نقل مسؤولون أميركيون عن معلومات استخباراتية، الثلاثاء، قولها إن جماعة أوكرانية نفذت الهجوم على خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، في سبتمبر الماضي.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن معلومات استخباراتية جديدة استعرضها مسؤولون أميركيون ترجح أن جماعة موالية لأوكرانيا نفذت الهجوم على خطوط أنابيب "نورد ستريم"، مشيرة إلى أن ذلك يشكل خطوة نحو تحديد المسؤولية عن العمل الذي أربك المحققين على جانبي المحيط الأطلسي لعدة أشهر.
وأشار المسؤولون إلى "عدم امتلاكهم أي دليل على تورط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو كبار مساعديه في العملية، أو أن الجناة كانوا يتصرفون بتوجيه من أي مسؤول حكومي أوكراني".
وأثار الهجوم على خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، التي تربط روسيا بأوروبا الغربية، تكهنات عامة بشأن من يقع عليه اللوم، من موسكو إلى كييف ومن لندن إلى واشنطن، وظل أحد أكثر الألغاز التي لم تحل في الغزو الروسي لأوكرانيا والمستمر منذ عام.
ويرى بعض المسؤولين أن أوكرانيا وحلفاءها لديهم الدافع الأكثر منطقية لمهاجمة خطوط الأنابيب، إذ عارضوا المشروع لسنوات، ووصفوه بأنه "تهديد للأمن القومي"، لأنه سيسمح لروسيا ببيع الغاز بسهولة أكبر إلى أوروبا.
في المقابل يقول مسؤولو الحكومة الأوكرانية والاستخبارات العسكرية إنهم "لم يكن لهم دور في الهجوم ولا يعرفون من نفذه".
وامتنعت متحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA عن التعليق للصحيفة، وأحال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، الأسئلة التي وردته إليه في الإيجاز الصحافي اليومي، الثلاثاء، بخصوص هذا الشأن إلى السلطات الأوروبية التي لا تزال تجري تحقيقاتها الخاصة، لافتاً إلى أن واشنطن لا ترغب في استباق تلك التحقيقات.
مسؤولية روسيا
وبحسب الصحيفة، فإن بعض التكهنات الأولية الأميركية والأوروبية ركزت على المسؤولية الروسية المحتملة، لا سيما بالنظر إلى براعتها في تنفيذ عمليات تحت البحر، على الرغم من أنه من غير الواضح ما هو الدافع الذي كان لدى الكرملين لتخريب خط الأنابيب، خاصة أنها كانت مصدراً مهماً للإيرادات.
ولفت المسؤولون إلى أنهم "لم يعثروا على أي دليل على تورط الحكومة الروسية في الهجوم"، وقدروا تكلفة إصلاح خطوط الأنابيب بحوالي 500 مليون دولار.
وقال المسؤولون الأميركيون، في حديثهم لـ"نيويورك تايمز"، إن هناك الكثير مما لا يعرفونه عن الجناة وانتماءاتهم.
وأشاروا في مراجعة المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها حديثاً إلى أن "المنفذين كانوا معارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن المعلومات لم تحدد أعضاء الجماعة، أو من أدار العملية أو دفع ثمنها".
ورفض المسؤولون الأميركيون الكشف عن طبيعة المعلومات الاستخباراتية أو كيفية الحصول عليها أو أي تفاصيل عن قوة الأدلة التي تحتويها، وقالوا إنه لا توجد استنتاجات مؤكدة بشأن الموضوع، ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال أن تكون العملية نفذت من قبل قوة بالوكالة لها صلات بالحكومة الأوكرانية أو أجهزتها الأمنية.
وقال المسؤولون الذين راجعوا المعلومات الاستخباراتية إنهم يعتقدون أن "المخربين كانوا على الأرجح مواطنين أوكرانيين أو روس، أو مزيج من الاثنين"، لافتين إلى أنه "لم يشارك أي مواطن أميركي أو بريطاني".
وشددوا أيضاً على أن بايدن وكبار مساعديه "لم يأذنوا بمهمة لتدمير الخطوط، ولم يكن هناك أي تورط للولايات المتحدة".
"برعاية دولة"
وقال مسؤولون أوروبيون إنهم يعتقدون أن العملية ربما كانت "برعاية دولة" نظراً لأنها عملية المتطورة قام خلالها الجناة بزرع وتفجير المتفجرات في قاع بحر البلطيق دون أن يتم اكتشافهم، فيما لم يصرح المسؤولون الأميركيون بأنهم يعتقدون أن العملية كانت برعاية دولة.
وقال المسؤولون الأميركيون الذين راجعوا المعلومات الاستخباراتية الجديدة، إن المتفجرات زرعت على الأرجح بمساعدة غواصين ذوي خبرة لا يبدو أنهم يعملون لصالح أجهزة عسكرية أو استخباراتية، لكن من الممكن أن يكون الجناة قد تلقوا تدريباً حكومياً متخصصاً.
وقال مسؤولون إنه لا تزال هناك فجوات هائلة في ما تعرفه وكالات الاستخبارات الأميركية وشركاؤها الأوروبيون عما حدث، لكن المسؤولين قالوا إن ذلك قد يشكل أول دليل مهم يخرج من عدة تحقيقات تخضع لحراسة مشددة وقد يكون لاستنتاجاتها آثار عميقة على التحالف الداعم لأوكرانيا.
واعتبر المسؤولون أن التقارير الاستخباراتية الجديدة "زادت من تفاؤلهم بأن وكالات الاستخبارات الأميركية وشركاءها في أوروبا يمكنها العثور على مزيد من المعلومات، ما قد يسمح بالتوصل إلى استنتاج قاطع بشأن الجناة".
تحقيق هيرش
وانتهى تحقيق استقصائي أجراه الصحافي الأميركي سيمور هيرش، الشهر الماضي، إلى أن الولايات المتحدة تقف وراء تنفيذ التفجيرات، في عملية سرية نفذتها قوات البحرية الأميركية، فيما نفى البيت الأبيض ما وصفه بـ"الادعاءات الكاذبة" في التحقيق.
وفي التحقيق الاستقصائي، قال هيرش إنه يمكن العثور على "مركز الغوص والإنقاذ" التابع للبحرية الأميركية في موقع غامض مثل اسمه، أسفل ما كان في السابق حارة ريفية في مدينة بنما سيتي، وهي مدينة ساحلية مزدهرة الآن في جنوب غرب فلوريدا، على بعد 70 ميلاً جنوب حدود ولاية ألاباما.
ولفت هيرش إلى أن زوجاً من خطوط الأنابيب، التي كانت تعرف مجتمعة باسم "نورد ستريم"، تزود ألمانيا والكثير من دول أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي الروسي الرخيص لأكثر من عقد. وتم بناء زوج ثان من خطوط الأنابيب يسمى "نورد ستريم 2"، لكن لم يتم تشغيله بعد.
ومع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية ونذر الحرب الأكثر دموية في أوروبا منذ عام 1945 التي كانت تلوح في الأفق في ذلك الوقت، رأى الرئيس الأميركي جو بايدن أن خطوط الأنابيب تتيح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام الغاز الطبيعي كسلاح في مواجهة أوروبا.
وخلصت السويد والدنمارك اللتان وقعت التفجيرات في منطقتيهما الاقتصاديتين الخالصتين، إلى أنه تم تفجير خط الأنابيب "عمداً"، ولكنهما لم تحددا المسؤول.
ووصفت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" الحادث بأنه "عمل تخريبي". واتهمت موسكو الغرب بالمسؤولية عن التفجيرات التي لم تتكشف تفاصيلها وأسفرت عن حدوث تصدعات في الأنابيب. ولم يقدم أي من الجانبين دليلاً على ما يقوله.