابة استفتاء شعبي غير مباشر على الوحدة مع لندن. وإن ظفرت بأغلبية ساحقة في برلمان أدنبرة ستقلب الطاولة على الجميع.

في السياق ذاته، أصبحت العلاقة بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية متوترة أيضاً بسبب "بريكست"، فحزب "شين فين" المؤيد للوحدة مع جمهورية إيرلندا، فاز في الانتخابات الأخيرة بإيرلندا الشمالية، وأحرج الحزب الديمقراطي الاتحادي المؤيد للوحدة مع بريطانيا. ما دفع الأخير إلى التمرد، وإعلان تعليقه المشاركة في الحكومة كما ينص اتفاق الجمعة العظيمة المبرم عام 1998 بين بلفاست ولندن ودبلن. 

وزار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بلفاست منذ أيام لحل الأزمة المستمرة منذ مايو، ولكن دون جدوى، فلا زال الحزب الاتحادي يشترط حل مشكلة بروتكول إيرلندا الشمالية في اتفاق "بريكست" قبل مشاركته في الحكومة، واستمرار هذا الاستعصاء يمكن أن يؤدي إلى انتخابات جديدة في إيرلندا الشمالية خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولا توجد أي ضمانات أن يتغير الموقف بعدها أو لا ينحدر إلى الأسوأ. 

نقاط إيجابية  

ومقابل التداعيات السلبية السابقة، تسجل تقارير إعلامية لـ "بريكست" نقطتين إيجابيتين، الأولى هي تقدم بريطانيا على دول الاتحاد الأوروبي في تطعيم سكانها ضد وباء كورونا، والثانية تفوقها على دول التكتل في حجم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا في الحرب مع روسيا

بالنسبة للنقطة الأول، أكد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أن سرعة موافقة السلطات المختصة في بلاده على لقاحات كورونا لم تكن بسبب الخروج، لأن القانون الأوروبي رقم 174 الصادر في عام 2012، يسمح لبريطانيا أو غيرها من دول التكتل، بالموافقة على لقاح أو دواء بمفردها في حالات خاصة كالأوبئة، أما سرعة توفير اللقاح للبريطانيين فهي حجة معسكر الخروج للتأكيد على جدوى "بريكست".  

النقطة الثانية، توقف عندها مركز UKICE للأبحاث في سياق استطلاع للرأي أجراه أخيراً عن نتائج "بريكست" مع نهاية العام الماضي، وأيد 37% فكرة أن الخروج أتاح لبريطانيا تقديم دعم أقوى لأوكرانيا، مقابل اعتقاد 17% أن دعم لندن لكييف بدا أضعف لأنها خارج الاتحاد الأوروبي. والبقية قالوا إن هذا الدعم لم يكن ليتأثر لو بقيت المملكة المتحدة ضمن الأسرة الأوروبية حتى الآن. 

وقال المركز إن غالبية واضحة من المشاركين في استطلاعه، اتفقوا على أن "بريكست" هو السبب الرئيسي لمشكلات الاقتصاد البريطاني، ورغم هذا تراجعت نسبة المطالبين بعلاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي مستقبلاً من 34% في فبراير 2022 إلى 32% نهاية العام، فيما ارتفعت نسبة المؤيدين لإبقاء العلاقات على حالها اليوم من 19% إلى 24%، في الفترة ذاتها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات